مقالات

ثلاث صفاتٍ لجيل التغيير وتعليق على طوام قحت

بسم الله الرحمن الرحيم

ثلاث صفاتٍ لجيل التغيير وتعليق على طوام قحت

14 جمادى الأولى 1441هـ الموافق: 10 يناير 2020

مسجد السلام بالطائف (22) – مهران ماهر

محاور الخطبة

التغيير الذي نريد.

صفات جيل التغيير.

1/ لا تكن إمعة.

2/ اغضب لله.

3/ اقبل الحق ولو جاءك من بعيد بغيض.

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، رب صل وسلم على نبينا محمد، أما بعد؛

فعنوان خطبتنا هذه: ثلاث صفات لجيل التغيير، وقبل التعرف على هذه الصفات لابد من مقدمة تتعلق بالتغيير؛ وهو التبديل، إبدال شيء بشيء.

التغيير الذي نريد

لابد من التعرف على أقسام التغيير لنعرف ما هو التغيير الذي نريده، فما هي أقسام التغيير؟

التغيير قسمان:

1/ تغيير ممدوح.

وهو التغيير إلى الأفضل.

ومن صوره:

التوبة بعد المعصية.

قال ربنا: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: 10، 11]. فهؤلاء غيروا حالهم، تابوا من إسرافهم، فقبل الله تغييرهم.

وقال: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 68 – 70].

ومن نماذجه في القرآن الكريم:

توبة أصحاب الجنة الذين أقسموا ألا يُعطوا المسكين حقَّ الله فيها، فاحترقت، فلما تابوا أحبوا من الله أن يغير حالهم ويصلح شأنهم، قال سبحانه عنهم: ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ [القلم: 32].

ومن مكَّن الله تعالى له في الأرض فغيَّر حال الناس من الشرك إلى التوحيد، وحملهم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة أقام الصلاة، غير الله حالهم من الخوف إلى الأمن، قال عز اسمه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].

ومن التغيير الممدوح: ما ذكره فرعون عن موسى عليه السلام

قال ربنا تعالى عنه: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26].

.

2/ تغيير مذموم.

وهو التغيير إلى الأسوأ، ومن ذلك:

تغيير الشكر بالكفر

قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]. أي: إن الله لا يغير ما بقوم من حال طيبة إلى حال غيرها لا تسرهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من حال الشكر.

وهذا ما ذكر الله في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ [إبراهيم ٢٨]. والمعنى: ألم تنظر أيها المخاطب -والمراد العموم- إلى حال المكذبين من كفار قريش، الذين اختاروا الكفر بالله بدلاً عن شكره على نعمة الأمن بالحرم وبعثة النبي محمد ﷺ فيهم؟

وهؤلاء حالهم كحال أهل سبأ الذين قال الله فيهم: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: 15 – 17].

فكل تغيير إلى ما يرضي الله فهو تغيير ممدوح.

تغيير المبادئ التي ينبغي الثبات عليها

قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23].

والمعنى: من المؤمنين رجال صدقوا الله، فوفوا بما عاهدوه عليه من الثبات والصبر على الجهاد في سبيل الله، فمنهم من مات أو قتل في سبيل الله، ومنهم من ينتظر الشهادة في سبيله، وما غيّر هؤلاء المؤمنون ما عاهدوا الله عليه مثل ما فعله المنافقون بعهودهم.

وقد دخل أبو مسعود على حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال له: اعهد إلي. فقال: “اعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكره، وأن تنكر ما كنت تعرفه، وإياك والتلون فإن دين الله واحد” رواه البيهقي.

ومن التغيير المذموم

ما ذم الله تعالى به موسى قومه في قول ربنا: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: 61].

ومن التغيير المذموم تغيير خلق الله

وهذه دعوة الشيطان الرجيم: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119]، والمراد تغيير الفطرة وهيئة ما عليه الخلق.

وفي سنن ابن ماجه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ”.

فكل تغيير إلى ما حرم الله فهو مذموم.

.

ثلاث صفات لجيل التغيير.

وما أكثر الصفات التي يجب أن يتلبس بها كل من يرجو أن يسهم في تغيير واقع بلاده إلى الأفضل، وأن يكون له دور في نهضتها.

وحديثي اليوم عن صفاتٍ ثلاثة تتعلق بالأخلاق، لابد أن يتحلى بها كلُّ مسلم، وكل من أراد أن يكون من جيل التغيير:

1/ ألا تكون إمَّعةً.

كيف يسهم في نهضة بلاده نهضة معنوية وحسية من سلَّم عقله ونفسه لطائفة أو فئة أو كيان، فلا يرى إلا بمنظورهم، ولا يقوى على مخالفتهم، ويتابعهم على باطلهم!!

إن الانقياد المطلق لا يكون إلا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].

فدلت الآية على أن طاعة الله ورسوله تكون طاعةً مطلقة، ولا يطاع غيرهما في معصيةٍ.

ثبت في الصحيحين، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».

وفي مسند أحمد، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

نبيان كريمان يذمان إمَّعات قومهما

الأول: موسى عليه السلام.

قال ربنا: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 138 – 139].

تجهلون عظمة الله، ثم قال: إن هؤلاء المقيمين على هذه الأصنام مُهْلَك ما هم فيه من الشرك، ومدمَّر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الأصنام.

والثاني: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» رواه الترمذي.

وفي الصحيحين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»

وقد نهى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الخصلة القبيحة؛ أن يجعل المسلم من نفسه تابعاً لغيره في الخير والشر!!

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا” رواه الترمذي.

والإمَّعة متشبه بالمنافقين.

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 14 – 16].

وهذه الصفة من صفات أهل الجاهلية

قال دُريد بن الصّمَّة:

وما أنا إلا من غَزِيَّة إِنْ غَوَتْ… غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ!!

هذا حال أهل الجاهية، أما حال العقلاء فيكفي أن نأخذ لبيانه نموذجاً من سيرة الصديق رضي الله عنه:

أبى أن يتابع قومه في باطل، اجتمعوا جميعاً عند بابه، فأبى متابعتهم، وأعلن كمال تصديقه لمن خالفوه! في الخصائص الكبرى (1/ 257) للسيوطي “لَمَّا سمع الْمُشْركُونَ قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج أَتَوا أَبَا بكر فَقَالُوا يَا أَبَا بكر هَل لَك فِي صَاحبك يخبر انه أَتَى فِي ليلته هَذِه مسيرَة شهر ثمَّ رَجَعَ فِي ليلته فَقَالَ أَبُو بكر إِن كَانَ قَالَه فقد صدق وَإِنَّا لنصدقه فِيمَا هُوَ أبعد من هَذَا نصدقه على خبر السَّمَاء”.

من الصفات التي لابد أن يتحلى بها جيل التغيير –وهي تتعلق بالصفة الأولى-:

2/ قبول الحق ولو جاء من بعيد بغيض.

قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 28].

فأنكر ما قالوه من الباطل، وأقر الحق الذي نطقوا به، لم يعقب ربنا على قولهم: ﴿وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا﴾؛ لأن هذا حق، فقبل قول المشركين لما تكلموا بالحق.

وقال سبحانه عن ملكة سبأ: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 34].

فصدَّق الله قولها بقوله: ﴿وكذلك يفعلون﴾.

وفي صحيح البخاري ، في قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان، قال أبو هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «مَا هِيَ»؟ قال: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ – وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ – فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ».

وعند النسائي وفي المعجم الكبير للطبراني أُبَيِّ بْن كَعْبٍ رضي الله عنه كَانَ لَهُ جُرْنٌ مِنْ تَمْرٍ، فَكَانَ يَنْقُصُ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ شِبْهِ الْغُلَامِ الْمُحْتَلِمِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ، جِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: لَا بَلْ جِنِّيٌّ. قَالَ: فَنَاوِلْنِي يَدَكَ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَإِذَا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ، وَشَعْرُهُ شَعْرُ كَلْبٍ، قَالَ: هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّ مَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَشَدُّ مِنِّي، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، فَجِئْنَا نُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ. قَالَ: فَمَا يُنْجِينَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255] مَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُمْسِيَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «صَدَقَ الْخَبِيثُ».

