تعقيب على فُتيا الجفري
بسم الله الرحمن الرحيم
تعقيب على فُتيا الجفري
مهران ماهر عثمان
الحمد لله، وأصلي وأسلم على خير خلق الله، أما بعد؛
فقد أرسل لي أحد الإخوة مقالاً للشيخ/ الحبيب على الجفري، تناول فيه مسألة مشروعية تهنئة النصارى بعيد ميلاد عيسى عليه السلام، وهذا تعقيب على بعض ما في فُتيا الشيخ.
أولاً:
قال ابن القيم رحمه الله: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه. فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء؛ تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه” [أحكام أهل الذمة (1/441)].
ثانياً:
الأعياد من الدين، فما من دين إلا وهو مشتمل على بعض الأعياد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيداً، وإنَّ عيدنا هذا اليوم – ليوم الأضحى- » أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين. ولا شكّ أن دين النصارى باطل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ [سورة آل عمران/19]، وقال: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا﴾ [آل عمران/85]، وقال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» أخرجه مسلم.
فدين النصارى باطل، والأعياد من الدين، ولا يجوز أن يُهَنَّأ أحدٌ بباطل، فكيف تسوغ تهنئة النصارى بعيدهم؟! فمرتكب المعصية يُنكر عليهى ولا يُهنَّأ بها كما يعلمه كل أحد.
ثالثاً:
قلت في رد سابق على فاضلٍ قرَّر هذه المسألة:
(جاء في المقال الذي نشر في الصفحة الثانية عشرة: “وتهنئتهم من البر الذي لم ينهنا الله عنه، بل يحبه، كما يحب الإقساط إليهم”. ثم ذكر الشيخ –وفقه الله – الآية: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [سورة الممتحنة/8].
وأقول:
الشيخ حفظه الله ينص على أنّ الله يحب تهنئتهم، والله يقول: ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ [البقرة/205]. وكل معصية فهي من الفساد. قال الطبري رحمه الله في تفسيرها: “والله لا يحب المعاصي” [جامع البيان (4/243)].
ومن أنواع المعاصي أن يُهنَّأَ عبد بمعصية أو إقامة شعائر الكفر.
وأسال هنا سؤالاً: أليس قد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان/72]؟ وقد نقل القرطبي المالكي عن ابن عباس وغيره أنّ الزور أعياد المشركين. فهل يتناقض القرآن الكريم؟ في آية يمدح الله عباده بعدم شهود أعياد المشركين، وفي أخرى يخبر بحبه لتهنئتهم؟ هذا لا يمكن. إذاً المراد بالبر الإحسان إليهم، ومن الإحسان زيارتهم، والترفق بهم، ودعوتهم إلى الإسلام؛ لتخليصهم من عذاب الله، وتعزيتهم بدون دعاء لميتهم بالمغفرة، والتصدق عليهم.. وغير ذلك كثير. وليس من البر أن نشهد أو نهنئ بعيدهم؛ لأنّ الذي أمر بالبر مدح على ترك ذلك وكلام الله لا يتعارض، وقد قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [النساء/82]).
رابعاً:
لا ينبغي الاستدلال بقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء/86]، على مشروعية تهنئتهم! ولا إخال أنَّ أحداً يخفى عليه معنى الآية: أنّ من سلّم علينا بتحية رددنا السلام عليه بمثله أو بأفضل منه.
وليس مراداً : أنّ النصراني إذا هنأ مسلماً بعيده فإنّ المسلم يهنئه، فالقرآن لا يُضرب بعضه ببعض.
خامساً:
فإن قال قائل: إن أهل الكتاب يهنئوننا بأعيادنا فكيف لا نهنئهم بأعيادهم؛ معاملة بالمثل ورداً للتحية وإظهاراً لسماحة الإسلام؟ّ!
فالجواب أن يقال: إن هنئونا بأعيادنا فلا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم لوجود الفارق؛ فأعيادنا حق من ديننا الحق، بخلاف أعيادهم الباطلة التي هي من دينهم الباطل، فإن هنئونا على الحق فلن نهنئهم على الباطل.
سادساً:
قياس الشيخ الجفري تهنئة النصارى بعيدهم على مشروعية صوم عاشوراء لا ينبغي الاعتداد به؛ لوجوه، منها:
1/ صوم عاشوراء اكتسب مشروعيته بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فأين مشروعية التهنئة بأعياد النصارى من السنة؟!
2/ صوم عاشوراء يرتبط بإنجاء الكليم عليه السلام من فرعون، وهذه نعمة تستوجب علينا شكرها، وأما تهنئة النصارى بأعياد الميلاد فهي ترتبط بعقيدة فاسدة؛ اتخاذ الله ولداً.
سابعاً:
قول الشيخ إن تهنئة النصارى ليس فيها إقرار لباطلهم أمر يُستغرب لمثله!
لأن التهنئة بارتكاب الشرك إذا لم تكن إقراراً فما إقرارٌ في الأرض أبدا! كيف يكون الإقرار إذا؟ هل لابد في الإقرار أن ينص عليه!؟
هذا أمر لا يخفى ما فيه من المغالطة.
ثامناً:
قول ربنا عن روحه وكلمته عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم/33]، معناه: والسلامة والأمان علي من الله يوم ولدت، ويوم أموت، ويوم أبعث حيا يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم، سئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: «ذاك يوم ولدت فيه».
فميلاد الأنبياء نعمة، والنعمة تشكر بالعمل الصالح، وليس بموافقة النصارى وإقرار كفرهم.
هذا ما رأيت أنه يستحق الذكر والرد عليه في كلام الشيخ.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
