مقالات

الكبر والعجب

بسم الله الرحمن الرحيم

الكبر والعجب

مهران ماهر عثمان

خطبة 16 شعبان 1430هـ

مسجد خالد بن الوليد بأركويت63

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن من الأخلاق الرذيلة التي يجب علينا أن نجتنبها ويوصي بعضنا بعضاً باجتنابها: خلق الكبر والعجب، وهذه وقفات في بيان ما يتعلق بهذا الخلق.

معنى الكبر

في اللغة: العظمة.

وكبر الشيء معظمه، قال تعالى: ﴿والذي تولى كبره …﴾، أي معظم أمره.

وأما شرعاً فقد عرفة نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا نحتاج إلى تعريف غيره.

ثبت عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» [مسلم].

بطر الحق: دفعه.

غمط الناس: استحقارهم.

فهل من فرق بين العجب والكبر؟

نعم..

العجب قاصر والكبر متعدٍ.

فشعور الإنسان بعظمة نفسه عجب، وتعاليه على غيره كبر.

والكبرياء كمال في الخالق نقص في المخلوق:

وهذا الباب على ثلاثة أقسام:

1/ صفات هي كمال في الخالق والمخلوق.

مثل الحياء.

2/ وصفات هي كمال في المخلوق دون الخالق.

كالنوم والأكل، وإن كانت كمالا باعتبار، ونقصا باعتبار آخر؛ لأن الأكل دليل الحاجة.

3/ وصفات هي كمال في الخالق نقص في المخلوق.

كالكبرياء والعظمة.

قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.

وقال: ﴿وله الكبرياء في السماوات والأرض﴾، أي: يعظمه أهل السماوات والأرض.

وعند مسلم وأبي داود، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّار».

فعدم الكبرياء كمال في المخلوق، وعدمه من سمات الأبرار:

قال تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾

وقال: ﴿إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون﴾

أنواع التكبر

للتكبر أنواع ثلاثة:

الأول: التكبر على الله تعالى.

الثاني: التكبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: التكبر على العباد.

النهي عن التكبر:

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾.

وقال: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

والصَّعَر: داء يلوي منه العير عنقه.

والمعنى: لا تمل عنقك تكبراً إذا خاطبت الناس.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كلمه أحد أقبل عليه بكليته.

الترهيب عن الكبر

يحمل على الإعراض:

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾

فكانت عاقبته أن قال له ربه: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾.

وما عذبت الأمم السابقة إلا بعد كفرهم وتكذيبهم لرسلهم، وإنما حملهم عليه استكبارهم.

قال تعالى: ﴿وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا﴾.

يستوجب صاحبه العقوبة في الدنيا:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [البخاري ومسلم].

وثبت عند مسلم أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  بِشِمَالِهِ فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ». قَالَ : لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ». قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.

ولا يخفى عليك ما حل بقارون لما تكبر وطغى.

والمتكبر مبغوض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

ففي جامع الترمذي، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون». قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون. فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون».

ويُحشرون أمثال الذر يوم القيامة

ففي سنن الترمذي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ».

والمتكبِّر يغضب الله عليه

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» [رواه أحمد والطبراني].

وفي الصحيحين عنه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون، أين المتكبرون»؟

ولا يدخل الجنة متكبر

ففي صحيح مسلم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».

وهو متوعد بالنار

قال تعالى: ﴿وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين * قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين﴾.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجَّت النار والجنة فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون. وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين. فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذِّب بك مَن أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكلّ واحدة منكما ملؤها» [البخاري ومسلم].

وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأهل النار»؟ قالوا: بلى. قال: «كل عتل جواظ مستكبر».

والعتل: الجافي الشديد الخصومة.

والجواظ: الجموع المنوع، وقيل: المختال في مشيته.

وفي المسند للإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ، وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْسًا، بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ فَيَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ»

أسباب التكبر:

المال

ومن تكبر به فعليه أن يعلم أن الله جعله مستخلفا فيه ليرى كيف يصنع، والمال ليس معياراً للتفاضل عند الله تعالى.

المنصب

وهذا المنصب الذي يتعالى به الجاهل على عباد لا يبقى لأحد، ولو بقي لأحد لما آل إلى هذا المتكبر أمره!

النسب

والله يقول: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾.

ويقول صلى الله عليه وسلم: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» [مسلم].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ» [رواه أبو داود والترمذي واللفظ له].

عُبِّيَّةَ: نخوتها وفخرها. وهذا قاله يوم فتح مكة. وفحم جهنم: الآباء الذين ماتوا على الكفر.

إن كريم الأصل كالغصن كلما  ازداد من خير تواضع وانحنى

العجب والاغترار بالنفس:

وعليك أن تتذكر يا ابن آدم أنك: تنتنك عرقة، وتؤذيك بقة، وتقتلك شرقة، فكيف تتكبر وهذا حالك؟!

يَا مُظْهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتـِهِ      اُنْظُرْ خَلَاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْـــرِيبُ

لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِـمْ      مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيـبُ

هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً      وَهُوَ بجمعٍ مِنْ الْأَقْذَارِ مَضْـرُوبُ

أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِــكٌ     وَالْعَيْنُ مُرمَصَةٌ وَالثَّغْرُ  مَلْعُــوبُ

يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا      أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْــرُوبُ

مرمصة: الرَّمَص: وسخ جامد في العين، فإن سال فهو غَمَص.

والسَّهَكُ ريح كريهة تجدها من الإنسان إذا عَرِقَ، تقول: إنه لَسَهِكُ الريح، وقد سَهِكَ سَهَكاً، وهو سَهِكٌ.

وفي الإحياء عن مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير أنه رأى المُهَلَّب وهو يتبختر في جبة خز، فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها الله ورسوله. فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال بلي، أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرِة. فمضى المهلب وترك مشيته تلك

وأقبح ما يكون الكبر من الفقراء:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» [مسلم].

اللهم اصرف عنا سيء الأخلاق ومنكرات الصفات.

رب صل وسلم على نبينا محمد، على آله وصحبه أجمعين.

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *