مقالات

وظائف المسلم في عيد الفطر

بسم الله الرحمن الرحيم

وظائف المسلم في عيد الفطر

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد؛

فللمسلم في يوم عيد الفطر وظائف عديدة، وهي:

 

إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة

وهي فريضة، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ([1]).

 

التكبير من ليلة العيد

لقول الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة/185].

قال زيد بن أسلم: ﴿ولتكبروا الله على ما هداكم﴾ إذا رأى الهلال، فالتكبيرُ من حين يَرى الهلال حتى ينصرف الإمام، في الطريق والمسجد، إلا أنه إذا حضر الإمامُ كفّ فلا يكبرِّ إلا بتكبيره ” [تفسير الطبري 3/ 478- 479].

وصفته:

كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [ابن أبي شيبة].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما:” الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا” [البيهقي].

وعن أبي عثمان النهدي قال: كان سلمان رضي الله عنه يعلمنا التكبير يقول: “كبروا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً” [البيهقي في السنن الكبرى].

 

صلاة العيد

والصحيح من أقوال أهل العلم أنها واجبة؛ فإن الجمعة تسقط بها إذا كانت في يومها، وقيل: سنة. وقيل: فرض كفاية، فهذه ثلاثة أقوال في المسألة.

وقد ثبت في الصحيحين عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ:«لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا».

والسنة أن تكون في المصلَّى، في فلاة من الأرض بعد العمار، وليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، وليس لها من سنة قبلية ولا بعدية، ومن جاء إلى المصلى جلس بلا صلاة، والخطبة فيها بعد الصلاة.

ولا يكره أن تكون في المسجد لعذر؛ كبرد أو مطر، فإذا أقيمت في المسجد فمن السنة أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس.

والأفضل تعجيلها في الأضحى وتأخيرها في الفطر، قال ابن قدامة رحمه الله: “ويُسنُّ تقديمُ الأضحى؛ ليتَّسع وقتُ التضحية، وتأخيرُ الفِطر؛ ليتَّسع وقتُ إخراج صدقة الفطر، وهذا مذهبُ الشافعيِّ، ولا أعلم فيه خلافًا” [المغني 2/  280].

وأول وقتها ارتفاع الشمس قدرَ رمح، وينتهي بالزوال.

ولا حرج في قضائها سواء لواحد أو جماعة، وهذا قول الجمهور خلافاً للإمام أبي حنيفة، رحمهم الله.

ويكبر الإمام سبع تكبيرات بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية ستٌّ بتكبيرة القيام، وهذا قول المالكية والحنابلة، ورفع اليدين مع كل تكبير سنة باتفاق الفقهاء، وليس بين التكبيرات ذكرٌ معين.

فإن نسيها الإمام لم يسجد للسهو.

 

والسنة أن يذهب الإنسان من طريق ويرجع بغيره

ففي صحيح البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ “.

ولعل العلة أن يقابل عدداً كبيراً من أصحابه بذلك [زاد المعاد 1/ 449].

 

أكل تمرات قبل الخروج للصلاة

ثبت في صحيح البخاري،  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ”.

وذلك لئلا يكون شبه بين يوم العيد ورمضان.

وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم العيدين، وهو إجماع [شرح النووي لصحيح مسلم 4/ 271].

 

التزيُّن ولبس أحسن الثياب

ويدل له حديث البخاري، عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ».

قال ابن رجب رحمه الله: “دل الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم” [الفتح 8/ 413].

وإنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم كونها حريراً ولم ينكر عليه طلبه أن يتجمل بها.

ورَوَى ابن أَبِي اَلدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ فِي اَلْعِيدَيْنِ.

وقال الإمام مالك رحمه الله: “سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد” [المغني  5/ 258].

 

الاغتسال

وأما الاغتسال فلأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل في هذين اليومين كما في الموطأ، ولكن لم يثبت حديث صحيح مرفوع بذلك. وفي الاستذكار لابن عبد البر رحمه الله: “اتفق الفقهاء على أنه –غسل العيدين- حسن لمن فعله” [7/ 11].

 

إظهار الفرح والسرور بهذا اليوم

ولا بأس من الاستماع إلى الدف من الجواري، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ -وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا».

قال ابن حجر رحمه الله: “عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقرَّه إذ لا يقر على باطل، والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتاً وكيفية تقليلاً لمخالفة الأصل، والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى. وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين” [فتح الباري 2/ 443].

فدلَّ هذا الحديث على أنَّ الدفَّ من مزامير الشيطان، ولكن رُخِّص فيه في مواضع، هذا منها.

وفي سنن النسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: «كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى».

وفيه عدم جواز مشاركة المشركين في أعيادهم؛ فالبدل يقتضي ترك المبدل منه.

 

التهنئة بالعيد

وكانت تهنئة الصحابة لبعضهم في العيد:” تقبل الله منا ومنكم” [تحفة عيد الفطر لزاهر بن طاهر، وصلاة العيدين للمحاملي، وصححه الألباني].

ولا بأس بغيرها من التهاني.

 

زيارة الأرحام والأصدقاء

وهذا لا يختص بيوم العيد، ولكنها مناسبة لفعل ذلك.

ولعلي أذكر حديثين يدلان على فضل هذين الأمريين:

أما الأول:

فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [الترمذي وابن ماجة].

وأما الثاني:

ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ».

 

ومما ينبغي أن يعنى به في العيد وفي غيره ثلاثة أمور:

1/ تفقد الأرامل والمساكين، وإدخال الفرحة عليهم:

فقد ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

 

2/ تفقد الأيتام:

وهذا من الإحسان إليهم، وقد كتب الله ذلك علينا وعلى غيرنا من الأمم السابقة..

قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾ [النساء:36]، وقال:﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 83].

 

3/ والعيد فرصة لنعفو ونصفح عمن أساء إلينا.

ففي سنن ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:«كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ». قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ:«هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

وصلَّى الله وسلم على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.

——————————————

[1] / للتعرف على أحكامها وما يتعلق بها:

زكاة الفطر

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *