موعظة نبوية بليغة
بسم الله الرحمن الرحيم
موعظة نبوية بليغة
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فعن أبي نجيح العرباضِ بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليك بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالة» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون
وعظنا: نصحنا وذكرنا.
موعظةً: تنويها للتعظيم، أي موعظة جليلةً.
وجلت: خافت.
منها: من أجلها.
ذرفت: سالت بالدموع.
كأنها موعظة مودع
فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم، فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم، فإن المودِّع يستقصي ما لا يستقصي غيره في القول والفعل.
فأوصنا
وصية جامعة كافية إضافةً لما تقدَّم منه صلى الله عليه وسلم.
أوصيكم بتقوى الله
بتقوى الله: بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وهذه أشرف وصية، قال ربنا: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
وقال ربنا لنبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: 1].
فما عاقبة العمل بهذه الوصية؟
قال سبحانه: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: 63].
والذي يعين على تثبيت الأقدام في طريقها أمران: الدعاء، والصدق مع الله.
والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد
السمع والطاعة لولاة الأمور، فيجب الإصغاء إلى كلام ولي الأمر؛ ليفهم ويعرف، وتجب طاعته، وإنما قال ذلك لتأكيد طاعة الولاة، فإنَّ العبد لا يكون والياً، وإنما قال ذلك لتأكيد طاعته.
ولابدَّ أن نعلم أمرين:
الأول: لا طاعة لمخلوق في معصية الله. قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الترمذي. وفي الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» رواه الشيخان.
الثاني: إنما يطاع الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله تعالى.
ففي صحيح مسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا».
وفي أول خطبة لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر رضي الله عنه: “أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم”.
وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً
في الأقوال والأعمال والاعتقادات.
وقد رأينا من يدعو إلى تنحية حكم الله! ويريد أن يُحكم في أعراض الناس ودمائهم وجميع شؤونهم زُبالات أفكار البشر!!
رأينا من يتهم الإسلام بالتخلُّف!
رأينا من يتبع صاحب الرسالة الثانية قد جُعل مسؤولاً عن مناهج أولاد المسلمين!
رأينا من يؤيد اتفاقية كفرية تسمى بسيداو تناقض ما جاء في شرع الله!
رأينا من يريد أن يبحث عن عبَّاد الحجر؛ ليعطيهم حقوقهم!
رأينا علماءنا يتكلمون عن أصولٍ ومسلَّمات ما كان الواحد يظن أنهم سيحاولون إقناع أولاد المسلمين بها!
رأينا من يستغفر لمن ماتت وهي تسبُّ نبينا صلى الله عليه وسلم وتسبُّ دينه!
رأينا ذلك كله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذا الحديث من دلائل النبوة؛ فقد وقع الأمر كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم.
فعليكم بسنتي
الزموا التمسك بها، وهي طريقته صلى الله عليه وسلم.
فما من فتنة تقع في هذه الأمة إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيها مقالٌ وبيانٌ، وما تمسك أحد بما أرشد إليه إلا نجا من هذه الفتن.
ثبت في المستدرك على الصحيحين للحاكم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي».
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي
الراشدين: الذين عرفوا الحق واتبعوه، والمراد بالخلفاء الراشدين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
وفي جامع الترمذي، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ».
وهذا يدلُّ على وجوب اتِّباعهم، وأنَّ ما فعلوه بعد نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فليس بدعةً في الدين؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك البدع وأمر باتباعهم؛ فلا يكون اتباعُهم منها.
فجمع المصحف، وترشيح الخليفة للخليفة الذي يليه (فرق بين الترشيح والتعيين)، وتدوين الدواوين، وتأديبُ الذين يتبعون المتشابه ويسعون بإثارة الشبهات بالسوط تعزيراً، والأذان الأول للجمعة، وغير ذلك مما أُثر عن الخلفاء الأربعة، ليس بدعةً في دين الله.
عضوا عليها بالنواجذ
هذا كناية عن شدة التمسك بما ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي يومنا هذا صار التمسك بالسنة تطرفاً وتشدداً!! والفرق بين التمسك والتشدد: أن ما كان مستنداً على دليل شرعي فهذا تمسك يقرب إلى الله، وما كان غير ذلك فهو غلو يمقت الله عليه.
وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة
والبدعة: طريقةٌ في الدين، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها التقرب إلى الله تعالى. كما قال الشاطبي رحمه الله.
ودل هذا الحديث على أنه لا وجود لما يسمَّى بالبدعة الحسنة! فكلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
أعظم فائدة اشتمل الحديث عليها: أنَّ من أراد السلامة لدينه، والنجاة عند وقوع الفتن في هذه الأمة؛ فعليه بالسنة، فهي كسفينة نوح عليه السلام، من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق.
رب صل وسلم على نبينا محمد.