
وداع رمضان
.
بسم الله الرحمن الرحيم
وداع رمضان
مهران ماهر عثمان
الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على المبعوثِ رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فما أسرعَ انقضاءَ أيام رمضان! وقد صدق ربُّنا الرحمن: ﴿أياماً معدودات﴾.
وهذا تذكيرٌ بأعمال ينبغي للصائم أن يكثر منها في ختام شهره المبارك:
كثرة الاستغفار
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار، وقال في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [لأعراف: 23]، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: 47]، وقولوا كما قال موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ [القصص: 16] وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: ﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الانبياء: 87]” [لطائف المعارف، ص: 214].
وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: “الصيام جنة من النار ما لم يخرقها، والكلام السيء يخرق هذه الجنة، والاستغفار يرقع ما تخرق منها، فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار” [لطائف المعارف، ص: 214].
ويختم بالاستغفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّن على دعاء جبريل عليه السلام لما دعا على من أدرك رمضان ولم يغفر له، وبالاستغفار تتحقق مغفرة الذنوب، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء/110].
.
الدعاء بالقبول
في سنن الترمذي، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾، قالت عائشة رضي الله عنها: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات».
ومن دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة/127]، ورد عن وُهَيب بن الورْد أنه قرأ هذه الدعوة ثم بكى وقال: “يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك” [تفسير القرآن العظيم 1/ 427].
قال ابن رجب رحمه الله: “كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردِّه وهؤلاء الذين: ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون/60]” [لطائف المعارف 1/209].
وروي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾؟ [المائدة/27].
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27].
وخرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.
.
التحذير من العجب بالطاعات
لا يغتر بصومه وقيامه واعتكافه وطاعاته إلا جاهل.
قال بشر بن الحارث رحمه الله: “العجب أن تستكثر، عملك وتستقل عمل الناس أو عمل غيرك” [حلية الأولياء 8/348].
وربنا يقول لنبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر/6]، قال الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره.
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه» رواه الطبراني في الأوسط.
وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب سوى الإشراك به أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك! [صيد الخاطر، ص 282]. فهذا حال المؤمن، يهضم نفسه ويتواضع لله ولا يرفعها.
وقال عبد الله ابن المبارك رحمه الله: “لا أعلم في المصلين شيئا شرا من العجب” [حلية الأولياء 7/ 383].
وعن مُطَرِّف بن عبد الله الشِّخِّير: “لأن أبيت نائما وأصبح نادما، أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا [المجالسة وجواهر العلم (6/ 327)].
وقال أبو يزيد البسطامي: “ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر” [حلية الأولياء (10/ 36)].
.
تفقُّد الأيتام وإدخالُ الفرحة عليهم
ومما يحسن أن نختم به شهرنا تفقد الأيتام وإدخال الفرحة عليهم ليفرحوا بعيدهم كبقية أترابهم.
في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة بذلك».
وإحسان الأم لولدها طبع مركوز في فطرتها، فكيف لو أحسن إلى يتيم غيرها ابتغاء وجه الله؟ وهذا في بنتين فقيرتين، فكيف بالإحسان إلى يتيم؟
ولو أن كل واحد منا التزم بإدخال الفرحة على قلب يتيم لتغير حالنا، ولأحاطت بنا رحمة الله من كل جانب، فالراحمون يرحمهم الرحمن، ولقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إني إذا ذبحت شاة رحمتها، فقال له: «إن رحمتها رحمك الله» رواه أحمد، هذا في شاة، فكيف بالذي يرحم يتيما؟ أو يقف بجانب مسكين؟ أو يخفف عن أرملة؟
.
الاستقامة وظيفة العمر
ثبت عن جابر رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ» رواه مسلم.
فينبغي الاجتهاد في آخر الشهر أكثر من الاجتهاد في أوله، فهذا هدي سيدنا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم.
وربنا أمر نبينا صلى الله عليه وسلم فقال له: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].
فالمسلم لابد أن يكون فعل الخير دأبه، والاستقامة منهجه، والصلاح عادته، والتمسك بدين الله هِجِّيراه.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها.
رب صل وسلم على نبينا محمد.

