
استقبال رمضان
.
بسم الله الرحمن الرحيم
استقبال رمضان
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
تكرار مواسم الخير
فإنَّ نعم الله على هذه الأمة كثيرة، ومن ذلك تكرار مواسم الخير، لقد كانت الأمم السابقة تُعمَّر على ظهر هذه الأرض، وهذه الأمة أعمارها ما بين الستين إلى السبعين كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله:«أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» رواه الترمذي.
ومع ذلك ثبت عن أبي سعيد رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قوله:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ:«أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ:«أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا. ولذا كثُرت مواسم الخير؛ ليعوض الله تعالى به هذه الأمة عن قصر أعمارها. ومن هذه المواسم شهر رمضان.
.
.
لماذا السعي لاستغلال موسم رمضان؟
لأن هذه المواسم نعمة من الله، فالسعي لاستغلالها من شكرها، وعدم الاعتناء بها جحود لها.
نسعى لذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى استغلال مواسم الخير، فعن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال:قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ فإن لِلَّهِ نَفَحَاتٍ من رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بها من يَشَاءُ من عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ» رواه الطبراني في الكبير.
ومن الأسباب كذلك التي تجعلنا نسعى لاستغلالها أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم توعد من فرَّط في رمضان ولم يستفد منه، فعن مَالِكِ بن الْحُوَيْرِثِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَى عَتَبَةَ الْمِنْبَرِ فقال:«آمِينَ»، ثُمَّ رَقَى عَتَبَةً أُخْرَى فقال:«آمِينَ»، ثُمَّ رَقَى عَتَبَةً أُخْرَى فقال:«آمِينَ»، فقال:«أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السَّلامُ فقال:يا محمد من أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أو أَحَدَهُمَا ثُمَّ دخل النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ :آمِينَ، فقلت:آمِينَ. وَمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فلم يُغْفَرْ له فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ:آمِينَ، فقلت :آمِينَ. وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فلم يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ :آمِينَ، فقلت:آمِينَ» رواه الطبراني في الكبير.
.
.
كيف تستقبل هذا الشهر؟
والجواب:أنَّنا نستقبله بعدة أمور
1/ شكر الله على بلوغه.
فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ –بالأندلس- قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ :فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ :ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ :«مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ»؟ فَقَالُوا :يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً»؟ قَالُوا :بَلَى. قَالَ :«وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ»؟ قَالُوا :بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» رواه ابن ماجه.
فهذا خيرٌ عظيم يوجب علينا شكرَ ربِّنا.
.
.
2/ أن نعاهد أنفسنا على استغلال هذا الشهر، وأن نصدق مع الله في ذلك
قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْك» رواه النسائي.
.
.
3/ لابد من وضع مقترح لأعمالك اليومية في رمضان، ولابد أن تراعي ثلاثة أمور:
أ/ أن يكون هذا المقترح محفوظاً في ذاكرتك أو مكتوباً.
ب/ أن تحاسب نفسك يومياً لترى أين أنت من تطبيق هذا البرنامج، وأين أنت من مرتبة الصدق مع الله.
ج/ لو تغيَّر نظام الكون فلا تتركه.
.
.
4/ تعلم مسائل وأحكام الصوم؛ لتعبد الله على بصيرة.
فإن العبادة لا يقبلها الله إلا إذا كانت موافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف تتعرف على هديه بلا علم؟ قال الإمام البخاري في صحيحه :”باب العلم قبل القول والعمل”.
.
.
5/ التوبة والاستغفار.
مهما كنت بعيداً عن الله أيها المسلم في سالف عهدك وغابر دهرك فلا تقنط من رحمة الله، قال ربنا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
لقد فتح الله باب التوبة للمنافقين، ولفرعون، وللنصارى، فلا أحد يحول بينك وبين التوبة يا عبد الله، فأقبل على الله، وافتح -قبل أن يحل بنا هذا الشهر- صفحة جديدة بيضاء مع رب الأرض والسماء.
.
.
6/ بنقاء الصدر
كثير من مواسم الخير تأتي ويُحرم فضلها المتخاصمون، قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: «إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه» رواه الطبراني.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ:أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» رواه مسلم.
ومما يحسن التنبيه إليه هنا هذا الحديث:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ :قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ :«كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا:صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ:«هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَد» رواه ابن ماجه.
.
.
7/ تعلم فضائل الصيام.
فتعلم فضائل العبادات وما ورد فيها من نصوص الترغيب مما يهون مشقتها.
رب صل وسلم على نبينا محمد.

