هل أخرج زكاتي لدعم مشروع كيس الصائم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أخرج زكاتي لدعم مشروع كيس الصائم؟
مهران ماهر عثمان
1/ 03/ 2022م
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فهذه المسألة فرع عن مسألة: إخراج القيمة في الزكاة، وقد جمعتُ أقوال أهل العلم رحمهم الله فيها بهذا المقال، وعرضته قبل نشره على مجموعة من العلماء الثقات، وضمَّنتُ إفاداتهم التي تفضلوا بها جزاهم الله خيراً، فأقول مستعيناً بالله:
.
ما تُعرف به هذه المسالة عند الفقهاء
• إخراج القيمة في الزكاة
• إخراج الزكاة من غير جنس المال الـمُزكَّى.
.
أقوال العلماء في المسألة
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز مطلقاً، وهذا قول الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله.
القول الثاني: يجوز مطلقاً، وهذا قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
القول الثالث: يجوز للحاجة أو المصلحة الراجحة، وهو قول الإمام أحمد رحمه الله (في غير زكاة الفطر)( )، وذهب إليه ابن تيمية، وممن قال بذلك: ابن باز وابن عثيمين، رحم الله الجميع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقرَّ النص، ومنهم من جعلها على روايتين” [مجموع الفتاوى 25/ 82].
.
سبب الخلاف في المسألة
بعض الفقهاء غلَّب معنى العبادة والقربة في الزكاة، فقالوا: تخرج الزكاة من جنس المال المزكى. وقال آخرون: هي حق مالي للفُقراء، المقصود منه سدُّ حاجتهم، وهؤلاء قالوا بجواز إخراج القيمة.
.
دليلان مُعاذيَّان ضعيفان احتجَّ بهما أصحاب القول الأول والثاني!
احتج المانعون، أصحاب القول الأول بهذا الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر».
والحديث ضعَّفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، برقم (1599).
واستدل الأحناف بقول معاذ رضي الله عنه: «ائتوني بخميس أو لبيس آخذه مكان الصدقة؛ فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة» رواه البيهقي والبخاري تعليقاً.
والخميس: ثوب طوله خمسة أذرع، وهو بالسين وليس بالصاد. واللبيس: الملبوس، وهو ما يلبس من الثياب والدروع [عمدة القاري 9/ 4].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وَهُوَ إِلَى طَاوس إِسْنَاد صَحِيح، لكنه لم يسمع من معَاذ فَهُوَ مُنْقَطع” [تغليق التعليق 3/ 13].
.
الترجيح
مما يرجِّح ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله: وجوب الزكاة في مال الصبي ولو كان يتيماً، وصحة النيابة في دفعها.
قال ابنُ تيميَّة رحمه الله: “يجوزُ إخراجُ القِيمة في الزَّكاةِ؛ لعدم العُدولِ عن الحاجَةِ والمصلحة، مثل أن يبيعَ ثَمَرةَ بستانِه أو زرعِه، فهنا إخراجُ عُشرِ الدِّراهم يُجزِئُه ولا يُكلَّف أن يشتريَ تمرًا أو حِنطةً؛ فإنه قد ساوى الفقيرَ بنفْسه. وقد نصَّ أحمدُ على جواز ذلك، ومثل أن تجِبَ عليه شاةٌ في الإبِلِ وليس عنده شاةٌ، فإخراجُ القيمةِ كافٍ، ولا يُكلَّفُ السَّفَرَ لشراءِ شاةٍ، أو أن يكون المستحقِّونَ طلبوا القيمةَ؛ لكونها أنفعَ لهم، فهذا جائزٌ” [الفتاوى الكبرى 5/ 372].
وقال ابنُ باز رحمه الله: “الأصلُ أنَّه يجِبُ دفْعُ الزَّكاةِ مِن عَينِها إلَّا للحاجةِ”، وقال أيضًا: “لا يُخرِجُ مِنَ الغنم نقودًا إلَّا إذا رأى العامِلُ مصلحةً في ذلك، فلا بأسَ بأخْذِ نقودٍ” [اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية، لخالد آل حامد 1/ 825].
ومنع من ذلك في زكاة الفطر [مجموع فتاوى ابن باز 14/ 202].
وقال ابن عثيمِين رحمه الله: “يرى أكثرُ العلماءِ أنَّه لا يجوزُ إخراجُ القِيمةِ إلَّا فيما نَصَّ عليه الشَّرعُ، وهو الجُبرانُ في زكاة الإبل (شاتانِ أو عِشرون درهمًا)، والصَّحيحُ أنه يجوز إذا كان لمصلحةٍ، أو حاجةٍ، سواءٌ في بهيمةِ الأنعامِ، أو في الخارِجِ مِنَ الأرضِ” [الشرح الممتع 6/ 148].
ومنع من ذلك في زكاة الفطر [مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين 18/ 67، 73].
.
تنبيهان مهمان
التنبيه الأول
لا ينبغي أبداً التهاون في تحديد هذه المصلحة، وسبيل التعرُّف عليها بيِّنٌ إن شاء الله لمن أراد الحقَّ، وذلك بأن يجعل المزكِّي نفسه مكانَ الفقير، صاحب الزكاة.
وهذه بعض الأمثلة التي توضِّح المراد:
جماعة من اللاجئين، لجأوا إلى دولة مجاورة، وكانوا جميعاً من الفقراء، والبرد شديد، ولم يكن معهم ما يحميهم من شدة البرد، فمثل هؤلاء ماذا يفعلون بالنقود إذا بُذلت لهم! فلو أن الواحد منهم أراد شراء ما يقيه من البرد لذهب كثيرٌ مما معه في سبيل الإتيان به! ففي مثل هذه الحال لا يمكن أن تنهى شريعة الله عن شراء ما يحقق لهم الدفء من برد الشتاء، وهو على رأس قائمة احتياجاتهم.
مثال آخر:
فقراء في وسط الصحراء، ولا توجد أماكن يشترون منها، فهل يقال: هؤلاء يُعطون مالاً!! ماذا يصنعون به؟! شرع ربنا لا يمنع في مثل هذه الحالة من إعطائهم ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب.
مثال ثالث:
قوم اجتاحت السيول بيوتهم، فصاروا في العراء، وكانت الحاجة شديدة إلى خيام لتجتمع كل أسرة في مكان واحد، فلو أنَّنا أعطينا هؤلاء مالاً ليأتي كل واحد منهم بخيمته لكان في ذلك مشقة عليهم!
مثال رابع:
من كان مستقراً في بيته، وهو من الفقراء، فهل يعطى “كيس الصائم” من مال الزكاة بدعوى أن المصلحة تقتضي ذلك؟
أي مصلحة؟
مصلحة الفرق بين سعري الجملة والمفرَّق! هذه ليست مصلحة تبيح ذلك، فلربما كانت حاجته إلى سداد فاتورة الكهرباء، أو إلى الإتيان بعلاج، أو إلى سداد قسط مدارس الأولاد أشدَّ من الحاجة إلى كيس الصائم، فالفقير أعرف بحاجة نفسه منك.
ولو فُرض أنه بحاجة إلى طعام فهو الذي يختار ما يناسبه وما يناسب أسرته من أنواع الطعام.
أما أن يُعطى “كيس صائم” وحاجته إلى غيره أشد فهذا تحكُّم وافتئات بالرأي، لا يُشرع.
.
التنبيه الثاني
عروض التِّجارة: المال المعدُّ للتِّجارة، سواء كان مِن جِنسِ ما تجِبُ فيه زكاةُ العينِ كالإبل، أو لا، كالثِّياب.
والعروض: جمع عَرْض، هو كلُّ مال سوى النَّقدين.
وهذا المال تجب زكاته عند الأئمة الأربعة، بل حكي الإجماع على ذلك [معالم السنن للخطابي 2/ 53].
والعروض التي لا تعد للتجارة لا زكاة فيها بالإجماع.
قال ابن رُشْد: “اتَّفقوا على أنْ لا زكاةَ في العروضِ التي لم يُقصَدْ بها التِّجارة” [بداية المجتهد 1/ 254].
اختلف أهل العلم في إخراج زكاة عروض التجارة من العروض، على أقوال؛ أقواها قولان:
القول الأول: يجب إخراج الزكاة نقدا من قيمة العروض، ولا يجزئه إخراج الزكاة من أعيان عروض التجارة، وهذا مذهب الجمهور: المالكية، والشافعية، والحنابلة.
وذلك للآتي:
أولا: أن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة من القيمة، كما أن البقر لما كان نصابها معتبرا بأعيانها، وجبت الزكاة من أعيانها، وكذا سائر الأموال.
ثانيا: أن القيمة أحب لأهل الزكاة غالبا، وقد لا يكون الفقير في حاجة إلى عين السلعة فيبيعها بثمن بخس.
مثال: رجل يتاجر في في الكيبلات أو اسبيرات العربات، ماذا يصنع الفقير بذلك؟!
القول الثاني: يجوز إخراج الزكاة من أعيان عروض التجارة؛ للحاجة أو المصلحة الراجحة، وهذا قول للحنابلة، واختاره ابن تيمية، وبهذا صدر قرار ندوات قضايا الزكاة المعاصرة؛ وذلك لأن الأصل إخراج زكاة عروض التجارة نقدا، فإن كان في الإخراج من أعيان عروض التجارة مصلحة للفقير، أو كان على المالك عسر في إخراج القيمة؛ جاز للمصلحة الراجحة، ولكونه واسى الفقراء فأعطاهم من جنس ماله.
وهذا هو الصحيح إن شاء الله.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز إخراج الزكاة من الأقمشة؟ فأجاب:
“يجوز ذلك في أصح قولي العلماء؛ الطيب عن الطيب، والرديء عن مثله حسب القيمة، مع الحرص على ما يبرئ الذمة؛ لأن الزكاة مواساة من الغني للفقراء، فجاز له أن يواسيهم من القماش بقماش، كما يواسيهم من الحبوب والتمور والبهائم الزكوية من نفسها.
ويجوز أيضًا أن يخرج عن النقود عروضًا من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنونًا أو ضعيف العقل أو سفيهًا أو قاصرًا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعامًا أو لباسًا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم” [مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 14/ 253].
ربِّ صلِّ وسلم على نبينا محمد.