القرآن والسنة من الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن والسنة من الله تعالى
مهران ماهر عثمان
20 ذو الحجة 1442هـ
مسجد السلام بالطائف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعنوان خطبتنا هذه: السنة والقرآن من الله.
لماذا؟
للهجوم الكبير الذي تشهده الساحة على السنة النبوية، ومنه ما جاء في هذا الخبر: “قررت السعودية إنشاء هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية بهدف القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب.
وكشفت وزارة الثقافة والإعلام السعودية أن المملكة ستراقب تفسير أحاديث النبي محمد حتى لا تستخدم في تبرير العنف أو الإرهاب. وأمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في مرسوم بإنشاء هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية.
وقالت الوزارة إن هدف الهيئة – التي سيشرف عليها مجلس من كبار رجال الدين الإسلامي من مختلف أنحاء العالم- هو القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل.
ويرأس الهيئة الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ عضو هيئة كبار العلماء أعلى سلطة دينية في المملكة.
وكانت الحكومة السعودية قد عزلت العديد من رجال الدين وقالت إنهم يحرضون على العنف أو الفتنة، فيما قال عادل الجبير وزير الخارجية إن الآلاف من رجال الدين المتطرفين جرى فصلهم”.
لذلك كان الحديث في هذه الجمعة عن السنة النبوية وأنها وحيٌّ كالقرآن الكريم.
إنَّ مما يجب علينا اعتقاده: أن السنة من الله تعالى، فما هي الأدلة على ذلك؟
السنة وحي
1/ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: 113].
والحكمة السنة، قال ذلك: الحسن، وقتادة، ومقاتل، وابن كثير [تفسير القرآن العظيم 1/275]. وقاله الشافعي رحمه الله [الرسالة، ص34].
2/ قال تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 17 – 19].
دلت الآية على أن الله تعالى تكفل ببيان القرآن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير رحمه الله: “تَكَفَّلَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ فِي صَدْرِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَهُ لِأَدَائِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَلْقَاهُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ وَيُفَسِّرَهُ وَيُوَضِّحَهُ” [تفسير ابن كثير 8/ 278].
فهذا البيان والتفسير بوحي من الله، وليس مما يتلى، فدل ذلك على أن السنة وحي.
3/ قال تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران: 124].
فذكر الله تعالى لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد أصحابه بذلك، وهذا لا يكون إلا بوحي؛ لأنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: “إِذْ تَعِدُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِمْدَادِ اللَّهِ بِالْمَلَائِكَةِ، فَمَا كَانَ قَوْلُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ تِلْكَ الْمَقَالَةَ إِلَّا بِوَعْدٍ أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَقُولَهُ” [التحرير والتنوير 4/ 72].
4/ معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الكعبة بقرآن يتلى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، ومعلوم أنه قبل ذلك كان يصلي إلى بيت المقدس، ولا يوجد في القرآن دليل على هذا، فهذا يدل على أن استقباله لبيت المقدس في أول الأمر بوحيٍّ نزل عليه.
5/ قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم: 3].
والمعنى: واذكر حين خص النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بخبر، وكان منه أنه لن يقرب زوجته مارية، أو لن يشرب العسل، فلما أخبرت حفصة عائشة بالخبر وأعلم الله نبيه عن إفشاء سره عاتب حفصة فذكر لها بعضا مما ذكرت وسكت عن بعض، فسألته: من أخبرك هذا؟ قال: أخبرني العليم بكل شيء الخبير بكل خفي.
والسؤال: قال ربنا: ﴿نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم: 3]، فأين هذا الإنباء؟ بوحي ليس في القرآن؟
6/ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ [النمل: 91].
فمكة حرام.
وفي السنة في الصحيحين دليل على أن الله أحلها لنبينا صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار.
ففتحها بعدما أُحلت له.
ثم حدثنا ربنا عن هذا الفتح فقال: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 – 3].
وهذا يدل على أن الله أحلَّها له كما ثبت عنه.
فأين هذا الإذن؟
وحي لا وجود له في القرآن.
7/ قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3، 4].
قال ابن كثير رحمه الله: “﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾، أَيْ: مَا يَقُولُ قَوْلًا عَنْ هَوًى وَغَرَضٍ، ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾، أَيْ: إِنَّمَا يَقُولُ مَا أُمِرَ بِهِ، يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّاسِ كَامِلًا موفَّرًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ” [تفسير القرآن العظيم].
وقال صديق حسن خان رحمه الله: “ما هذا الذي ينطق به من القرآن وكل أحواله وأقواله وأفعاله إلا وحي من الله يوحيه إليه، ويوحى صفة لوحي تفيد الاستمرار التجددي وتفيد نفي المجاز” [فتح البيان].
8/ في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِي ذَلِكَ».
فهل ما قاله جبريل عليه السلام في هذه الواقعة مما يُقرأ في القرآن الكريم؟!!
9/ عن المقدام بن معدي كَرِب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنّي أوتيت القرآن ومثله معه، ألا وإن مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» رواه الترمذي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2870).
10/ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: «يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ» رواه مسلم.
فهل تجدون كلام الله هذا في القرآن الكريم؟!
11/ كل حديث فيه ذكرٌ لتعليم جبريل عليه السلام لنبينا صلى الله عليه وسلم فهو من الأدلة على ذلك؛ فإن الملائكة لا تنزل إلا بأمر الله. ثبت في صحيح البخاري، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا»، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ [مريم: 64].
ومن ذلك هذا الحديث: «مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» رواه الشيخان.
12/ قال ابن حزم رحمه الله: “صحَّ أنَّ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّه في الدِّين وحي من عند الله عز وجل، لا شك في ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في: أنَّ كلَّ وحيٍّ نَزَلَ من عند الله تعالى فهو ذِكْرٌ مُنزل” [الإحكام في أصول الأحكام 1/ 114]
أقوال العلماء في ذلك
1) قال حسان بن عطية رحمه الله: “كان جِبْرِيلُ يَنْزِلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِالسُّنَّةِ، كما يَنْزِلُ عليه بِالْقُرْآنِ” رواه الدارمي في السنن. وحسان بن عطية أحد التابعين، من ثقات الشاميين.
2) قال أبو البقاء الحسيني رحمه الله: “القرآن والحديث يتَّحدان في كونهما وحياً مُنَزَّلاً من عند الله” [كليات أبي البقاء، ص722].
سؤال وجواب
فإن قيل: إذا كانت السنة وحيا فما الفرق بينها وبين القرآن؟
الجواب:
القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما السنة فإن الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيقول الحديث بلفظه، فاللفظ من نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما هي وحي من الله.
بقيت إشكالات وشبهات يثيرها أعداء السنة نتعرف عليها في خطبة قادمة بمشيئة الله تعالى.
رب صل وسلم على نبينا محمد.