ومن صفات جيل التغيير

3/ الغضب لله.

لا تغضب لنفسك، لكن: اغضب لربك، الذي لا يغضب لدين الله كيف يغير حال الناس وينصر دينه!؟ في صحيح البخاري، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: “مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ”.

والسنةُ مليئةٌ بنماذجِ الغضب لله، من هذه المواقف:

1/ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمْ الصَّوْتَ مِنْ الْغَضَبِ. فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ». قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ الله أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ». فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه مسلم.

2/ وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد -حب رسول الله صلى الله عليه وسلم-؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتشفع في حد من حدود الله»؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها» متفق عليه.

الخطبة الثانية:

إياك أيها المسلم أن تغتر بقول قحت بعد كل طامة يقومون بها: إننا نقصد محاربة التمكين، فالعاقل يفرق بين محاربة التمكين ومحاربة الدين!

ما علاقة التمكين بمقرر القرآن في الروضة؟ القراي يعلن أن طلاب الروضة سيحفظون أناشيد الثورة، لكن لن يكون في المقرر أي نصيب من القرآن الكريم!

هذه محاربة للكيزان أم محاربة لدين الله؟!

كلنا نريد أن يفك تمكين الكيزان الذي صنعوه لأنفسهم، لكن هل يرضى عاقل أن نستبدل تمكيناً بتمكينٍ!!؟ من تمكين الكيزان إلى تمكين القَحْتان!!

هناك إذاعة القرآن اف ام 105 تبث القرآن الكريم، لكن إذاعة القرآن الكريم اف ام 102 لماذا أسكتوا صوت القرآن فيها!! ما علاقة القرآن بمحاربة الكيزان!! لو سلمنا أنهم يحق لهم أن يضعوا يدهم على جمعية القرآن، أما كان بالإمكان أن يحدث ذلك بدون أن يسكتوا صوت القرآن؟!

لو فرضنا أنَّ في البلاد عشرة إذاعات تبث القرآن وأسكتت الحكومة واحدةً فإن من حقنا أن نتساءل: لم أسكتم صوت القرآن.

عدم بث خطبة الجمعة في التلفزيون القومي وعدم رفع الأذان، محاربة للدين أم محاربة للكيزان!!؟

ما تزايدوا علينا بمحاربة الكيزان، ووالله أتحدى أن يوجد أحد تكلم فيهم وفي أخطائهم وفسادهم كما تكلمت من على هذا المنبر.

ووالله لو عاد الكيزان إلى الحكم فلن أسكت عن الكلام عن باطلهم وفسادهم مرة أخرى، ولن أرضى بذلك، فلا يلبس عليكم أيها المسلمون، الأمر لا يتعلق بمحاربة الكيزان، والله إن القوم يستهدفون دين الله!!

وهذه شبهة أختم بهما

وهي قولُ بعض الناس في هذه الأيام: للإسلام ربٌّ يحميه! يقولونها لكل من يتكلم عن باطل قحت وينتقدها!!

وهذه كلمة حق أريد بها باطل!

للإسلام رب يحميه لكن ماذا قدمت له؟

الرب الذي يحمي الإسلام هو الرب الذي فرض علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!

فنحن نسأل من يردد كالببغاء هذه المقالة: للإسلام رب يحميه.

نقول: نسلم بذلك، وسؤالنا: هل يجب علينا أن نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا؟!

إما أن يقول لا، ويرد عليه بالنصوص التي أمرت بذلك، وإما أن يقول يجب، فنقول له: إذا لا خلاف بيننا، فجميعنا يعتقد أن الإسلام محفوظ لكن يجب علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.

رب صل وسلم على نبينا محمد.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *