مقالات

عشر وقفات مع وفاة وتشييع ملكة بريطانيا

بسم الله الرحمن الرحيم
عشر وقفات مع وفاة وتشييع ملكة بريطانيا

جمعة: 27 صفر 1444 الموافق: 22 سبتمبر 2022

   مهران ماهر عثمان- مسجد السلام بالطائف مربع (22)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».

دلَّ هذا الحديث على أن الأحداث التي كان يسمع بها النبي صلى الله عليه وسلم مما يقع حوله كان يعلِّق عليها ببيان حكم الله فيها.

ولدينا اليوم حدث، لي معه وقفات شرعية، وهو موت وتشييع ملكة بريطانيا.

أول وقفة([1]).

إن من العجائب أن يحزن مسلم لموت ملكة بريطانيا!! وأعجب من ذلك كله رثاء رئيس السلطة الفلسطينية عباس أبو مازن، حيث قال: لقد كرَّست حياتها في خدمة وطنها وشعبها منذ اعتلائها العرش لعقود طويلة قضتها في العطاء وعمل الخير وتأدية واجباتها الملكية تاركة إرثًا زاخرًا سيبقى محفورًا في أذهان وقلوب الأجيال.

وجرائم بريطانيا في حق شعوب العالم أكثر من أن تُحصر، فمنها:

إبادة الهنود الحمر واحتلال أرضهم، وإبادة سكان استراليا، وإبادة مسلمي الهند، واستعباد أفريقيا، وحرب الأفيون وقتل ملايين الصينيين، ومجاعة بنجلاديش، واتفاقية سايكس بيكو وتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات وظيفية تابعة، وتقسيم القارة الهندية وإيجاد مشكلة كشمير، وتسليم عدن للجبهة القومية اليسارية. وأي مشقة تلك التي نالها المسلمون من بريطانيا التي استعمرت ونهبت الكثير من بلدانهم، ومكنت اليهود من فلسطين والمسجد الأقصى بالدعم المتواصل لهم حتى توج ذلك بوعد بلفور الذي أعطاه وزير خارجيّة بريطانيا آرثر بلفور عام 1917م خلال الحرب العالمية الأولى إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني، وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لإعلان بذل بريطانيا غاية الجهد لدعم تأسيس ما يسمى بـ: وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، التي كانت تحوي أقليّة يهوديّة لا تكاد تذكر من إجماليّ السكان..

وقد حققت بريطانيا وعدها، واستمرت في دعم اليهود إلى يومنا هذا..

كما شنَّت بريطانيا الكثير من الحروب ضد المسلمين ضمن أحلاف دولية؛ كحروبها ضد الدولة العثمانية، والعدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956م، والمشاركة في غزو العراق وأفغانستان، وغيرها، مما جعل بريطانيا من أكثر الدول التي ولغت في دماء المسلمين، ولا نعلم دولة بلغت مبلغها في سفك الدماء إلا وريثتها: أمريكا، وما أمريكا إلا دولة تكونت من مجرمي بريطانيا أصلًا..

ولم تتوقف بريطانيا يومًا واحدًا عن إيذاء المسلمين بشتى أنواع الأذى والنهب والتدمير، وما زالت أصابعها الخفية إلى يومنا هذا تعبث باليمن والعراق والعديد من الدول العربية والإسلامية..

وبعد هذا كله نجد من يحزن على هلاك رأس هذه الدولة المجرمة!!

وقد يقول قائل: إنَّ ملكة بريطانيا ليست حاكمة فعلية؛ فرئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي؛ لأن ملكية بريطانيا ملكية دستورية وليست ملكية حقيقية، فما الداعي للفرح بمهلكها؟

والجواب: إن الملكة هي رمز لهذه الدولة العاتية، كما أن لها العديد من الصلاحيات التي تمارسها بنفسها أو بممثليها، منها:

إجراء الانتخابات العامة، والتدخل في أوقات الأزمة، وحل البرلمان واستدعاؤه للانعقاد -ووزراء الحكومة يستخدمون هذه الصلاحيات عنها عند الحاجة-، والتصديق والتوقيع على مشروعات القوانين التي يصدرها البرلمان، ولها الحق في رفض المصادقة على القوانين، وتعيين وإقالة الوزراء، وإعلان الحرب، ومنح العفو الملكي، كما أن الملكة -أو الملك حاليًّا- مستثناة من المقاضاة بموجب القانون البريطاني، فهي فوق القانون، ولا يمكن مقاضاتها أبدًا، كما لا يمكن محاسبتها في القضايا المدنية، ولا تحتاج الملكة إلى جواز سفر أو رخصة قيادة سيارة، رغم أن كل ذلك يصدر باسمها حتى لأفراد أسرتها [بي بي سي نيوز، وقناة الجزيرة].

الوقفة الثانية: الفرح بموت الكافر

قال تعالى: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 45].

قال البغوي رحمه الله: “وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمُ اسْتُؤْصِلُوا بِالْعَذَابِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ، ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، حَمِدَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ قَطَعَ دَابِرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ عَلَى الرُّسُلِ، فَذَكَرَ الْحَمْدَ لِلَّهِ تَعْلِيمًا لَهُمْ وَلِمَنْ آمَنَ بِهِمْ، أَنْ يَحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى كِفَايَتِهِ شَرَّ الظَّالِمِينَ، وَلِيَحْمَدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَبَّهُمْ إِذَا أَهْلَكَ الْمُكَذِّبِينَ” [معالم التنزيل: 3/ 144].

وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: 94 – 97].

قال ابن كثير رحمه الله: “﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾، أَيْ: بِالنَّاسِ حَيْثُ جَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَائِلًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَيْثِ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ” [تفسير ابن كثير 5/ 199].

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ» متفق عليه.

قال النووي رحمه الله: “وَأَمَّا اسْتِرَاحَةُ العباد مِنَ الْفَاجِرِ مَعْنَاهُ: انْدِفَاعُ أَذَاهُ عَنْهُمْ، وَأَذَاهُ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا: ظُلْمُهُ لَهُمْ، وَمِنْهَا ارْتِكَابُهُ لِلْمُنْكَرَاتِ، فَإِنْ أَنْكَرُوهَا قَاسَوْا مَشَقَّةً مِنْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا نَالَهُمْ ضَرَرُهُ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ أَثِمُوا، وَاسْتِرَاحَةُ الدَّوَابِّ مِنْهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يؤذيها ويضربها وَيُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَيُجِيعُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ وَالشَّجَرِ فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُمْنَعُ الْقَطْرَ بِمُصِيبَتِهِ” [شرح النووي على مسلم 7/ 20- 21].

الوقفة الثالثة: الثناء بالخير والشر على الصالح والفاجر بعد موتهما سنة تقريرية

وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ: «وَجَبَتْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» رواه الشيخان.

قال النووي: “فإن قيل: كيف مُكِّنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟ فالجواب: أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم” [شرح مسلم 7/ 20].

الوقفة الرابعة: إشكال وجوابه

أليس قد قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة كافر؟ فكيف لا نحزن لوفاتها؟!!

هذا الذي يستدل بما روى على ذلك الذي يرى كمن يستدل بإباحة الخمر بقول الله: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [سبأ: 15]!!

القيام للجنازة شيء، والفرح بموت الكافر والفاجر شيء آخر.

واستحباب القيام للجنازة مستحب عن الشافعية، وهذه رواية عند الحنابلة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّتْ به جِنازة، فقام؛ فقيل: إنَّه يهوديٌّ، فقال: «ألَيْسَتْ نَفْسًا». وهذا لا ينافي الفرح بموتهم وإعلان ذلك.

الوقفة الخامسة: الولاء والبراء مما جاء به ديننا

قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [الممتحنة: 4].

﴿ بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾، أين الذين يقولون: نتبرأ من الفعل وليس من الفاعل!؟

والبغضاء في القلب، والعداوة في العمل.

وليس معنى هذه العداوة أن نظلمهم! قال ربنا: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8، 9].

فالعداوة أن تفعل ما أمرت به حيالهم، ومن ذلك: ألا تبدأ واحداً منهم بالسلام، ولا تشارك في أعيادهم، ولا تستغفر لهم.

وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّ عُرَى الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ؟» قَالُوا: الصَّلَاةُ. قَالَ: «حَسَنَةٌ، وَمَا هِيَ بِهَا؟» قَالُوا: الزَّكَاةُ. قَالَ: «حَسَنَةٌ، وَمَا هِيَ بِهَا؟» قَالُوا: صِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ: «حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ؟» قَالُوا: الْحَجُّ. قَالَ: «حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ؟» قَالُوا: الْجِهَادُ. قَالَ: «حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ؟» قَالَ: «إِنَّ ‌أَوْثَقَ ‌عُرَى ‌الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ». رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (3030).

ولا يصح إيمان العبد إلا بالبراءة من الشرك وأهله.

الوقفة السادسة: أين أنتم يا بني عَلمان؟!

لماذا سكت من كان يقول إطعام جائع خير من بناء ألف جامع! لماذا أُخرس من كان يقول: الطواف ببيوت الفقراء أفضل من الطواف بالكعبة!

في موقع Full Fact تعليق على خبر: أنَّ تكلفة جنازة الملكة 8 مليون جنيه إسترليني: لم نتمكن من العثور على دليل يدعم هذا، لكن الجنازات الملكية كلَّفت هذا المبلغ تقريباً([2]).

لماذا لا نسمع: إطعام الفقراء خير إنفاق المال على تشييع الوجهاء!؟

لماذا لا نسمع: الإحسان إلى الفقيرات خير مما ينفق على تشييع الملكات!!؟

الوقفة السابعة: من مات ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم غهو خالد مخلد في نار جهنم

لسنا من حكم عليه بذلك، حكم عليه بذلك خالق الجنة والنار سبحانه.

روى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

وقال القاضي عياض رحمه الله: “الْإِجْمَاع عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ” [الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 281].

الوقفة الثامنة: لا يجوز تشييع جنازة الكافر

وهذا قول المالكية والحنابلة، ومنهم من أجاز تشييع جنازة الكافر القريب، وهذا قول الشافعي، رحمهم الله جميعاً.

ولم يشيع النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب الذي كان يمنع عنه أذى قومه، وهو الذي قال:

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية ديناً

لولا الملاكة أو حذار مسبة

لوجدتَّني سمحا بذاك مبيناً

فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ قَدْ مَاتَ. قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ، ثُمَّ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي». قَالَ: فَوَارَيْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ، ثُمَّ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي». قَالَ: فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ، قَالَ: فَدَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمْرَ النَّعَمِ وَسُودَهَا. رواه أحمد، وصححه الألباني في أحكام الجنائز.

آخر وقفة: ليس الشأن كيف تودَّع في الدنيا وإنما كيف تُستقبل في السماء!

قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: 35]؟ أي: أفنجعل الخاضعين لله بالطاعة كالكافرين؟ ما لكم كيف حكمتم هذا الحكم الجائر الأعوج؟!

وقال: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28].

وقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 19 – 22].

قال البغوي رحمه الله: “الأعمى والبصير: المشرك والمؤمن” [معالم التنزيل 6/ 418].

رب صل وسلم على نبينا محمد.

 

 

 

[1] / هذه الوقفة من مقال الدكتور: عبد الله الأهدل وفقه الله، الذي نشر بعنوان: إليزابيث ملكة لدولة عاتية.

[2] / https://fullfact.org/economy/queen-funeral-costs/

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *