
ثمرات العمل الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم
عمل الصالح
مهران ماهر عثمان
5 شوال 1427هـ
مسجد خالد بن الوليد بأركويت63
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد؛ فهناك سؤال إذا ما طُرح أجاب عنه الصغير والكبير، والذكر والأنثى، ولكن من يُعْمِل جوابه قليل، فما هو السؤال؟
السؤال: لماذا خلقنا الله؟ الجواب يعلمه الجميع، لكن من يقوم بهذا الواجب ويعمر وقته وحياته بطاعة الله تعالى؟
وإنّ مما يعين على ملء وقتنا بالصالحات والاستمرار على فعل الخيرات أن نتعلم بركات العمل الصالح، فالعمل الصالح تصحب البركة صاحبه في جميع مراحل حياته.
ففي الحياة الدنيا
1/ يوضع القبول للصالحين في الأرض.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم [96]]، فيُحبُّهم الناسُ بصلاحهم وقربهم من الله تعالى.
وهذا المعنى جاء ذكره في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ» متفق عليه.
2/ من البركات أن من يكثر من الصالحات ينال محبة الله تعالى.
وهذا ما جاء ذكره في الحديث السابق، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».
وهذه هي الغاية التي شمر لها المشمرون، وسعى لنيلها المخلصون، فأي نعيم يعدل هذا النعيم؟ وأي شيء أعظم من أن يحبك الله؟ إنّ المرء منا إذا ذكره كبير ذو جاه أو ملك أو رئيس غمرت الفرحة قلبه -وهذا شيء لا اعتبار له عند ربنا سبحانه- فكيف إذا أحبه الله الواحد القهار؟!
3/ تكفير السيئات.
من منّا لا يذنب؟ من منا لا يعصي الله؟ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» رواه مسلم، وليس المراد التحريض على الذنب، لكنه حكاية واقع لا بد منه، فالذي يغضب الله تركنا للاستغفار ونحن نذنب.
وقال عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التوابون» رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
لكنَّ الفرقَ بين الصالح وغيره أن الصالح إذا أذنب لم يتماد في غيه، ولم يسترسل في ذنبه، بل يقلع إذا ذُكِّر بالله، أما غيره بخلافه، فمن بركة العمل الصالح أنّ أهله يكفر الله ذنوبهم..
قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه [32]].
وقال: ﴿وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة [9]].
وقال: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الحج [50]].
4/ خير الخلق من يعمل بالصالحات.
فلا اعتبار للمال والجاه وكثرة الولد عند الله ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل [11]]، وقال: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ [37]]، وقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾ [الحاقة [25-29]].
فكيف يتفاضل الناس عند ربهم؟ بالإيمان والعمل الصالح، وهذا من بركته.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات [13]]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة [7]].
فليس التفاضل بالمال:
عند ابن حبان في صحيحه سؤالٌ طرحه نبينا صلى الله عليه وسلم على أبي ذر رضي الله عنه .. قال صلى الله عليه وسلم :« يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى » ؟ فقال أبو ذر رضي الله عنه : نعم يا رسول الله ، فجاء السؤال الثاني : « فترى قلة المال هو الفقر» ؟ قال : نعم يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم :« إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب » .
قال أبو ذر رضي الله عنه : ثم سألني عن رجل من قريش ، قال: «هل تعرف فلاناً» ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : «فكيف تراه»؟ قلت : إذا سأل أُعطي ، وإذا حضر أُدخل» – لأن له جاهاً ومالاً – قال : ثم سألني عن رجل من أهل الصفة فقال :«هل تعرف فلاناً» ؟ قلت : لا والله ما أعرفه يا رسول الله . فما زال يجليه وينعته حتى عرفته ، فقلت : قد عرفته يا رسول الله . قال :«فكيف تراه» ؟ قلت : هو رجل مسكين من أهل الصفة . فقال :«هو خير من طِلاعِ الأرض من الآخر» .
وطلاعها : ملؤها ، فلو امتلأت الأرض بمثل هذا القرشي لكان ذاك الفقير خيراً منهم .
وشبيه بهذا خبر سهل رضي الله عنه ، قال : مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا» ؟ قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ . قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ :«مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا» ؟ قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«هَذَا – يعني الفقير – خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» أخرجه البخاري ومسلم.
ومثله كذلك حديث الترمذي :«كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ [ثوبين باليين] ، لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» .
ولا عبرة بالنسب:
فلا يمكن أن يكون التفاضل عند الله بنسبنا وقبائلنا..
فهذا ولد نوح عليه السلام لما كفر لم ينتفع بأبوة نبي الله. قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ [42] قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [43] وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [44] وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [45] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [46] قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود/42-47].
ووالد إبراهيم عليه السلام من أصحاب الجحيم. ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة/114].
وقد قال ذلك بعدما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لمن مات من قرابته على الكفر: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة/113].
وعمَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم – أبو طالب وأبو لهب- في النار. قال تعالى في شأن أبي لهب: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [1] مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [2] سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [3] وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [4] فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [المسد/1-5].
وفي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا».
وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
وفي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم: «انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الْإِسْلَامِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ».
مرَّ أبو سفيان عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ». فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي. رواه مسلم.
غضب الله في غضب فارسي، ورومي، وحبشي.
وصهيب هذا هو الذي جاء في فضله قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «ربح البيع أبا يحيى» رواه الطبراني.
وفي صحيح مسلم عن جابر t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ، ثُمَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي فَإِذَا بِلَالٌ».
والخشخشة: صوت احتكاك اليابس بعضه مع بعض.
وفي سلمان ورد قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ».
لقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ[[1]] وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ» رواه أبو داود والترمذي.
5/ حفظ الله وولايته لأهل العمل الصالح.
قال تعالى: ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف [196]].
وقال: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [البقرة [257]].
وقال سيد الصالحين صلى الله عليه وسلم: «احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ» رواه الترمذي.
وفي الحديث القدسي الذي مرّ معنا: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».
6/ يحفظ الله الصالحين في ذريتهم.
وفي ذلك يقول ربنا: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف [82]].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “حفظا بصلاح أبيهما”.
دخل مقاتل بن سليمان رحمه الله، على المنصور يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له المنصور: عِظني يا مقاتل! فقال: أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال: بما رأيت. قال: يا أمير المؤمين، إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر، وقد سأل الناس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو على فراش الموت: ماذا تركت لأبنائك يا عمر؟ قال: تركت لهم تقوى الله، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولَّى الصالحين، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يُعينهم على معصية الله تعالى. لم يترك عمر لهم سوى تسعة دنانير. وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدًا، وكان نصيب كلّ ولدٍ من التركة مليون دينار. والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت في يومٍ واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدَّق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام يتسوَّل في الأسواق!
7/ العيش الكريم.
وليس بالضرورة أن يكون مقصوداً به المال الوفير، والعطاء الجزيل! فكم من إنسان تكدست خزائنه بالأموال وهو من أتعس العباد في الحال والمآل؟!
ولكنها السعادة، والقناعة، وتسهيل الأمور، وراحة النفس، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل [97]].
8/ الاطمئنان لحظة الاحتضار.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت [30]]، قال ابن كثير رحمه الله: “﴿تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ يعني عند الموت قائلين: ﴿أَلا تَخَافُوا﴾ مما تقدمون عليه من أمر الآخرة، ﴿وَلا تَحْزَنُوا﴾ على ما خلفتموه من أمر الدنيا، من ولد وأهل، ومال أو دين، فإنا نخلفكم فيه، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير” [تفسير القرآن العظيم [4/480] بتصرف].
قال قتادة وابن زيد: “ثم استقاموا على طاعة الله”.
وأما بركة العمل الصالح في البرزخ:
فكثيرة، منها:
9/ الشوق إلى الدفن.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَ الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ» رواه البخاري.
10/ إيثار القبر على الرجوع إلى الحياة الدنيا.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبدٍ يموت له عند الله خير يسرُّه أن يرجع إلى الدنيا، وأنّ له الدنيا وما فيها إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسرُّه أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى» رواه البخاري ومسلم. وأما بركته في الآخرة:
11/ أن أهله يخفف عليهم في الموقف.
فيوم القيامة يمر على الصالحين كما بين الظهر والعصر كما في الحديث الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر» رواه الحاكم. أي على المؤمنين كما فسره أبو هريرة رضي الله عنه بقوله: “يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر” رواه الديلمي.
12/ وأعظم بركة ينالها الإنسان بعمله الصالح جنة الله ودار كرامته.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف [107-108]].
والسؤال بعد ذلك:
أما آن الأوان لنقبل على الله؟ أما حان وقت الجد في طاعة الله؟ كم ستبقى في هذه الحياة؟ لو ظللت ساجداً في التراب لله الوهاب عمرك كله لما عدل ذلك ساعة في جنة الله؟ فكيف تعرض عن الله والله لم يكلفك ذلك، إنما هو جد واجتهاد وعمل، مع مراعاة مصالح دنياك ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ﴾ [القصص [77]].
إن المشركين يندمون على شركهم وخلو صحائفهم من الصالحات، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ [فاطر [36-37]].
وقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون [99-100]].
وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة [12]].
وقال: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [الأعراف [53]].
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
ربِّ صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
[1] / نخوتها.