رمضانيات

ليلة القدر: الوظائف والفضل

بسم الله الرحمن الرحيم

ليلة القدر: الوظائف والفضل

مهران ماهر عثمان

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فليلة القدر منة ومنحة لهذه الأمة التي يريد الله بها خيراً بتكرار مواسم الخير لها، ومن هذه المواسم ليلة القدر، وأريد هنا أن أكتب حول نقطتين اثنتين:

الأولى: فضل ليلة القدر.

اشتملت سورة القدر على خمس فضائل لهذه الليلة:

الفضيلة الأولى: أن الله أنزل القرآن فيها.

قال تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾.

وهذه الآية دليل على أربع فوائد:

1/ فضل ليلة  القدر.

2/ فضل القرآن الكريم.

وذلك من وجهين:

الأول: أنه أسند إنزاله إليه سبحانه.

الثاني: أنه جاء بضميره دون اسمه لاشتهاره.

3/ أنّ ليلة القدر في رمضان خلافاً لمن زعم غير ذلك، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:185].

4/ علوُّ الله تعالى، فنزول الأشياء منه وصعودها إليه دليل على علوه على خلقه.

فإن قيل: لماذا سُميت بليلة القدر؟

فالجواب: لما يكون فيها من التقدير، قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان:4].

قال ابن كثير رحمه الله: “وقوله: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر، وأبي مالك، ومجاهد، والضحاك، وغير واحد من السلف” [تفسير القرآن العظيم (7/246)].

ويقول ابن عثيمين رحمه الله: “وقوله تعالى: ﴿في لوح محفوظ﴾ يعني بذلك اللوح المحفوظ عند الله عز وجل الذي هو أم الكتاب كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾ [الرعد: 39]. وهذا اللوح كتب الله به مقادير كل شيء، ومن جملة ما كتب به أن هذا القرآن سينزل على محمد صلى الله عليه وسلّم فهو في لوح محفوظ، قال العلماء ﴿محفوظ﴾ لا يناله أحد، محفوظ عن التغيير والتبديل، والتبديل والتغيير إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأن الكتابة من الله عز وجل أنواع:

النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ وهذه الكتابة لا تبدل ولا تغير، ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يبدل أو يغير ما فيه.

الثاني: الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم، لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً موكلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نفخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد.

النوع الثالث: كتابة حولية كل سنة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ [الدخان: 4]. فيكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة.

النوع الرابع: كتابة الصحف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يكتب على الإنسان ما يعمل من قول بلسانه، أو فعل بجوارحه، أو اعتقاد بقلبه، فإن الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم أي بحفظ أعمالهم يكتبون قال الله تعالى: ﴿كلا بل تكذبون بالدين. وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون﴾ [الانفطار: 9 ـ 12]. فإذا كان يوم القيامة فإنه يعطى هذا الكتاب كما قال تعالى: ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً﴾ ” ا.هـ من تفسيره لسورة البروج.

وقيل في سبب تسميتها بما يلي:

2/ لأنها ذات قدْر وشرف.

3/ من عبد الله فيها كان ذا قدر، ومن لم يكن ذا قدر صار بقيامها ذا قدر.

4/ القدر الضيق؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة.

5/ نزل فيها كتاب ذو قد على أمة ذات قدر بواسطة ملك ذي قدر.

الفضيلة الثانية في قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾

قال الرازي رحمه الله:” يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها، ومنتهى علو قدرها”.

الفضيلة الثالثة:  ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾

في المرسل عن مجاهد رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم  ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله عز وجل:﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر﴾.

وفي بلاغات مالك رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر. انظر: تفسير ابن كثير (4/ 533).

والصواب في تأويل الآية: أن العمل فيها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، والله ذو الفضل العظيم.

الفضيلة الرابعة: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾

قال ابن كثير رحمه الله: “أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق؛ تعظيما له، وأما الروح فقيل المراد به ها هنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام ” [تفسير ابن كثير (4/532)].

وتعجبني كلمةٌ للعلامة ابن عثيمين رحمه الله قالها عند تفسير هذه السورة:” وقوله: ﴿من كل أمر﴾ قيل إن ﴿من﴾ بمعنى الباء، أي بكل أمر مما يأمرهم الله به، وهو مبهم لا نعلم ما هو، لكننا نقول: إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة”.

الفضيلة الخامسة: ﴿سلام هي حتى مطلع الفجر﴾

أي سالمة من الشرور، فلا يكون فيها شيء من ذلك كما قال قتادة وغيره من السلف.

وقبل أن أنتقل إلى وظائف هذه الليلة أرى أنّ من المتعين هنا أن أسترسل في ذكر ثلاثة أمور:

وقت ليلة القدر

ليلة القدر متنقلة وليست ثابتة، قال ابن رشد: “ليست في ليلة بعينها وأنها تنتقل في الأعوام، وإلى هذا ذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى والشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم، وهو أصح الأقاويل وأولاها بالصواب والله أعلم” [المقدمات الممهدات: 1/ 267].

وثبت في السنة ما يدل على أنها وقعت ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر ليلة من رمضان.

وثبت في الصحيح قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».

وهذا يدل على أنها متنقلة في العشر الأخيرة من رمضان كما يقول أكثر العلماء.

فعلى المسلم أن يجتهد في العشر كلها أكثر من غيرها كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هل يمكن أن تكون ليلة القدر في ليلة زوجية من ليالي العشر؟

الجواب:

نعم، ومن الأدلة على ذلك حديثان:

الأول: «تَحرَّوا لَيلةَ القدْرِ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ» رواه الشيخان.

والثاني: «التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى» رواه البخاري.

ومعلوم أن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً وقد ينقص يوماً، فالحديث دال على أنها قد تكون في ليلة زوجية.

فإن قيل:

أليس قد نُصَّ في السنة على أنها في أوتار العشر؟

الجواب: بلى، والمعنى: هذا أرجى ما يكون، ولا يعني ذلك أنها لا تكون إلا فيها.

وسأنقل لك نقلين ماتعين من إمامين كبيرين يؤكدان على ذلك:

قال ابن عطية رحمه الله: ” وليلة القدر مستديرة في أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعول عليه، وهي في الأوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين، في كل ليلة، إلى آخر الشهر، لأن الأوتار مع كمال الشهر، ليست الأوتار مع نقصانه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لثالثة تبقى، لخامسة تبقى، لسابعة تبقى، وقال: التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة، وقال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، وقال ابن حبيب: يريد مالك إذا كان الشهر ناقصا. فظاهر هذا أنه عليه السلام احتاط في كمال شهر ونقصانه، وهذا لا تتحصل معه الليلة إلا بعمارة العشر كله” [المحرر الوجيز: 5/ 505].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي في العشر الأواخر من رمضان». وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين. ويكون باعتبار ما بقي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى”. فعلى هذا: إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى. وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح. وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر. وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي.

وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تحروها في العشر الأواخر»، وتكون في السبع الأواخر أكثر” [مجموع الفتاوى 25/ 284].

لماذا رُفع تعيين ليلة القدر؟

في صحيح البخاري قال عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه: إنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ:«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ».

وتلاحى: تخاصم، وفيه: شؤم الخصومات، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على الخير لأمته، وعدم علمه الغيب، وعدم الكفر بالمعصية، وأنّ الخير فيما يختاره الله.

الحكمة من عدم التعيين

أخفى ربنا هذه الليلة ليتحقق الاجتهاد في العشر كلها، فإخفاؤها مقصود للشارع.

فربنا “أَخْفَاهَا، كَمَا أَخْفَى سَائِرَ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ أَخْفَى رِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ، حَتَّى يَرْغَبُوا فِي الْكُلِّ، وَأَخْفَى غَضَبَهُ فِي الْمَعَاصِي لِيَحْتَرِزُوا عَنِ الْكُلِّ، وَأَخْفَى وَلِيَّهُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يُعَظِّمُوا الْكُلَّ، وَأَخْفَى الْإِجَابَةَ فِي الدُّعَاءِ لِيُبَالِغُوا فِي كُلِّ الدَّعَوَاتِ، وَأَخْفَى الِاسْمَ الْأَعْظَمَ لِيُعَظِّمُوا كُلَّ الْأَسْمَاءِ، وأخفى في الصَّلَاةَ الْوُسْطَى لِيُحَافِظُوا عَلَى الْكُلِّ، وَأَخْفَى قَبُولَ التَّوْبَةِ لِيُوَاظِبَ الْمُكَلَّفُ عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ التَّوْبَةِ، وَأَخْفَى وَقْتَ الْمَوْتِ لِيَخَافَ الْمُكَلَّفُ، فَكَذَا أَخْفَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِيُعَظِّمُوا جَمِيعَ لَيَالِي رَمَضَانَ” [التفسير الكبير 32/ 229].

علاماتها

العلامات المذكورة في السنة يُراد بها أنها علاماتها في تلك السنة التي ذُكرت فيها هذه العلامات، وليس المراد أنها علامة عامة في كل سنة.

ثبت في معجم الطبراني الكبير عَنْ وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ بَلْجَةٌ (مشرقة)، لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ، وَلا يُرْمَى فِيهَا بنجْمٍ، وَمِنْ عَلامَةِ يَوْمَهَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ لا شُعَاعَ لَهَا». وزيادة: «لا سحاب فيها، ولا مطر، ولا ريح» لا تثبت.

فلا يوجد شمس لا شعاع لها تُشرق على الأرض كلها في يوم معيَّن بهذه الصفة! هذا لا يقع.

فلا ينبغي أن يلتفت أحد إلى قول بعض الناس: ليلة القدر يوم كذا لأن الشمس طلعت ضعيفةً! ولا إلى قول من يحددها بالرؤى، ولا إلى من يزعم أنها لا تكون إلا وترية! فمن أحيا العشر كلها أصاب ليلة القدر، هذا فقط هو الذي يُجْزَم بأنه أصاب ليلة القدر.

وظائف هذه الليلة

هذه الوظائف تُكرَّر في العشر كلها؛ لأن الله أخفى العلم بليلة القدر، ونحن نجزم بالنصِّ أنها في العشر الأخيرة، فكانت هذه الأعمال للعشر كلها، وهي:

1/ القيام.

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أخرجه البخاري.

2/ الدعاء.

لقول عائشة رضي الله عنها : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ : «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» رواه الترمذي.

3/ المحافظة على الفرائض.

والمحافظة على الفرائض مطلوب في كل وقت، ولما كانت الفرائض أحب الأعمال إلى الله كانت المحافظة عليها في ليلة القدر من آكد الأعمال، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» رواه البخاري.

وأحب هنا يجوز فيها الرفع والنصب.

4/ المحافظة على المغرب والعشاء في جماعة.

لحديث مسلم الذي حدث به عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ»

5/ الاجتهاد في كلِّ ما يقرِّب إلى الله تعالى، فالناس يختلفون في قُدُراتهم وما يتيحه الله لهم من الفرص، فهذا ينفق، وذاك يتعلم، وآخر يشفع، ورابع ينفع عباد الله بمختلف الأعمال.

قال تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾،  “قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَيِ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ” [تفسير القرطبي 20/ 131].

وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ” رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم : “وجدَّ”.

قولها: “شد مئزره”، فيه تفسيران:

الأول: قيل: اعتزل نساءه.

قال الأول:

قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم    عن النساء ولو باتت بأطهار

الثاني : اجتهد في عبادته فوق عادته.

وهو الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف كل رمضان في العشر الأخيرة، ومعلوم أنّ المعتكف لا يقرب نساءه، قال تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، فما فائدة الإخبار بذلك؟ فيكون المراد الثاني، والعلم عند الله تعالى.

وأحيا ليله: استغرقه في السهر للعبادة.

وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت:  “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ” رواه مسلم.

قال العلماء: كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؛ طلباً لليلة القدر.

6/ الاعتكاف.

وبه يتمكن الإنسان من التشمير عن ساعد الجد في طاعة الله، ولذا “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ” كما قالت عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *