
فاحشة اللواط
بسم الله الرحمن الرحيم
فاحشة اللوط
خطبتا 17و 24 يونيو 2022م
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فقد قال ربنا سبحانه:
﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد﴾ [هود: ٦٩ – ٨٣].
تحدثتنا هذه الآيات عن فاحشة عظيمة، هذه الفاحشة سبب من أسباب العذاب الشديد في الدنيا والآخرة، فاحشة قوم لوط عليه السلام، وعليهم لعائن الله.
وقبل أن أتحدث عنها أستهل حديثي بدفاع في ثلاثِ نقاط عن نبي الله لوط عليه السلام.
الأولى:
النسبة التي تقال لمن يفعل هذه الفاحشة ليست نسبةً إلى نبي الله لوط عليه السلام، بل هي نسبة إلى قومه، فـ “قوم لوط” مركبٌ، وتركيبه إضافي، وقد قسم علماء النحو المنسوبإليه إذا كان مركب تركيباً إضافياً إلى أقسام، وذكروا منها أن الأول من المتضايفين، إذا كان لا يُعرف إلا بالثاني منهما عُدِل عن النسبة إلى الأول ونُسبإلى الثاني، فعلاقة لوط عليه السلام بهذا الأمرهي علاقة الناهي عنه المنكر له.
الثانية:
قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10]. وقال: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود:45- 46]. فهل معنى ذلك أن امرأة نوح كانت زانية؟
الجواب:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: “ما بغت امرأة نبي قط” [تفسير الطبري 15/343].
فما معنى أنه ليس من أهله؟
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك” [تفسير الطبري 15/343].
فما معنى ﴿فخانتاهما﴾؟
عن ابن عباس رضي الله عنهما: “قوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾، قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تَدُل على الضيف” [تفسير الطبري 23/ 497].
الثالثة:
ما معنى أن يقول لهم نبي الله عليه السلام ﴿هؤلاء بناتي﴾؟
لا ينبغي لعاقل أن يظن أن لوطاً عليه أرشدهم إلى بناته لقضاء وطرهم معهن! وهل يُعقل أن يبعث الله نبياً دَيُّوثاً يقر السوء في أهله!
وكيف يعقل أن نبياً يأمر بالفاحشة! ففعل قومه فاحشة، ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 80]. والزنا فاحشة، ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 15]، فكيف ينهى عن واحدة ويأمر بالثانية!!؟
وولا يصح أن يقال: إن المراد: أنه أراد أن يزوجهن بناته! فيكون المعنى: دعوا فاحشة اللواط وأزوجكم بناتي؛ إذ كيف يرضى نبي أن يزوج ابنته من كافر فاسق!!؟
والصحيح أن المراد بقوله: ﴿بناتي﴾: أزواجهم؛ فالنبي كالأب لأمته، فأرشدهم إلى الاكتفاء بما عندهم مما أحل الله لهم.
ولذلك دليلان من القرآن:
الأول:
قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ [الشعراء: 165، 166]، فبناته أزواجهم.
والثاني:
قوله: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6]، فإذا كانت زوجاته أمهاتٍ للمؤمنين، فهو كالأب لهم، وهذا حال كل نبي مع قومه.
وأما قولهم لنبيهم: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾، أي: لقد علمتَ من قبلُ أنه ليس لنا في النساء من حاجة أو رغبة.
لا يشك مسلم في تحريم هذه الفاحشة
فقد انعقد الإجماع على تحريم هذه الفاحشة، قال ابن قدامة رحمه الله: “أجمع أهل العلم على تحريم اللواط، وقد ذمه الله تعالى في كتابه، وعاب من فعله، وذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم” [ المغني 10/ 155].
التحذير من هذه الفاحشة
نتعرَّف أولاً عند تناول هذا المحور عن العقوبات التي عُوقب قوم لوط عليه السلام:
1/ طمس جبريلُ أعينهم لما جاءوا إلى لوط عليه السلام يريدون ضيفه. قال تعالى: ﴿فطمسنا أعينهم﴾ [القمر: 37].
2/ أخذتهم الصيحة، قال تعالى: ﴿فأخذتهم الصيحة مشرقين﴾ [الحجر: 73]. قال البغوي في معنى الصيحة: “وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَاحَ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَهَلَكُوا جَمِيعًا. وَقِيلَ: أَتَتْهُمُ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ وَصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ” [معالم التنزيل 4/ 187].
3/ اقتلع المَلك مدينتهم فرفعها إلى السماء حتى سُمِعَ نُباح كلابهم ثم أسقطها وجعل عاليها سافلها.
4/ أمطروا بحجارة من السماء. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 82- 83].
سجيل: حجر مخلوط بالطين. منضود: وضع بعضه على بعض، والمراد: متتابعة متتالية.
قال ابن القيم رحمه الله عن قوم لوط: ” فقلبوا الأمر، وعكسوا الفطرة والطبيعة، فأتوا الرجال شهوة من دون النساء، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم، فجعل عاليها سافلها، وكذلك قلبوهم ونكسوا في العذاب على رؤوسهم” [الجواب الكافي، ص: 121].
وقال ابن كثير رحمه الله -معلقاً على قول الوليد بن عبد الملك: لولا أنَّ الله ذكر قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكراً يفعل هذا بذكرٍ-: “فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة، والفاحشة المذمومة، التي عذب الله أهلها بأنواع العقوبات، وأحلَّ بهم أنواعاً من المثلات، التي لم يعاقب بها أحداً من الأمم السالفات، وهي فاحشة اللواط التي قد ابتلى بها غالب الملوك، والأمراء، والتجار، والعوام، والكتاب، والفقهاء، والقضاة، ونحوهم، إلا من عصم الله منهم، فإنَّ في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد؛ ولهذا تنوعت عقوبات فاعليه، ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتى في دبره، فإنه يفسد فساداً لا يُرجى له بعده صلاح أبداً، إلا أن يشاء الله ويذهب خبر المفعول به، فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه، وأن يجنبه مخالطة هؤلاء الملاعين، الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم” [البداية والنهاية 9/ 184].
ومن نصوص التحذير
ما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ» رواه الترمذي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ» رواه البيهقي وابن حبان.
وقال ابن كثير رحمه الله: “وقد لعن النبيُّ صلى الله عليه وسلم من عمِل عمل قوم لوط ثلاث مرات، ولم يلعن على ذنب ثلاث مرات إلا عليه… وأما اللعنة فهي الطرد والبعد، ومن كان مطروداً مبعداً عن الله وعن رسوله وعن كتابه وعن صالح عباده فلا خير فيه ولا في قربه” [البداية والنهاية 9/ 185].
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا» رواه الترمذي.
وإنّ مما يترتب على هذا الخزي والعار من البلاء والدّمار فشو الأمراض والطواعين، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ( ) -وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ-: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» رواه ابن ماجه.
وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما نقضَ قومٌ العهدَ قطُّ إلا كان القتلُ بينهم، ولا ظهرت الفاحشةُ في قومٍ قط إلا سلَّط اللهُ عليهم الموتَ، ولا منع قومٌ الزكاةَ إلا حبس الله عنهم القطر» رواه الحاكم في المستدرك.
حد اللواط
أمر النبي e بقتل الفاعل والمفعول به فقال: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رواه أحمد والأربعة إلا النسائي.
قال ابن كثير رحمه الله: “أَمر بقتل الفاعل والمفعول به لأنه لا خير في بقائهما بين الناس؛ لفساد طويتهما، وخبث بواطنهما، فمن كان بهذه المثابة فلا خير للخلق في بقائه، فإذا أراح الله الخلق منهما صلح لهم أمر معاشهم ودينهم” [البداية والنهاية 9/ 185].
وإليك هذا النقل عن ابن القيم رحمه الله الذي يبين لنا فيه أنّ الصحابة لم يختلفوا في قتل الفاعل والمفعول به، إنما اختلفوا في صفة قتله، فأخطأ فهمُ بعضهم وظنه خلافاً في مسألة هل يُقتلان أم لا!
قال رحمه الله: “وحتم قتل اللوطي حداً كما أجمع عليه أصحاب رسول الله ودلت عليه سنة رسول الله الصريحة التي لا معارض لها، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلاً يُنكح كما تُنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق t فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم، فكان علي بن أبي طالب أشدهم قولاً فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أن يحرق بالنار. فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه. وقال عبد الله بن عباس: أرى أن ينظر أعلى ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكساً ثم يتبع بالحجارة. وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله للوطية قوم لوط، وابن عباس هو الذي روى عن النبي e: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»… وأطبق أصحاب رسول الله على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله فظن بعض الناس ذلك اختلاف منهم في قتله فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة” [الجواب الكافي، ص:120].
وقال ابن قدامة رحمه الله: “ولأنه([1]) إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم أجمعوا على قتله، وإنما اختلفوا في صفته” [المغني 10/ 155].
ويقول الشيخ الدكتور بكر عبد الله أبو زيد رحمه الله: “ووجه الدلالة من هذا الحديث- يعني «فاقتلوا الفاعل والمفعول به» – نَصِّيَّةٌ على قتل الفاعل والمفعول به، وليس فيه تفصيل لمن أحصن أو لم يحصن، فدل بعمومه على قتله مطلقاً” [الحدود والتعزيرات عند ابن القيم، ص 179].
وتثبت هذه الجريمة بأمرين:
1/ أربعة شهود؛ قياساً على الزِّنا .
2/ الإقرار.
وهذا مما لا خلاف فيه.
أيها المبتلى، هذه معينات تعينك على التوبة بإذن الله
ليس من داء إلا وله دواء، وقد يصعب على من ابتلي بهذه الفاحشة أن يبرح سبيلها، ولكن من عزم على ذلك أعانه الله، ومما يعين على ترك هذا السوء الذي لم تعرف البشرية مثله بعد الشرك بالله:
دعاء الله تبارك وتعالى، والتضرع إليه
وتأمل في هذه القصة التي جرت بين شاب كان محباً للفاحشة وبين النبي e: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ t قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ e فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: «ادْنُهْ». فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، فَجَلَسَ. قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ»؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ»؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ»؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: « وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ»؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ»؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. رواه أحمد.
فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب تكريه وتبغيض المنكر لدى من ابتلي به، ثم دعا له.
الصدق مع الله
عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ t أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ e فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ e بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ e سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ -وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ-، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ e، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ e، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ». قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ». فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ e يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ e: «أَهُوَ هُوَ»؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ». ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ e فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ e([2]). ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ» رواه النسائي.
فما أعظم أن تصدق –أيها المبتلى- مع الله؛ ليزول بلاؤك، ويذهب همك!
البعد عن جميع أسبابها وما يذكر بها
فابتعد عن الصحبة السيئة التي تزين لك طريقها، وابتعد عمن كنت تفجر معه. وإن كان ما يُذكرك بها صور أو مادة (فيديو)، أو غير ذلك فأعدم ذلك كله.
واعلم أنّ من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، قال e: « إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ» رواه أحمد.
حراسة الخواطر
فإذا حدثتك نفسك بها فاطرد الخاطر عنك، واعلم أنّ كل شيء له مراحل لا يُتوصل إليه إلا بسلوك مراحله، والمعصية كذلك، فمن أذهب عن نفسه خواطرها لم يفلح الشيطان في الإيقاع به.
العلم بأنَّ للمعصية شؤماً؛ ففكر أيها المبتلى في العاقبة
يقول ابن القيم رحمه الله: “الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة؛ فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وأما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وأما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه، وأما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وأما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول فان الأعمال تورث الصفات والأخلاق”([3]).
شغل الفرغ بما ينفع
اشغل النفس بالطاعة، وبكل ما هو مفيد؛ من تحصيل علمي أو عمل.. فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية. ومن الحلول الناجعة لمن تاب وعاوده التفكير: أن يكثر من التلاوة، وسماع الوعظ، وصحبة الصالحين؛ فإنه يستحي بسببهم أن يفعل معصية.
زيارة المقابر
فلزيارة القبور أثر كبير في إصلاح النفس والسلوك، وقد ندب إليها نبينا e.
الإكثار من الصوم
فإنَّ له أثراً عجيباً في القضاء على هذه المنكرات، بكبح جماح الشهوات.
الزواج
فهو السبيل الأوحد الذي يُشبع الإنسان به رغبته الجنسية.
الخشوع في صلاتك
وأقبل فيها على ربك؛ فإنها تنهى عن كل فاحشة ومنكر. قال تعالى: ﴿إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر﴾ [العنكبوت: 45].
الابتعاد عن الأحداث
قال ابن تيمية رحمه الله عن ذلك: “لَوْ كَانَتْ صُحْبَةُ المردان الْمَذْكُورَةُ خَالِيَةً عَنْ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ فَهِيَ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ وَسَبَبٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْمَشَايِخُ الْعَارِفُونَ بِطَرِيقِ اللَّهِ يُحَذِّرُونَ مِنْ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ فَتْحِ الموصلي: أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ الْأَبْدَالِ كَلٌّ يَنْهَانِي عِنْدَ مُفَارَقَتِي إيَّاهُ عَنْ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ. وَقَالَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِي: كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبْعٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ بِأَخْوَفَ مِنِّي عَلَيْهِ مِنْ حَدَثٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَبِشْرٌ الْحَافِي: إنَّ مَعَ الْمَرْأَةِ شَيْطَانًا وَمَعَ الْحَدَثِ شَيْطَانَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا سَقَطَ عَبْدٌ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ إلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِصُحْبَةِ هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاثِ” [مجموع الفتاوى 11/ 545].
آثار اللواط
منها الانتقام:
لو فكر الفاعل أنّ هذا الغلام الذي يفجر به سيكبر بعد أعوام قليلة لما تجاسر على ارتكاب هذا الحرام، ولهان عليه تركه. فبعد أن يكبر المفعول به ستكون في موقف محرج، وربما استفحل العداء بينكما وأنت من بذرت بذرته، أو فكَّر في الانتقام منك..
جاء هذا السؤال في موقع الشبكة الإسلامية([4]):
“أنا عندي مشكلة عقدت حياتي.. قصتي كالتالي: عندما كنت صغيراً تعرضت لاغتصاب وقح من طرف عمي([5])، وقتها كان عمري سبع سنوات، لقد كنت ضحية، لم أستطع الدفاع عن نفسي؛ لأنني لم أدر ماذا كان يفعل بالتحديد. الآن عمري تسع وعشرون سنة وأقيم بالخارج، كل هذه السنين أبكي وأتعذب خفية، لا أحد يعلم بالأمر سوى الله سبحانه وتعالى، فكرت في الانتحار، ولكن امتنعت خشية من الله, أنا الآن أفكر في طريقة للانتقام لرد الاعتبار، فهل أنا مخطئ أم محق ؟”.
ومن آثار اللواط:
أنه يؤدي إلى السحاق أو الزنا، فباستغناء الرجال بالرجال يستغني النساء بالنساء! أو ربما لجأت المرأة إلى غير زوجها؛ لتشبع غريزتها.
ومنها: محق البركات، وحلول الغضب والنقم والعذاب والبلاء!
وإذا غضب الله على قوم فأي خير ينتظرون؟ وأي سعادة يرجون. إنه الدمار في الدنيا ﴿ولعذاب الآخرة أشد وأبقى﴾ [طه: 127].
ومنها: تقليل النسل بوأد ماء الحياة، فهو كمن يبذر الحب في أرضٍ كَنود لا تنبت.
ومنها الأمراض الفتاكة التي لا تخفى على أحد.
ومنها: شل المجتمع وإهدار طاقاته.
ومنها: مسخ الفطرة وانقلابها، وهو ما يسمى بالانعكاس النفسي، فيشعر بميل إلى بني جنسه، وتتجه أفكاره الخبيثة إلى أعضائهم التناسلية، ولقد أثبتت كتب الطب كثيراً من الوقائع الغريبة التي تتعلق بهذا الشذوذ مما لا يتسع المجال لذكرها هنا.
ومنها: آثار كثيرة سيئة تنعكس على نفسيته، فيبقى –إن بقي- محطماً مكسوراً ذليلاً.
قال ابن القيم رحمه في الله –متحدثاً عن آثاره ومفاسده-: “واللواط يحدث الهم والغم والنفرة عن الفاعل والمفعول. وأيضاً: فإنه يسود الوجه ويظلم الصدر ويطمس نور القلب ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة. وأيضاً: فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد والتقاطع بين الفاعل والمفعول ولا بد. وأيضاً فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يرجى بعده صلاح إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح. وأيضاً: فإنه يذهب بالمحاسن منهما ويكسوهما ضدها كما يذهب بالمودة بينهما ويبدلهما بها تباغضاً وتلاعناً. وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم وحلول النقم؛ فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله وإعراضه عن فاعله وعدم نظره، إليه فأي خير يرجوه بعد هذا؟ وأي شر يأمنه؟ وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته وأعرض عنه بوجهه ولم ينظر إليه؟ وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده. وأيضاً: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئاً من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختياره. وأيضاً: فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه. وأيضاً: فإنه يورث من المهانة والسفال والحقارة ما لا يورثه غيره. وأيضاً: فإنه يكسو العبد من حلة المقت والبغضاء وازدراء الناس له واحتقارهم إياه واستصغارهم له ما هو مشاهد بالحس. فصلاة الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به” [زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم (4/ 241-242].
كيف نقي أبناءنا من هذه الفاحشة؟
بأمور، وهي:
1/ إعطاء الصغير كفايته من العطف والحنان. وهذا يجب أن يشترك فيه الوالدان.
يقول الدكتور على الزهراني([6]) –في رده على أحد المرضى المنحرفين الشاذين-: “أعود لمشكلتك الجنسية وتعلقك بكبار السن للقيام بالعملية الجنسية، حيث يرى بعض علماء النفس أن الطفل الذي لم يحظ بالحنان الكاف من والده فإن هذا الأمر سيلازمه للأبد بمطاردته لكبار السن بطلب الحنان منهم فهو، أحياناً يجد رغبة في مجامعتهم، لكنه في الواقع يبحث عن الحنان الذي طالما بحث عنه لكنه لم يجده في طفولته، حتى أن بعض العلماء يرى أن يقوم الأب بملامسة جسد الطفل في الصغر لإعطائه الحنان الذي يبحث عنه، وفي المراحل المتقدمة من الطفولة يقوم الأب بممازحة الطفل واللعب معه للتغلب على ظهور مثل هذا الانحراف، بل أن هناك دراسات وجدت أن الانحرافات الجنسية تكثر بين الأطفال الذين عاشوا بدون آباء، إما لانشغالهم المستمر خارج المنزل، أو لسفرهم لفترات طويلة، أو لفقدهم بالموت، أو الانفصال”([7]).
2/ الحذر من إظهار المواقف الزوجية التي تثير الغرائز أمام الأولاد، فهذا مما يثير الغريزة، فيا أيها الآباء: اتقوا الله في أولادكم، ولا تكونوا سبباً لانحرافهم.
3/ نصح الأبناء وإرشادهم. فلابد من مصارحة الأب لأبنائه المميزين بالأسلوب الذي يراه مناسباً، وتحذيرهم من هذه الفاحشة. وهذا يراعى فيه المرحلة العمرية التي يمر الطفل بها..
فإذا عقل معنى (العيب) وذلك إذا بلغ العامين أو أكثر أُفهم أن في بدنه أشياء ومناطقَ تخصه لا يجوز لأحد أن يعبث بها أو يلمسها أو ينظر إليها. ويكرر ذلك له.
وقد أخبرني أخٌ فاضلٌ أنه لما كان بالمرحلة الابتدائية كان معهم معلم منحرف في سلوكه! فحذره خاله منه. وفي يومٍ اقترب منه هذا المعلم وأمسك بأذنه، فأزاح يده عنه بعنف وهدده بإخبار خاله إن اقترب منه، فلم يفعلها ثانيةً.
فإذا شارف على البلوغ كان الحديث معه صريحاً في التعريف بالفواحش، وما يجب على المسلم حيال شهوته، وكيف رفع النبي e من شأن أهل العفاف، وسبيل ذلك والمدخل إليه: تدريس قصتي لوط ويوسف عليهما السلام.
4/ تعويدهم على مصارحتنا بكل ما يحدث لهم؛ لنجد منهم المكاشفة إذا نزل أمر ينكرونه، فإذا لم يوصل الوالد ولده إلى هذه المرحلة فقد أخفق.
5/ حفظك _أيها الوالد- لحدود الله، سبب لحفظ الله تعالى لولدك.
6/ الدعاء لهم.
7/ التفريق بينهم في المضاجع.
8/ توخي الحيطة والحذر، ولندع عنّا العفوية المفرطة، والثقة الزائدة. فليس من معنى لأن نترك أطفالنا مع أناس من الأقارب ونغفل عنهم، وفي بيتهم شباب في سن المراهقة بينهم وبين التدين بون كبير.
وليست هذه دعوة لإشاعة روح الشكوك والريبة والتهم، وإنما هي دعوة للتيقظ.
9/ الحذر من أن يكون الجوال سبباً في فسادهم، وذلك بعدم تمكينهم المطلق من استعماله، بل يكون ذلك بقدر، مع مراقبتهم حال استعماله، فكم أفسد هذا الجوال من أخلاق أولادنا!
10/ الحذر من مخالطة أصدقاء السوء، فلابد أن يتعرف الوالد على صديق ولده، لا سيما في مدرسته؛ فصديق الفصل يجالسه لساعات طويلة.
قال ابن كثير رحمه الله –بعد ذكره لمفاسد اللواط- : “فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه، وأن يجنبه مخالطة هؤلاء الملاعين، الذين لعنهم رسول اللهe”([8]).
الفواحش تميت على سوء الخاتمة
قال ابن القيم رحمه الله: “ويروى أن رجلاً عشق شخصاً، فاشتد كلفه به وتمكن حبه من قلبه، حتى وقع ألماً به ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشخص عليه واشتد نفاره عنه. فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده، فأخبر بذلك البائس، ففرح واشتد سروره وانجلى غمه، وجعل ينتظر الميعاد الذي ضربه له. فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، فرغبت إليه وكلمته فقال: إنه ذكرني وبرح بي، ولا أدخل مداخل الريب، ولا أعرض نفسي لمواقع التهم. فعاودته فأبى وانصرف، فلما سمع البائس ذلك أسقط في يده وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول في تلك الحال
أسلم يا راحة العليــل ويا شفاء المدنف النحيل
رضاك أشهى إلي فؤادي من رحمة الخالق الجليل
فقلت له: يا فلان اتق الله! قال: قد كان. فقمت عنه، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت. فعياذا بالله من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة” [الجواب الكافي، ص 117].
الموقف من قوم لوط إذا وجدوا في حي من الأحياء
أن نسعى لإصلاحهم ودعوتهم.
فإن أبوا أن يستجيبوا فلابد من الاجتهاد في إخراجهم من الحي وإبعادهم عن الأبناء فهذا لو تكرر في أحياء مختلفة وتعامل الناس بحزم حيال ذلك فهو أدعى لصلاح حالهم.
فلابد من معاملتهم بما اقترحه أسلافهم: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: 56]، فيكون شعار الناس إذا تعاملوا معهم:
أخرجوا قوم لوط من قريتكم إنهم بهائم يفسدون!
فما وقع لهم في أبو حمد من أسباب قطع دابرهم، فما أحوجهم إلى هذا النوع من التعامل.
تنبيه مهم
في كثير من الأحيان يُجبر الصبي على ممارسة هذه الفاحشة، فيكون في الحي من هو أكبر سناً منه، ويمارسون معه هذه الفاحشة بالإكراه، ثم يصورونه، ويبتزونه بهذه الصور ليستمر في ممارستها.
ومثل هؤلاء أدعوا الناس إلى ردعهم بقوة كبيرة تكون سبباً لقطع شرهم من الحي.
يُتعامل معهم بلا رحمة؛ لينقطع شرهم.
لابد أن يجتمع أهل الحي على ذلك.
ولابد أن يعلم أولادنا أنه مهما حدث منهم فلا يوجد في هذه الأرض من هو أرحم بهم بعد ربهم من آبائهم، فلا بد من غرس هذا المعنى في نفوسهم لئلا يخفوا عنَّا ما يخيفهم.
ثم هذا الصبي الذي عُبث به كيف يكون التصرف اللائق معه؟
ليس من ريب أنّ من الحكمة –والحالة هذه – سلوكَ ثلاثة سبل:
الأول: عدم المبالغة في التعنيف عليه، وليعلم أنّ للمبالغة في التعنيف عليه أكبر الأثر في أن يبقى محطماً، مهزوز الشخصية، مهان الكرامة، عديم الثقة بنفسه، دائم الشرود.
الثاني: بذل الجهد لمحو الأثر النفسي السيء الذي يخلقه هذا العبث، ومن الأفضل الاستعانة بمعالج نفسي.
الثالث: زيادة العناية به؛ لئلا يتكرر ما حدث.
اللهم احفظ أطفالنا وأعراضنا، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
رب صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] / أي : قتل الفاعل والمفعول به سواء كانا محصنين أم غير محصنين.
[2] / فائدة هذا التكرار لئلا يُتوهم أنها جبة الشهيد t.
[3] / الفوائد، لابن قيم الجوزية، ص (149).
[4] / موقع الشبكة الإسلامية، فتوى رقم (79149) ، رابط الفتوى :
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/PrintFatwa.php?lang=A&Id=79149
[5] / !!!
[6] / استشاري الطب النفسي بالمملكة العربية السعودية.
[7] / رابط هذا النقل : http://www.alamal.med.sa/ask/details2.asp?id=508
[8] / البداية والنهاية (9/184).
رب صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

