
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته
مهران ماهر هثمان
.
.
الحمد لله، وأصلِّي وأسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مزيداً، أما بعد؛
فهذا بيانٌ لجانب من الأخلاق العالية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وهو جانب يتعلق بمعاملته لبناته رضي الله عنهن وأرضاهن، أسأل الله أن يسلك بنا سبيل نبينا صلى الله عليه وسلم.
.
.
عنايته صلى الله عليه وسلم بتربيتهنَّ
فقد أمره ربه تعالى بأمرهن بالحجاب، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ الله غَفُوراً رَحِيماً﴾ [الأحزاب/ 59].
وتأمل في أثر تربيته لهن على ما فرض الله عليهن من الستر والحجاب؛ في السنن الكبرى للبيهقي، أن ابنته فاطمة رضي الله عنها قالت لأسماء: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفُها. فقالت أسماء: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائدَ رطبةٍ فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا. فقالت فاطمة رضى الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله! يعرف به الرجل من المرأة، فإذا أنا مت فاغسلينى أنت وعلي، ولا تدخلي عليَّ أحداً.
فهذا ما أوصت أن يُصنع بها بعد موتها، فكيف بتسترها حال حياتها؟!
وأمره الله تعالى أن يأمر بناته بالصلاة فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه/132].
فكان يأمرهن بالفرض وبما دونه، ففي مسند أحمد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة رضي الله عنها من الليل فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هويا من الليل فلم يسمع لنا حسا، فرجع إلينا فأيقظنا وقال قوما فصليا”.
وثبت في صحيح الأدب المفرد، أنه صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها: «يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك من الله شيئا».
.
.
ترحيبه صلى الله عليه وسلم ببناته
تقول عائشة رضي الله عنها: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا مِنْ فَاطِمَةَ، كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ، فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا” رواه أبو داود.
أرسلت إليه ابنته أن يأتيها فذهب إليها!
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا: أَنَّ لله مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ». فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا الله فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ الله مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».
.
.
دعاؤه لبناته
عن عمران بن حصين قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم مُشْبِعَ الْجَوْعَةِ، وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ، وَرَافِعَ الْوَضْعَةِ، لَا تُجِعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ» رواه الطبراني في الأوسط.
.
.
وكان صلى الله عليه وسلم شفوقاً عطوفاً عليهنَّ
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَ»، فَقَالُوا: نَعَمْ ، وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: «كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ (موضع على مشارف مكة) حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ، فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا». رواه أبو داود.
قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله:
“رقَّ لها: أي: لزينب، يعني: لغربتها، ووحدتها، وتذكر عهد خديجة، وصحبتها، فإن القلادة كانت لها، وفي عنقها [عون المعبود 7/254].
.
.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يبخل عليهن بشيء من ماله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾، قال: «يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد! سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» رواه البخاري ومسلم.
فهذا يبين اهتمامه بدعوة بناته إلى الخير، وعدم بخله عليهن.
.
.
وكان يحول بينهن وبين ما يعكر عليهن صفو حياتهن
عن الْمِسْوَر بْنَ مَخْرَمَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، وَإِنَّهَا وَالله لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ الله وَبِنْتُ عَدُوِّ الله عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا» فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ. رواه البخاري ومسلم.
ولئلا يتحذ أحد هذا الحديث وسيلة للطعن فيما شرع الله في زمن أخذ كثيرون يطعنون في هذا التشريع وليسوا على علم بهذا الحديث أقول:
هذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يتزوج أصهاره على بناته؛ لأن ذلك يؤذيهن، ويؤذيه، وأذيته أذية لله تعالى.
قال ابن حجر رحمه الله: “والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يُعدَّ في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته، ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بفاطمة رضي الله عنها” [فتح الباري 9/329].
ولا يقاس أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا.
.
.
وربما خصهن بشيء من أسراره دون نسائه
ففي الصحيحين، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي»، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ»، فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ»، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.
.
.
اهتمامه بمن تمرض منهن
لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج لبدر أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى مع زوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت مريضة. فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ – أي : عثمان بن عفان رضي الله عنه- عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهي: رقية، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» رواه البخاري.
.
.
تزويجه صلى الله عليه وسلم لبناته
من عظيم عنايته وتربيته صلى الله عليه وسلم لبناته أنه سارع بتزويجهن؛ فزوَّج زينبَ رضي الله عنها من أبي العاص بن الربِيع القرشي رضي الله عنه، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد.
وزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم رقيةَ من عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما توفيت رقيةُ رضي الله عنها زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم رضي الله عنها.
وزوَّج فاطمةَ رضي الله عنها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
.
.
عدم مغالاته في مهور بناته
في سنن أبى داود، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا شَيْئًا». قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ:« أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ»؟
الدرع التي كان يتقي بها السهام جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مهراً لسيدة نساء العالمين! فأين أولياء أمور النساء من ذلك؟
ثبت عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها» رواه أحمد.
.
.
حكمته صلى الله عليه وسلم في حل مشاكل بناته الزوجية
في صحيح البخاري، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ»؟ قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ»؟ فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ».
فانظر ما في هذه القصة من الفوائد:
1/ لم يقحم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في خلاف ابنته مع زوجها.
2/ لم يسألها عن سبب هذه المغاضبة.
3/ لما علم أن عليا في المسجد لم يرسل إليه ليأتيه، بل ذهب غليه بنفسه.
4/ مازحه بمناداته بكنية أبي تراب؛ وهذا لتطييب خاطره، وتلطيف جو الخصومة الذي كان سائداً.
وفي قوله لها: «أين ابن عمك»؟ تذكير لها بأن لزوجها عليها حقَّ الزوج، وحقَّ الرحم، فابن عمِّ الوالد ابن عمٍّ للولد.
نموذج آخر:
عن ابن عباس رضي الله عنها قال: رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاصي بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحاً. رواه الترمذي.
لقد هاجرت إليه زينب رضي الله عنها، وأبى زوجها أبو العاص أن يدخل في دين الإسلام، وأبو العاص هذا حاربه في بدر، وأُسر، وشفع له النبي صلى الله عليه وسلم فأطلق بدون مقابل، ومع ذلك لم يسلم، فجاءت إليه ابنته مهاجرة، ولم يسع للتفريق بينها وبين أبي العاص بتزويجها من غيره، علم بحب ابنته لزوجها الذي أرسلت بقلادة أمها في فكاكه، فلم يسع لتزويجها من غيره؛ طمعا في إسلامه، وهذا ما كان، أسلم أبو العاص، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم شمل هذه الأسرة الكريمة.
فأين بعض الآباء من ذلك؟
بعض الآباء إذا جاءت إليه ابنته مغاضبة زوجها لم يمكنها من الرجوع إليه؟
والواجب على الأب لو حصل طلاق بين الزوجين وغادرت ابنته بيتها أن يأمرها بالرجوع؛ لأن الله أمرها أن تعتد في بيت زوجها، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا الله رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق/1].
وبعضهم لو رد الزوج إليه زوجته وقال لها: أنت مرجوعة لم يمكنها من الرجوع لزوجها؛ لأنه طلقها!
وربنا يقول: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة/228]، فلا يملك الوالد شرعاً أن يمنعها إذا ردها زوجها.
بل لو انتهت عدتها وأحب الزوجان إعادة المياه إلى مجاريها، ما كان لأبيها أن يمنعها، بل يجب أن يعقد لهما ما دام أنه لم يبت طلاقها.
قال ربنا سبحانه: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة/232].
في البخاري قال مَعْقِل بن يسار رضي الله عنه في هذه الآية: لقد نزلت فيَّ، زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وفرشْتُك وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: ﴿فلا تعضلوهن﴾، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، فزوجتها إياه.
ومعنى فرشتك: جعلتها لك فراشاً وزوجةً.
.
.
الرفق في توجيههن وإرشادهن
كَانَ الصحابة قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ بِهَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فقلن أزواجه لأم سلمة: كَلِّمِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ. فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا. فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ. فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا. فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا. فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ. فَدَارَ إِلَيْهَا، فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ؛ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ». فَقَالَتْ: أَتُوبُ إِلَى الله مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ الله. ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بنته رضي الله عنها لتكلمه فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّةُ، أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ»؟ قَالَتْ: بَلَى. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ، فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ. فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأَتَتْهُ، فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ الله الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا، حَتَّى إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ، فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: «إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ» رواه البخاري ومسلم.
.
.
الإحسان إلى ولدها
بعض الآباء يقسو على ولد ولده، وهذا له أثر نفسي سيء على والدي الطفل، فالوالد تسوؤه الإساءة إلى ولده أكثر مما يساء بها.
فانظر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل أسباطه (أولاد بناته)..
قال أبو قتادة رضي الله عنه: بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع -وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهي صبية، يحملها على عاتقه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها. رواه البخاري وأبو داود.
يدخل أبو أيوب الأنصاري على النبي صلى الله عليه وسلم، ليجد الحسن والحسين يلعبان على صدره ، فيتوجه إليه بهذا السؤال: يا رسول الله أتحبهما؟ فيجيب النبي صلى الله عليه وسلم: «وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أَشُمُّهُمَا» رواه الطبراني.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا. رواه أبو داود. وفي رواية النسائي “كبشين كبشين”. وهذه أصح كما قال الألباني رحمه الله.
في مسند أحمد ومسند الطيالسي، عن عليٍّ رضي الله عنه قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي رواية الطيالسي قال: بات عندنا) وأنا نائم على المنامة، فاستسقى الحسين، قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة لنا بكر فحلبها، فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت فاطمة: يا رسول الله كأنه أحبُّهما إليك؟ قال: «لا، ولكنه استسقى قبله». ثم قال: «إني، وإياك، وهذين، وهذا الراقد، في مكان واحد يوم القيامة».
وسبق ذكر بكائه في مرض ابن زينب رضي الله عنها.
.
..
.
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم محسنا لهن في حياتهن وبعد موتهن
لما ماتت زينب رضي الله عنها وجَّه من يغسلنها إلى كيفية غسلها، وجعل ثوبه كفناً لها، فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتِ زينب، فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي»، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ – أي : إزاره- فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» رواه البخاري ومسلم.
وقوله: «أشعرنها إياه»: اجعلنه مما يلي بشرتها.
ولما دفنت أم كلثوم رضي الله عنها بكى عليها عند قبرها.
ففي صحيح البخاري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدنا بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان.
.
.
ومع هذه المحبة لهنّ ما كان يحابي واحدة منهن، أو يعطيهن ما ليس لهنَّ
وكلنا يعلم أَنَّ قُرَيْشًا لما أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ وشفع فيها أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته الخالدة: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله»؟ ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رواه الشيخان.
وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: اشتكت فَاطِمَة مَا تَلْقَى مِنْ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَنْ تُكَبِّرَا الله أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».
رب صل وسلم على نبينا محمد، والحمد لله في البدء والختام.
المقال pdf
