
بنو قريظة وتعليق على تحرير سعر الوقود
بسم الله الرحمن الرحيم
بنو قريظة وتعليق على تحرير سعر الوقود
جمعة غرة ي القعدة 1442هـ| 11/ 6/ 2021
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فهذا اليوم هو أول يوم في شهر ذي القعدة للعام 1442هـ.
وحديثي في الخطبة الأولى عن غزوة نبوية وقعت في هذا الشهر الحرام، والأشهر الحرم أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.
الغزوة مشتملة على كثير من الدروس التي نحتاج إلى التذكير بها في مثل هذه الأيام.
غزوة بني قريظة وقعت في شهر ذي القعدة، في العام الخامس من الهجرة النبوية.
أنعم الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن رد الأحزاب الذين اجتمعوا لاستئصال دين الإسلام والقضاء على أهله، ردهم الله خائبين مهزومين، قال تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].
وغزوة الأحزاب هذه سيكون لنا معها وقفات بمشيئة الله تعالى.
رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فنزل عليه جبريل عليه السلام وقال له: “أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة”.
فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن في الناس: «من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة»، والحديث مخرج في الصحيحين، فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ، قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
استعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية علي بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذ دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما اشتد الحصار عليهم عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال:
1/ إما أن يسلموا، ويدخلوا مع محمد صلّى الله عليه وسلم في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم- وقد قال لهم: والله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم-.
2/ وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3/ وإما أن يهجموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم السبت لأنهم قد أمنوا أن يحاربوهم فيه.
ولما لم يجبه واحد منهم إلى ما قال، قال لهم كلمته المشهورة: “ما بات رجل منكم منذ ولدته أمة ليلة واحدة من الدهر حازما”.
لم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم بأبي لبابة لاستشارته، فبعث به إليهم. فلما رأوه قام إليه الرجال، وبكى النساء والصبيان فرق لهم، وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم! وأشار بيده إلى حلقه، يقول إنه الذبح، ثم علم من فوره أنه خان الله ورسوله فمضى على وجهه، ولم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى المسجد النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف أن لا يفك هذا الرباط إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبدا. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره – وكان قد استبطأه- قال: «أما أنه لو جاءني لا ستغفرت له، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه».
وبرغم ما أشار به أبو لبابة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فشفع فيهم الأوس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم»؟ قالوا: بلى، قال: «فذاك إلى سعد بن معاذ». قالوا: قد رضينا.
وكان سعد قد أصيب في الأحزاب في يده، ودعا قائلاً: “اللهم لا تمتني حتى تقرَّ عيني من بني قريظة”.
فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: «قوموا إلى سيدكم»، فلما أنزلوه قالوا: يا سعد، إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك. قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قالوا: نعم. قال: وعلى المسلمين؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من ههنا؟ – وأعرض بوجهه، وأشار إلى ناحية رسول الله صلّى الله عليه وسلم إجلالا له وتعظيما- قال: «نعم وعليّ». قال: فإني أحكم فيهم أن يُقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات».
أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحبس بني قريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالا أرسالا، وتضرب في تلك الخنادق أعناقهم. فقال من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد: ما تراه يصنع بنا؟ فقال: أفي كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزِع؟ والذاهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل.
وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، كان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان؛ وفاء لكعب بن أسَد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب، فلما أتي به، وعليه حلة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا ينتفع بها أحد، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يغالب الله يغلب!
من دروس بني قريظة
أن اليهود نقضة العهدو على مر الأزمان والعصور، قال ربنا: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13]. أي: فبسبب نقضهم العهد المأخوذ عليهم طردناهم من رحمتنا، وصيرنا قلوبهم غليظة صلبة لا يصل إليها خير، ولا تنفعها موعظة، يُحَرِّفُونَ الكلم عن مواضعه بالتبديل لألفاظه، وبالتأويل لمعانيه بما يوافق أهواءهم، وتركوا العمل ببعض ما ذُكِّرُوا به، ولا تزال -أيها الرسول- تكتشف منهم خيانة لله ولعباده المؤمنين، إلا قليلًا منهم وَفَّوْا بما أخذ عليهم من عهد، فاعفُ عنهم ولا تؤاخذهم، واصفح عنهم؛ فإن ذلك من الإحسان، والله يحب المحسنين.
ومن الدروس: ألا يعنف أحد على صاحبه فيما يسوغ الخلاف فيه.
ومنها: أن عدم الاستجابة إلى العقلاء يفضي إلى الندامة في وقت لا ينفع ندم فيه.
ومنها: رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمذنبين.
ومنها: توبة الله على عباده، فقد نزلت توبته على أبي لبابة.
ومنها أن السنة وحي؛ فإن جبرائيل عليه السلام نزل بها وليس في القرآن ذلك، فالسنة وحي من الله.
ومنها فضل علي وسعد رضي الله عنهما.
ومنها: أن قدر الله نافذ؛ فإن القوم بلغهم تحذير أبي لبابة ولكنهم لم يمتنعوا عن النزول على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفذ قدر الله.
وأعظم دروسها: أن من يغالب الله يغلب.
الخطبة الثانية
أعلن قبل أيام عن التحرير التام لسعر الوقود!
وهذا سيحيل حياة كثير من الناس إلى جحيم لا يطاق، وإن كانت من وصية تتعلق بهذا القرار، فالتأكيد على التواصي على إسقاط هذه الحكومة، والدعوة إلى التعجيل بانتخابات، ولابد من اتخاذ كل التدابير التي تضمن أن تكون نزيهة، والتأكيد على أهمية أن يتولى الكفاءات أمر إدارة البلاد إلى قيام الانتخابات.
ولتحقيق هذه المطالب فلابد من الضغط على هذه الحكومة الفاشلة بكل المقاييس – وهؤلاء والله أفشل من خلق الله- بكل وسيلة سلمية.
لكن ليس من هذه الوسائل إغلاق الشوارع، فهذا يترتب عليه ضرر كبير على الناس، وربما كان سبباً في موت بعض المرضى! والضرر يزال في شريعة الإسلام، «لا ضرر ولا ضرار».
وقد اعتادت هذه الحكومة من الناس أن يغضبون بعد كل قرار يوماً أو يومين ثم تعود الحياة إلى طبيعتها، لذلك لا يرعوون! فلابد أن يتواصى الناس بذلك وأن يكونوا يدا واحدة لتحقيق مصلحة هذه البلاد.
فهؤلاء والله إنما جاؤوا لهدم الدين والدنيا.
ربِّ صل وسلم على نبينا محمد

