مقالات

الصلاة على الميت الغائب

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة على الميت الغائب

مهران ماهر عثمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فهذا تبيينٌ لمسألتين:

الأولى:

ما حكم الصلاة على الغائب؟

والجواب:

ثبت في صحيحي البخاري ومسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ صلاة الجنازة”.

وهذا الحديث يدل على مشروعية الصلاة على الميت الغائب.

وهذه المسألة فيها قولان مشهوران:

الأول:

أن صلاة الجنازة يشترط لإقامته: حضور الميت [ الموسوعة الفقهية 16/ 19]، وهذا قول الأحناف والمالكية، وقالوا: إن الصلاة على النجاشي خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ففي شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 142) “وصلاته عليه الصلاة والسلام على النجاشي من خصوصياته “.

وجاء نحوه في بدائع الصنائع للكاسائي الحنفي (1/ 312).

وهذا لا يصح؛ لأن الأصل أن ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع، والخصوصية لا يقال بها إلا بدليل.

فالصحيح مشروعية الصلاة على الغائب وأنه لا يشترط لصلاة الجنازة حضور الميت، وهذا قول الشافعية والحنابلة.

قال النووي رحمه الله: “ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، دَلِيلُنَا حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ” [المجموع شرح المهذب 5/ 253].

المسألة الثانية: من هو الغائب الذي يصلى عليه؟

اختلف القائلون بمشروعية الصلاة على الغائب اختلافاً كبيراً في مسألة: من هو الغائب الذي يُصلى عليه؟ قال ابن القيم رحمه الله: “الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ… وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: الصَّوَابُ أَنَّ الْغَائِبَ إِنْ مَاتَ بِبَلَدٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فِيهِ، صُلِّيَ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْغَائِبِ، كَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ حَيْثُ مَاتَ، لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ بِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْغَائِبِ، وَتَرَكَهُ، وَفِعْلُهُ وَتَرْكُهُ سُنَّةٌ، وَهَذَا لَهُ مَوْضِعٌ، وَهَذَا لَهُ مَوْضِعٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ فِي مَذْهَبِ أحمد، وَأَصَحُّهَا: هَذَا التَّفْصِيلُ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا” [زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 500-  501].

وقال المرداوي رحمه الله: “(وَيُصَلِّي عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَصَاحِبُ النَّظْمِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ” [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 2/ 533].

رب صل وسلم على نبينا محمد.

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *