منامان نبويان رمضانيان
بسم الله الرحمن الرحيم
منامان نبويان رمضانيان
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذان منامان نبويان رمضانيان، ومعلوم أن منامات الأنبياء وحيٌّ من الله تعالى.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم واحداً، وأقر بما في الثاني، فكان حقاً لإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأول:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بِضَبْعَيَّ([1])، فأتيا بي جبلاً وَعْراً([2]) فقالا لي: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه([3])، فقالا: إنا سنُسَهِّلُه لك. فصَعِدت حتى إذا كنت في سواء الجبل([4]) إذا أنا بأصوات شديدة فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عُوَاء([5]) أهل النار. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم([6])، مشققة أشداقهم([7])، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم» رواه ابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن (2/ 198).
قال الألباني رحمه الله: “هذه عقوبة من صام ثمَّ أفطر عمدًا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أَصلاً؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة” [صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 2/ 199].
ولا يتعارض هذا مع الأمر بتعجيل الإفطار، فالتعجيل المشروع هو الذي يكون بُعَيْدَ غروب الشمس، وهؤلاء يفطرون قبل غروبها.
الثاني:
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» رواه أحمد وابن ماجه وهذا لفظه، وصححه محققو مسند الإمام أحمد، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني (2591).
فهذا منام رآه طلحة رضي الله عنه، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه.
وفيه أن المجتهد في العبادة الذي منَّ الله بالشهادة دون أخيه الذي بقي سنة وصلى صلاة عام، وصام رمضان.
رب صل وسلم على نبينا محمد.
[1] / عضديَّ
[2] / يصعب السير فيه.
[3] / لا أقدر.
[4] / وسط الجبل.
[5] / العُواء: الصُّراخ وزناً ومعنىً.
[6] / العُرْقُوب: العصب الذي يعلو مؤخَّر القدم.
[7] / الشِّدْق: جانب الوجه.