مقالات

حرمة المسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

حرمة المسلم

مهران ماهر عثمان

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن للمسلم حرمةً عظيمة عند الله تعالى، ولعلي أُبين شيئاً من ذلك في هذه الورقات بعون ربِّي.

النبي صلى الله عليه وسلم يبين حرمة المؤمن لأصحابه في حجة الوداع

خطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في يوم النحر فقال: «أيُّ يومٍ أعظمُ حرمةً»؟ فقالوا: يومنا هذا. قال: «فأي شهر أعظم حرمة»؟ قالوا: شهرنا. قال: «أي بلد أعظم حرمة»؟ قالوا: بلدنا هذا. قال: «فإن دماءكم، وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. هل بلغت»؟ قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد» رواه أحمد. وفي رواية للبخاري: «وأعراضكم». وقال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» رواه الشيخان.

حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة

في سنن ابن ماجه، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».

من صور هتك حرمة المسلم

1/ القتل

ويكفي للتحذير منه هذان الحديثان:

عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنَّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» رواه الترمذي.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم» أحمد.

2/ الاعتداء على ماله

فقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله تُكَفَّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سبيلِ اللهِ، وَأنْتَ صَابرٌ، مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبر». ثُمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ قُلْتَ»؟ قَالَ: أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله أتُكَفَّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعمْ، وَأنْتَ صَابرٌ، مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبِرٍ، إلاَّ الدَّيْنَ؛ فإنَّ جِبريلَ عليه السلام قَالَ لي ذلِكَ» رواه مسلم. مع أن الدين يكون بطيب نفس، لا يكون غصباً، مع ذلك الدين لا تكفره الشهادة، فكيف بمن أخذ مالاً حراماً من أخيه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «من اقْتَطَعَ حَقَّ امْرئ مُسْلِم بيَمينه فَقدْ أوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيهِ الجَنَّةَ». فَقَالَ رَجُلٌ: وإنْ كَانَ شَيْئاً يَسيراً يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: «وإنْ قَضيباً مِنْ أرَاك» رواه مسلم.

3/ الجلد

في صحيح البخاري، «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ لِمَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ».

قوله «أبشاركم»: جَمْعُ “بَشَرَةٍ” وَهُوَ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ.

ففي الحديث دلالةٌ واضحة على عصمة المسلم من الإيذاء بالضرب والسب والشتم والإهانة إلا بحق يوجب حدًا أو تعزيرًا، فلا يجوز هدر هذه العصمة لمجرد التهمة.

وعن رجل من العرب قال: زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوَطِئْتُ على رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفحني نفحة بسوط في يده وقال: «بسم الله ، أوجعتني». قال: فبت لنفسي لائماً أقول: أوجعتُ رسول صلى الله عليه وسلم، فبت بليلة كما يعلم الله، فلما أصبحنا إذا رجل يقول: أين فلان؟ قال: قلت: هذا والله الذي كان مني بالأمس. قال: فانطلقت وأنا متخوِّف. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك وطئت بنعلك على رجلي بالأمس، فأوجعتني، فنفحتك نفحة بالسوط، فهذه ثمانون نعجةً فخذها بها» رواه الدارمي، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني برقم (3043).

4/ التعذيب

وعَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» رواه مسلم.

5/ الغيبة

قالت عائشة رضي الله عنها: قلت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا؟ ـ قال بعض الرواة: تعني قصيرة ـ فقال لها: «لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لمزجته» رواه أبو داود والترمذي.

والمعنى: أنَّ الله لو جعل هذه الكلمة مادة محسوسة وجعل لها لوناً وأُلقي بها إلى بحر لتغيَّر لونُه بها!!

والغيبة من أسباب عذاب القبر، دل على ذلك حديثان:

الأول:

حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» رواه أبو داود.

والثاني:

حديث يَعْلَى ابْنِ سِيَابَةَ رضي الله عنه (أثبتُّ همزة ابن؛ لأنها أمه) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرٍ فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ يُعَذَّبُ فِي غَيْرِ كَبِيرٍ(أي: يعده الناس أمراً صغيراً)، كان يأكل لحوم الناس». ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَوَضَعَهَا عَلَى قَبْرِهِ، فَقَالَ:«لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ مَا دَامَتْ رَطْبَةً» رواه أحمد والطبراني في الأوسط.

والواجب على من سمع غيبةً في أخيه أن يذُبَّ عنه، وهذا صنيع نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فإنه لما رجم ماعزاً رضي الله عنه قال رجلان أحدهما للآخر: انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ الله عَلَيْهِ، فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ. فَسَكَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْهُمَا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ (ارتفعت رجلاه بانتفاخ بطنه)، فَقَالَ: «أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ»؟ فَقَالَا: نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ». فَقَالَا: يَا نَبِيَّ الله مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: «فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا» رواه أبو داود.

6/ اللعن والسب

عن أَبي زيدٍ ثابت بن الضَّحَّاك الأنصاريِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» متفق عَلَيْهِ.

وفي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ».

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلاَ اللَّعَّانِ، وَلاَ الفَاحِشِ، وَلاَ البَذِيء». رواه الترمذي.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ». متفق عَلَيْهِ.

الطعان: الذي يطعن في أنساب الناس.

واللعان: المكثر من اللعن.

والفاحش والبذيء الذي يتكلم بما يستحيا منه.

7/ السخرية والاحتقار

قال تعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَومٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيْمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].

وعن أَبي هريرة  رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ» رواه مسلم.

8/ الشماتة والتعيير

عَن وَائِلَةَ بن الأسقع رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ» رواه الترمذي.

وعن ابن سِيرِينَ قال: “عَيَّرْتُ رَجُلًا بِالْإِفْلَاسِ فَأَفْلَسْتُ” [الآداب الشرعية 1/ 322].

قال ابن القيم رحمه الله: “من ضحك من النَّاس ضُحك مِنْهُ، وَمن عير أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلَا بُد” [الفروسية، ص 446].

9/ اتهامه بالباطل

في مسند أحمد، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ قَالَ: فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ».

10/ التجسس عليه وتتبع عوراته

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي.

11/ كل ما يتأذى به الناس فهو حرام وظلم

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]. ومعنى الآية: ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات﴾، بوجه من وجوه الأذى من قول، أو فعل. ومعنى قوله: ﴿بغير ما اكتسبوا﴾: أنه لم يكن ذلك بسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به، ﴿فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا﴾ تحملوا كذبا ﴿وإثماً مبيناً﴾ بيناً.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللعّانَين: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم» رواه مسلم.

وفي الصحيحين، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

وعن جابر رضي الله عنه: أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» رواه مسلم.

وتستمر هذه الحرمة حتى بعد موت المسلم

فعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قَالَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم: «لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». رواه البخاري.

التحلل من حق المسلم

من انتهك حرمة مؤمن بقتل فلابد أن يمكِّن أولياء الدم من القصاص، فإما أن يطالبوا به، أو يعفوا.

ومن أخذ مالاً لزمه أمران:

الأول: رد المال إليه.

الثاني: التحلل منه؛ لأن حرمانه من ماله زمناً اعتداء وظلم.

ومن هتك عرضه فلابد التحلل من صاحبه.

فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» رواه البخاري.

وقوله: «من عرضه»: كالغيبة ونحو ذلك.

فهذا يدل على وجوب التحلل من المظالم ومن الغيبة، ولو أدَّى ذلك إلى بذل ما عندك من مال.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت العرب تخدم بعضها بعضاً في الأسفار، و كان مع أبي بكر و عمر رجل يخدُمهما، فناما، فاستيقظا، و لم يهيئ لهما طعاما، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم بيتكم، فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر و عمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك. فقال: «أقرئهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما»، ففزعا، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: «قد ائتدما». فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: «بلحم أخيكما، والذي نفسـي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما»، يعني لحم الذي استغاباه. قالا: فاستغفر لنا. قال: «هو فليستغفر لكما» أخرجه الضياء المقدسي في المختارة.

وهذا يبطل قول من قال: يكتفي بالاستغفار لمن اغتابه!

هل تثبت الحرمة لغير المسلم؟

نعم؛ فإنَّ للكافر غير المحارب حرمةً.

ومما يدلُّ على أنّ المعاهد يشمل هذه الأنواع حديث النبي صلى الله عيه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود.

قال ابن حجر رحمه الله: “والمراد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم” [فتح الباري 12/ 259].

رب صل وسلم على نبينا محمد.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *