
التفاؤل والإحباط
بسم الله الرحمن الرحيم
التفاؤل والإحباط
مسجد السلام بالطائف (22)
خطبة 28 يونيو 2019م
مهران ماهر عثمان
الحمد لله، وأصلي وأسلم على خير خلق الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
لقد جاءت شريعة ربنا بكل خير، فما من شيء ينتفع العباد به إلا وأمر الله تعالى به، وما من شيء يعود عليهم بالضرر إلا وفي شرعنا ما ينهى عنه، فجاءت شريعة ربنا بجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
ومما أمرت به شريعتنا ورغَّبت فيه: التفاؤل وحسن الظن؛ لما يورثه من راحة بال وانشراح صدر.
ومما نهت عنه: الإحباط؛ لسوء آثاره على نفس الإنسان.
وما أضيقَ العيشَ لولا فُسحةُ الأمل!
تعريف التفاؤل
توقع الخير.
الأمر بالتفاؤل
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» رواه الترمذي.
فإذا دعوت الله أيها المؤمن فعظِّم الرغبة فيما عنده، وأحسن الظن به.
وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانعُه
الترغيب في التفاؤل
عن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل؛ الكلمة الحسنة، والكلمة الطيبة» رواه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة” رواه ابن ماجة.
الفرق بين الفأل والطيرة
التفاؤل حسن ظن بالله وتوقعٌ للخير منه، والذي يسمع كلمة يتفاءل بها لا يعتقد أنها سبب في حدوث الخير، لكن مدلولها يذكره بالخير، فيسعى إليه، فهو إقدامٌ وحسن ظن، والطيرة إحجام وسوء ظن، وشرك؛ لاعتقاد المتشائم أن ما حمله على الطيرة سبب في حدوث الشر؛ فهي شرك من هذه الناحية.
الترغيب في حسن الظن بالله
1/ حسن الظن من حسن العبادة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن حسن الظن بالله تعالى من حسن العبادة» رواه أبو داود والترمذي.
2/ أن من أحسن ظنه بالله آتاه الله إياه.
ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي» متفق عليه. وفي المسند عنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قال: أنا عند ظن عبدي بي، إنْ ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله».
والمعنى: “أعاملُه على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر” [تحفة الأحوذي 7/53]
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده» رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن.
فما الذي يحمل على التفاؤل؟
آيات في كتاب الله، منها:
الأولى:
﴿الحمد لله رب العالمين (1) الرحمن الرحيم﴾
فربوبية الله ربوبية رحمة.
والثانية:
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ [الشورى/19]
والثالثة:
آية في كتاب الله: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب/43].
تعريف الإحباط
الشعور بخيبة الأمل لعدم بلوغ الهدف المنشود.
كيف ندفع الشعور بالإحباط؟
1/ بالعلم بأنَّ المصائب لا بقاء لها، والشدة لا تدوم، والفرج في ذيل كل مصيبة، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 1 – 6].
2/ هذه المصائب التي نُبتلى بها كفارة لسيئاتنا، ولن تكون عاقبتها إلا خيراً.
ثبت في صحيح مسلم، عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
3/ كثيراً ما تخرج البشارات من أرحام المصائب والنكبات، قال تعالى: ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾
تكررت هذه الآية أربع مرات في القرآن الكريم، في البقرة (216)، و(232)، وفي آل عمران (66)، وفي النور (24). ومن علم ذلك أيقن أن خيرة الله له خير، وإن لم يعلم، فإن الله يعلم.
4/ وندفع الشعور بالإحباط بالسعي والعمل، فقدر الله تعالى يدفع بقدر الله.
فالمريض يدفع قدر الله تعالى بالذهاب إلى الطبيب
والفقير يدفعه بالتكسب والسعي، وهكذا..
النهي عن الإحباط
قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: ﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
أي: عودوا إلى مصر فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به.
وقال عز اسمه: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 49 – 56].
فقد قالت الملائكة للخليل عليه سلام الله: بشَّرناك بالحق الذي أعلمَنا به الله، فلا تكن من اليائسين أن يولد لك. فقال لهم: لا ييئس من رحمة ربه إلا الخاطئون المنصرفون عن طريق الحق.
موقفان من السيرة
الموقف الأول
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: “ارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا منهم أحد غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله، فقال: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا” [الرحيق المختوم، ص 153].
فلما لحق بهما بشره النبي صلى الله عليه وسلم بسواري كسرى، وهو في الصحراء وقد طره قومه! قال له: «كأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سُوَارَيْ كِسْرَى» رواه البيهقي.
وقد تحقق هذا في زمن الفاروق رضي الله عنه.
فلثقة نبينا صلى الله عليه وسلم في وعد الله وقعت منه تلك البشارة وهو على الحال التي علمتم.
فتوقع الخير من الله تعالى هدي نبينا صلى الله عليه وسلم.
والموقف الثاني أشارت إليه آيات في كتاب الله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 9 – 12].
كان هذا في يوم الخندق، فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، قَالَ: وَعَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنَ الخَنْدَقِ، لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، قَالَ: فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَوْفٌ:، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» . ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».
فارتاب المنافقون وازدادوا كفرا إلى كفرهم، وقالوا: “يَعِدُنَا مُحَمَّدٌ فَتْحَ قُصُورِ الشَّامِ وَفَارِسَ وَأَحَدُنَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُجَاوِزَ رَحْلَهُ، هَذَا وَاللَّهِ الْغُرُورُ” [تفسير البغوي 6/ 332].
وكان حالهم على الضد من حال المؤمنين، قال ربنا: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22].
فهذا يدل على أن المسلم في أسوأ الظروف ينبغي ألا يُحبط، بل يتوقع الخير من الله تعالى، فهذه عبادة يجد الإنسان ثمرتها في الدنيا قبل الآخرة، فإن الله تعالى عند ظن عبده به.
رب صل وسلم على نبينا محمد.

