مقالات

إعلام الساجد بآداب المساجد

بسم الله الرحمن الرحيم
إعلام الساجد بآداب المساجد
جمعة 22 ذو الحجة 1440 الموافق 23 أغسطس 2019
مسجد السلام بالطائف (22)
مهران ماهر عثمان

.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فبيوت الله رفع الله شأنها، قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ [النور: 36، 37]. ومعنى ذلك: “أَمَرَ الله أن يُرْفع شأنها وبناؤها”.
هذه المساجد لها آداب لابد من التعرف عليها، أسأل الله تعالى أن يوفقنا لإعمالها، وهي:
.
.
الإتيان إليها في هيئة حسنة
قال تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].
البسوا ما يستر عوراتكم، وما تتجملون به من اللباس النظيف الطاهر عند الصلاة والطواف والمكث في المساجد. فكل ما جرى في عرف الناس أنه زينة فيستحب التجمل به في بيوت الله تعالى.
.
.
التخلص من الروائح الكريهة
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» رواه البخاري ومسلم.
والكراث نبات فيه رائحة قريبة من رائحة البصل والثوم.
وهذا الحديث لا يدل على تحريم أكلها، وإنما المراد منه: التخلص من رائحتها قبل دخول المسجد.
فلا يجوز أكله تحايلا لعدم الإتيان إلى صلاة الجماعة، لكن من اشتهته نفسه وأكله فلا حرج عليه أن يتخلف عنها إن كانت رائحته عالقة به.
فكل صاحب رائحة كريهة عليه أن يتخلص منها قبل دخول المسجد، فإن تعذر التخلص منها فلا يقربن المسجد بها ويصلي في بيته أو مكان عمله.
.
.
السواك
وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» رواه مسلم.
وقال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» رواه البخاري.
.
.
الانشغال فيها بذكر الله تعالى
لقول ربنا: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾، وهذا هو الهدف من بنائها.
.
.
ومن الآداب الترديد خلف المؤذن إذا أذن أو أقام
قال ﷺ: «إذا سمعتم المنادي يثوِّب بالصلاة، فقولوا مثلما يقول» رواه أحمد.
ودل على ذلك حديث الصحيحين: «إذا سمعتم النداء، فقولوا مثلما يقول المؤذن»، فالإقامة أذان ونداء، لحديث الصحيحين: «بين كل أذانين صلاة». قال ابن حجر رحمه الله: “اُستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة” [فتح الباري: 2/92].
المشي إليها بسكينة ووقار
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ» رواه مسلم.
والسكينة: اجتناب العبث.
والوقار: غض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
والسعي هنا الجري، وليس المراد أن يمشي إليها الإنسان متماوتاً! بل يمشي مشيا مناسبا بسكينة ووقار.
.
.
.
دعاء المشي إلى المسجد ودخوله والخروج منه
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نبينا صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا» رواه مسلم.
قال السيوطي رحمه الله: “وَالْمرَاد بِهِ بَيَان الْحق ورضاؤه وَالْهِدَايَة إِلَيْهِ” [شرح السيوطي على مسلم 2/ 373].
فالمراد أن يحف بك مور الهداية من كل جانب وأن ترضى بما شرع ربك، لأن بياناً لا يتبعه التزام بالحق ليس من الخير في شيء، فالمراد: أن يبين الحق لك وأن تنقاد له.
وأما حديث دعاء دخول المسجد والخروج منه فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ» رواه مسلم.
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ» رواه أبو داود.
أقط، أي: أبلغك هذا القدر من الحديث فقط؟
.
.
.
الإتيان إليها ماشياً
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه الصلاة، فقلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله ﷺ: «قد جمع الله لك ذلك كله» رواه مسلم.
.
.
.
عدم التشبيك بين الأصابع فيها
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل هكذا»، وشبك بين أصابعه. رواه الدارمي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (445).
والعلة: لئلا يتشاغل بشيء كما قال الخطابي في معالم السنن (1/161).
والنهي خاص بما قبل الصلاة، أما بعد الصلاة فدل حديث آخر على مشروعية ذلك.
.
.
.
الحرص على الصلاة في الصف الأول
لحديث مسلم: «لو تعلمون ما في الصف لكانت قرعة».
.
.
تحية المسجد
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» رواه الشيخان.
فكيف يصنع إذا أقيمت الصلاة؟
إن كان في آخرها وكان بإمكانه إكمالها وإدراكه لتكبيرة الإحرام أتمها وإلا قطعها.
.
.
عدم الخروج منها بعد النداء
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه رفعه إلى النبي ﷺ: لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق» رواه الطبراني في المعجم الكبير.
.
.
نشدان الضالة وما في معناها
فهذا مما ورد النهي عنه.
.
.
عدم تخطي الرقاب
ففي سنن أبي داود أن رجلا صنع ذلك في يوم الجمعة فقال له نبينا صلى الله عليه وسلم: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ».
.
.
فعل مشين
في الأسبوع الماضي وفي أحد المساجد قطع بعض المصلون على الإمام خطبته، وأنزلوه من المنبر، وانهال عليه بعض الناس ضرباً!!
وتكررت قضية عدم تمكين الإمام من إتمام خطبته في عدد من المساجد!
وأنا لا أعلم من هذا الإمام..
ولا الموضوع الذي تكلم فيه.
وسآتي لمسألة قطع الخطبة..
لكن أقول:
.
.
أولاً:
بأي حق يضرب من قبل بعض المصلين!؟ أليس هذا من الظلم المبين؟! أن ينصب هؤلاء أنفسهم قضاة وجلادين.
.
.
ثانياً:
الإمام ليس معصوماً من الخطأ، فإذا قال باطلاً فيكون الرد عليه بعد صلاة الجمعة؛ لئلا تكون فوضى.
.
.
ثالثاً:
من آداب المسجد: ألا يرفع صوتٌ فيه، فلا يجوز أن يرفع فيه بعض المصلين صوتهم بقراءة القرآن، فكيف بغيره من الصياح والخصومات فيه!؟
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن» رواه أحمد.
وجاء عن السائب بن يزيد رحمه الله قال: “كنت قائما في المسجد -المسجد النبوي- فحصبني رجل، فنظرت، فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأْتني بهذين، فجئته بهما-أشار إلى رجلين يتحدثان- قال: من أنتما، أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ﷺ” رواه البخاري.
ولذلك نص أهل العلم على كراهة رفع الصوت في المسجد إلا فيما لا بد منه من العلم، ونحوه، مثل الشيخ يرفع صوته بالدرس ليسمع الناس، والإمام يرفع صوته بالقراءة ليسمع المأمومين، ويرفع صوته بالتكبير، أو المؤذن يبلغ، أو شخص آخر يبلغ.
.
.
رابعاً:
لا يصلح أثناء خطبة الجمعة أن يتكلم أي أحد بأي كلام سوى الإمام.
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت» رواه البخاري ومسلم .
وقال: «مَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» رواه مسلم. وفي مصنف عبد الرزاق: «ومن لغا فلا جمعة له».
قال الإمام النووي: “في الحديث النهيُ عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة” [شرح النووي على صحيح مسلم 6/138].
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: “واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور في حق من سمعها، وكذا الحكمُ في حقِّ من لا يسمعها عند الأكثر” [فتح الباري 2/533].
وأذكر بهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ». وقال الحافظ: إسناده لا بأس به.
وليس لنا مثل السوء، وشُبِّه بالحمار لماذا؟
لأن الحمار يحمل علما ولا يفهمه، وهذا يأتي إلى مكان العلم ولا يحسن أن يتعلم، ويأتي إلى مكان الأدب ولا يحسن أن يتأدب.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: «دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريباً من أُبي بن كعب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة (براءة)، فقلت لأُبيٍّ: متى نزلت هذه السورة؟قال: فتجهَّمني ولم يكلمني، فلما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم قلت لأُبيٍّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ قال أُبيٌّ: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أُبيٍّ وأنت تقرأ براءة، فسألته متى نزلت هذه السورة؟ فتجهمني ولم يكلمني ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق أُبيٌّ» رواه ابن خزيمة.
ومعنى تجهمني: قطَّب جبينه وعبس ونظر إليَّ مغضباً.
وفي مسند أحمد، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةٌ: فَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو، فَذَاكَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِدُعَاءٍ، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، فَهِيَ كَفَّارَتُهُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾».
حضرها بدعاء: جعل يدعو ولم ينصت.
وعن بكر بن عبد الله المزني: “أن علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريُّهُ – أي الذي أجَّره الدابة – والإمام يخطب يوم الجمعة فقال له: حسبتُ القومَ قد ارتحلوا، فقال له: لا تعجل حتى تنصرف، فلما قضى صلاته قال له ابن عمر: أما صاحـبـُك فـحـمـارٌ، وأما أنت فلا جـمـعةَ لك” [المحلى 3/269-270].
.
.
خامساً:
لا يصح أن سلمان قطع على الفاروق رضي الله عنه خطبته، ولا إسناد لهذه القصة.

سادساً:
يجوز فيها التحدث مع الخطيب لتحقيق مصلحة عامة تفوت بانتهاء الخطبة كما دل عليه حديث الأعرابي، لكن اتفق الفقهاء على أن شرط ذلك ألا تؤدي إلى فتنة وهرج ومرج.
ونصيحتي لكل خطيب أن يقتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته وأن ينأى بنفسه عن البدع التي تفرق الأمة وأن يجمع الناس بالكتاب والسنة.

رب صل وسلم على نبينا محمد.
والحمد لله أولاً وآخراً.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *