رمضانيات

العشر الأخيرة من رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

العشر الأخيرة من رمضان

مهران ماهر عثمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فهذه أمور ينبغي لكل حريص على أن يُختم له بخير في هذا الشهر الكريم أن يحرص عليها:

 

1/ صلاة القيام

إذا دخلت العشر الأخيرة من رمضان فالسنة أن يجتهد الإنسان في صلاة الليل، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ” رواه البخاري ومسلم.

وشد المئزر كناية عن الاجتهاد في العبادة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أخرجه الشيخان.

 

وها هنا ثلاثة تنبيهات تتعلق بما سبق:

الأول:

لا ينبغي الانصراف قبل أن تختم الصلاة مع الإمام.

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» رواه أحمد والأربعة، فلابدَّ من إكمال الصلاة كلها سواء انفرد واحد بالإمامة أو تعاقب عليها اثنان فأكثر لتنال هذا الأجر الوارد في الحديث.

الثاني:

لا حرج في الصلاة بعد الوتر، لكن لا يجوز أن يأتي المسلم بوترين في ليلة، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة.

فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بتسع، حتى إذا بَدُنَ وكَثُرَ لحمه؛ أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس، فقرأ بـ: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾، و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ﴾” أخرجه أحمد وصححه الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 544).

قال الترمذيُّ رحمه الله: “رُوي من غير وجهٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد صلَّى بعد الوتر” [سنن الترمذي 2/ 333].

وثبت عن قَيسِ بن طلقٍ، قال: زارنا طلقُ بنُ عليٍّ رضي الله عنه في يومٍ من رمضان، فأمْسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلةَ، ثم انحدَر إلى المسجدِ فصلَّى بأصحابه، حتى إذا بقِيَ الوترُ قدَّم رجلًا، فقال: أَوِترْ بأصحابِك؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «لا وترانِ في ليلةٍ» [صحيح سنن أبي داود].

 

فإن قيل:

ما معنى ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» رواه البخاري ومسلم؟

فالجواب: أنَّ المراد: أن يكون مجموع ما تنفل به بعد العشاء وتراً، ولو كان المراد أن يختم بواحدة لقال: “لا تصلوا بعد الوتر”([1])،كما قال: «لا تصلوا بعد الفجر» رواه أبو داود.

 

التنبيه الثالث:

متى تصلى راتبة العشاء البعدية في رمضان؟

هذه ثلاثة خيارات لك أن تأخذ بأيِّها شئت:

1/ أن تصليهما قبل التراويح.

2/ أن تصليهما بعد التراويح، ومعلوم أن وقتها ووقت فريضتها عند منتصف الليل.

قال البهوتي رحمه الله: “وإن صلَّى التراويح بعد العشاء وقبل سنَّتها صحَّ جزماً، ولكن الأفضل فعلها بعد السنَّة على المنصوص” [كشاف القناع 1/ 426].

3/ أن تنوي بهما ركعتين من التراويح [الشرح الممتع 4/ 66]

 

2/ الدعاء

لقول أمنا عائشة رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» رواه الترمذي.

وهذا يدل على أنَّ الدعاء مستجاب في ليلة القدر، ولما كان تعيينها على سبيل القطع متعذراً كان الإكثار من الدعاء في العشر كلِّها من أفضل العبادات فيها.

 

3/ المحافظة على الفرائض

والمحافظة على الفرائض مطلوب في كل وقت، وهذا أعظم ما يقرب إلى الله تعالى، قال الله تعالى في الحديث القدسي : «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» رواه البخاري.

و«أحب» هنا يجوز فيها الرفع والنصب.

 

4/ المحافظة على الفجر والعشاء في جماعة

لحديث مسلم الذي حدث به عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ».

 

5/ الاجتهاد في العبادة عموماً

فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ”رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: “وجدَّ”.

وقولها: “شد مئزره” أي: اجتهد في عبادته فوق عادته.

وأحيا ليله: استغرقه في السهر للعبادة.

وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ” رواه مسلم.

قال العلماء: كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؛ طلباً لليلة القدر.

 

فهل يمكن أن تكون ليلة القدر في ليلة زوجية؟

على المسلم أن يحرص على الاجتهاد في العبادة في العشر كلِّها، لهذه الأحاديث:

الأول: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» متفق عليه.

الثاني: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» رواه مسلم.

الثالث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» رواه البخاري. ومعلوم أن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعةَ وعشرين.

ولأن المسلمين غالباً لاختلاف المطالع لا يتفقون على ابتداء الصوم في يوم واحد، فليلة الوتر عندك شَفع عند غيرك؛ لهذا كله كان من الحرص أن يجتهد المسلم في العشر كلها؛ طلباً لتلك الليلة المباركة.

 

6/ الاعتكاف

مشروعية الاعتكاف

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا: “أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجلَّ، ثُمَّ اعْتكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

متى يدخل المعتكف معتكفه ومتى يخرج؟

الأئمة الأربعة على أنه يدخل قبل الغروب من ليلة إحدى وعشرين؛ لهذا الحديث: “أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ”، وهذا يدل على أن اعتكافه كان يستغرق العشر كلها، ولو بدأ فجر اليوم الحادي والعشرين لضاعت ليلةٌ منها.

وأما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، صَلَّى الفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فقد قال النووي رحمه الله: “«إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ»، احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ يَبْدَأُ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَدْخُلُ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكَافَ عَشْرٍ، وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ وَانْقَطَعَ فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ” [شرح النووي على مسلم (8/ 68- 69].

وأما متى يخرج فقد قال النووي رحمه الله: “ويَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ, سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ, وَالأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ, أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلاةِ الْعِيدِ إنْ صَلُّوهَا فِي الْمُصَلَّى” [المجموع 6/ 323].

 

بعض آداب وأحكام الاعتكاف

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: “السُّنَّة عَلَى المُعْتكِفِ أَلاَّ يَعُودَ مَرِيْضًا، وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَهًّ، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخرُجَ لِحَاجَةٍ، إِلاَّ لِمَا لَابُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَلَا اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ” رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ، إِلاَّ أنَّ الرَّاجِحَ وَقْفُ آخِرِهِ.

وقولها: لا اعتكاف إلا بصوم هذا على سبيل الأفضل، وقد ذهب الأحناف والمالكية إلى اشتراط ذلك، وخالفهم الشافعية والحنابلة، وهذا هو الصحيح؛ لما ثبت في الصحيحين: أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلتُ: يَا رَسُولَ الله، إني نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: «أوف بنذرك»، والليل ليس وقتًا للصيام.

 

أقل مدة للاعتكاف

“ذهب جمهور العلماء إلى أن أقله لحظة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.

روى ابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: “إني لأمكث في المسجد الساعة، وما أمكث إلا لأعتكف”. وهذا احتج به ابن حزم في المحلى (5/ 179).

والساعة هي جزء من الزمان وليست الساعة المصطلح عليها الآن وهي ستون دقيقة .

وذهب بعض العلماء إلى أن أقل مدته يوم وهو رواية عن أبي حنيفة وقال به بعض المالكية.

 

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

[1] / شريط جلسات رمضانية لابن عثيمين رحمه الله، الدرس (17).

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *