مقالات

الاحتفال بأعياد المشركين

بسم الله الرحمن الرحيم

الاحتفال بأعياد المشركين

مهران ماهر عثمان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فهذه جملة مسائل تتعلق بالاحتفال بأعياد المشركين.

حكم الاحتفال بأعياد المشركين

إن مشاركة النصارى وغيرِهم من المشركين في أعيادهم والاحتفالَ معهم مما لا يجوز في دين الله تعالى؛ وذلك للأدلة التالية:

أولاً:

قوله تعالى: ﴿والذين لا يشهدون الزور. وإذا مروا باللغو مروا كراماً﴾  [ الفرقان: 72].

والزور: أعياد المشركين، ذكره مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة والقاضي أبو يعلى والضحَّاك. وليس المراد من الآية  أنَّ شهادة الزور هي الكذب. فإن الفعل  يشهد قد يتعدى بالباء وقد يتعدى بنفسه، فإن تعدى بالباء كان معناه أخبر، تقول: شهدت بكذا، أي: أخبرت به. أما قولك: شهدت كذا، أي: حضرت. ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “الغنيمة لمن شهد المعركة”. أي: حضر. وسُميت أعيادهم زوراً ؛ لأن الزور يطلق على المموَّه والمحسَّن الذي يظهر بخلاف حقيقته إما لشهوة أو لشبهة، فالشرك ظهر حسنه لشبهة، والغناء ظهر حسنه لشهوة، وأعياد المشركين جمعت بين الشهوة والشبهة” [اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، ص 179].

ووجه الدلالة من الآية: أنه مدحهم على مجرد ترك أعياد المشركين؛ فدل ذلك على أن عدم شهود أعيادهم سبيل المؤمنين الذين رضي الله عنه ومدحهم.

ثانياً: 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: «ما هذان اليومان»؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» رواه أبو داود واللفظ له وأحمد والنسائي وإسناده على شرط مسلم.

وجه الدلالة: أنهم كانوا يحتفلون بيومين جاهليين فلم يقرهما النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال: «إن الله قد أبدلكم..».

والإبدال يقتضي ترك المبدَل منه، إذ لا يُجمع بين البدل والمبدل منه.

ثالثاً: 

عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني نذرت أن أنحر إبلاً ببُوانة (موضع قريب من مكة). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد»؟ قالوا: لا. قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم»؟ قالوا: لا. قال: «فأوف بنذرك؛ فإنه لاوفاء بنذر في معصية الله ولافيما لا يملِك ابن آدم» أخرجه أبو داود وأصله في الصحيحين.

وجه الدلالة من الحديث: دل هذا الحديث على أن الذبح في مكان عيد المشركين معصية لله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاوفاء لنذر في معصية الله»، ولولا اندراج الصورة المسؤول عنها في هذا العموم لما كان في الكلام ارتباط، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منزه عن مثل ذلك. وإنما كان معصية حتى لا تُحيا أمثال هذه الأعياد. فإذا كان مجرد الذبح في مكان كان فيه عيد لهم معصية فكيف بمن احتفل معهم أو هنّأهم؟ قال ابن تيمية رحمه الله: “وهذا نهي شديد عن أن يُفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان” [ الاقتضاء، ص: 187].

رابعاً:

عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل قوم عيداً وإن عيدنا هذا اليوم» (ليوم الأضحى) أخرجاه في الصحيحين.

وجه الدلالة: هذا الحديث يفيد اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن قول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [ المائدة: 48] يفيد اختصاص كل قوم بشرعتهم ومنهاجهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم  «وإن عيدنا هذا اليوم»، يعني: لاعيد لنا إلا هذا اليوم، فالتعريف باللام والإضافة يقتضي الاستغراق، وهذه إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى جنس المشروع.

خامساً:

عن أُم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما كان يصوم من الأيام ويقول: «إنهما يوما عيد للمشركين، فأنا أحب أن أخالفهم» رواه أحمد والنسائي وحسنه محققو المسند وقوَّى إسنادَه ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.

وفي هذا  الحديث فائدتان:

الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مخالفة اليهود والنصارى -لا سيما يوم عيدهم- فهل الذي يحتفل معهم ويهنئهم مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم  أم أنه مخالف له؟!! فمن كان متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم فليبغض مشاركتهم في أعيادهم وليخالفهم فيها.

الثانية: أن اليهود والنصارى مشركون كما نعتهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم في موضعين: [الآية 72 من سورة المائدة، والآية 31 من سورة التوبة].

سادساً:

ما رواه البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم”. وفي هذا الأثر: نعتَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه النصارى بالشرك.

سابعاً:

ما رواه البيهقي عن عمر رضي الله عنه  أيضاً أنه قال: “اجتنبوا أعداء الله في عيدهم” وهذا نهي عن لقائهم والاجتماع بهم فكيف بمن احتفل بعيدهم؟!.

راجع هذه الأدلة وغيرها في اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية [ ص 177-197].

ارتباط الأعياد بالشرائع والأديان

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة” [ الاقتضاء 205 ].

وهل أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي. فما من عيدٍ لقوم إلا وهو يرتبط بديانتهم، فكيف نوافق المشركين ونحتفل بشيء من شعائرهم؟!!

الإهداء إليهم وقبول الهدية منهم في يوم عيدهم

قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي للنصراني شيئاً في عيدهم مكافأة لهم، ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على كفرهم، ألا ترى أن لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؛ لا لحماً ولا إداماً ولا ثوباً، ولا يعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم. وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره ولا أعلم خلافاً فيه”  [ الاقتضاء، ص: 329].

“وقال أبو حفص الحنفي: من أهدى فيه -يوم عيد المشركين- بيضة لمشرك تعظيماً لليوم كفر” [فيض القدير للمُناوي: 4/ 511].

وقال الإمام أحمد رحمه الله: “ولا يُؤكل ما ذبحوه لأعيادهم” [المغني 11/ 36].

وقال ابن عبد البر رحمه الله: “وعن عائشة قالت: لا تأكل ما ذبح لأعيادهم. وعن ابن عمر مثله” [الاستذكار 5/ 259 ].

إعانتهم في أعيادهم

قال تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]. والفرق بينهما كما في فتح البيان للقِنَّوجي أن الإثم: كل معصية. والعدوان: ظلم الناس.

قال الإمام مالك رحمه الله: “وَلَا يُكْرِي دَابَّتَهُ مِنْهُمْ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَكْرَوْهَا لِيَرْكَبُوهَا إلَى أَعْيَادِهِمْ” [المدونة 3/ 435]. أَكرى منزلَه: أجَّره.

التعزير لمن وافقهم في أعيادهم

في مغني المحتاج (4/ 186) “ويعزر من وافق الكفار في أعيادهم”. وهو ما نُصَّ عليه في الكافي في فقه ابن حنبل (4/ 176).

والعقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع:

1- القصاص، ويكون في جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات.

2- الحدود، وهي العقوبات المقدرة شرعاً، كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما.

3- التعزير، وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود. [ينظر: الأحكام السلطانية للماوَرْدي، ص: 236].

التهنئة بعيدهم

لاريب أنها من المشاركة التي سبق بيان حكمها.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “أما التهنئة بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنَّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه” [أحكام أهل الذمة 1/ 441].

قال الشيخ عبد العزيز الطريفي فك الله أسره: “لا يجوز تهنئة النصراني بفرية ميلاد ابنٍ لله! وإن هنَّأك بعيد الإسلام؛ لأن أحكام الله ليست مبادلة، فليس لك أن تعظم الصنم لأن الوثني دخل معك المسجد”.

فهل نقبل منهم أن يهنئونا بعيدهم؟ الجواب : لا؛ لما مضى من الأدلة، ولأن قَبول ذلك يدل على الرِّضا بما هم عليه من الكفر.

أما تهنئتهم بالأمور العادية التي لا تعلُّق لها بأديانهم؛ كنجاح ولد، أو نيل وظيفة، أو ولادةٍ، أو نجاةٍ من مكروه، كل ذلك لا بأس به، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].

ربِّ صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *