مقالات

الأضحية والنزفية.. رؤية شرعية

بسم الله الرحمن الرحيم

الأضحية والنزفية.. رؤية شرعية

مهران ماهر عثمان

4 ذو الحجة 1428هـ

خطبة بمسجد خال بن الوليد بأركويت (63)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فقد وقع الناس في حيرة عظيمة هذه الأيام، فوباء النزفية آخذ في الفتك بالبهائم والبشر، ونحن نقف على عتبة عيد الأضحى.

ومثل هذه المسائل -حتى يخلص الناس إلى حكم شرعي صحيح– لابد من استصحاب أقوال الثقات من أهل الطب البيطري..

وبالرجوع إلى ما قرّره البروفيسور عبد الله عبد اللطيف –وفقه الله – في العدد 5203 من صحيفة (الصحافة)، وبالرجوع إلى غيره من الثقات في ذات المجال، وإلى نصوص الكتاب والسنة، أثبت ما يلي من تنبيهات:

 

أولاً:

أنّ الأضحية سنة مؤكدة لا تصل إلى درجة الوجوب، ولذلك ثلاثة أدلة:

1/ حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» [مسلم]. فقد علّق النبي صلى الله عليه وسلم الذبح على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة.

2/ وعن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبحه وقال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي» [أبو داود، والترمذي، وابن ماجة].

فقد ضحَّى النبي صلى الله عليه وسلم من لم يضح منّا.

3/ وعن أبي سريحة أو أبي سريج الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كانا لا يضحيان، في بعض حديثهم: كراهية أن يقتدى بهما [أخرجه البيهقي (9/295)، وصححه الألباني في الإرواء (1139)].

ولو كانت الأضحية واجبة لفعلاها؛ من أجل أن يقتدي الناس بهما، فلما تركاها علمنا أنها سنة مؤكدة، وخافا أن يشق فعلهما والتأسي بهما على الناس.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقربن مصلانا» [أحمد وابن ماجة] فالمراد منه التأكيد على فعل هذه السنة، ولا خلاف بين العلماء في أنّ الأضحية ليست شرطاً لصلاة العيد. وحديث مِخْنَف بن سُلَيم رضي الله عنه قال: كنا وقوفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال: «يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة» [أحمد والأربعة]، ضعيف، ضعفه الألباني  برقم (6383)  في ضعيف الجامع.

 

ثانياً:

من ترك الأضحية بسبب هذا الوباء، فلا حرج عليه، ولا يُلام، وقد قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة:6]، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:78].

ومن تركها وكان من هديه وعادته فعلها، ولم يتركها إلا لهذا العذر، فإنه يُرجى له أجرها كاملاً غير منقوص، فقد دلت النصوص على أنّ من ترك عبادةً درج عليها لعذر آتاه الله أجرها..

فقد ثبت في صحيح البخاري، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ :«إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

وفضل الله أعظم من ذلك.

وأنصح من آثر عدم الذبح بأن يوكل أحد الفقراء ليذبح عنه في أي بلد فقير، أو أن يتصدق بثمنها، والأضحية أفضل من التصدق بثمنها.

 

ثالثاً:

من آثر جانب التوكل وقام بشعيرة الذبح فلا حرج ولا لوم كذلك، ولكني أنصحه بما يلي:

1/ أن يختار من الضأن صغير السن؛ لأنه لا يقوى على حضانة الفايرس مدةً طويلة، وقد أفاد أ.د. عبد الله عبد اللطيف أنّ البهيمة من الضأن إذا أتمت العام أمكن أن تكون حاملةً للفايرس (21) يوماً.

2/ أن يتقصد البهائم التي تأتي من المناطق التي لم يظهر الوباء فيها، ويتجنب الشراء العشوائي من هنا، أو من الجزيرة، أو من النيل الأبيض أو سنار.

3/ أن يتعامل بدرجة من الوعي مع اللحم غير المطبوخ، فلا يمس اللحم غير المطبوخ إلا بالقفاز، ويبتعد تماماً من أكل المرارة وكل شيء لم تمسسه النار.

وهذه نصائح سمعتها من المختصين.

 

رابعاً:

لا ينبغي لمن اختار عدم الذبح  أن يُحرِّج على من ذبح، ولا على من آثر الأضحية أن يحرج على غيره، وليكن حالنا كحال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. كانوا يخرجون في الصوم، فمنهم المفطر، ومنهم المسافر، ولا يُحرِّج أحدهما على الآخر.

 

خامساً:

ليعلم القارئ الكريم –وفقه الله- أنّه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولن يرفع إلا بتوبة، وقد قال رب العالمين: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى :30].

أسأل الله أن يحفظ الجميع، وأن يعافي كل مريض، وأن يرفع عنّا الوباء والغلاء.

وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأضحية والنزفية .. رؤية شرعية الأضحية والنزفية .. رؤية شرعية

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *