
دروس من انتصار طالبان وهزيمة الأمريكان
بسم الله الرحمن الرحيم
دروس من انتصار طالبان وهزيمة الأمريكان
مهران ماهر عثمان
مسجد السلام بالطائف
12 محرم 1443 هـ – 20/08/2021م
الحمد لله، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
قال تعالى: ﴿الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 1 – 5].
في الترمذي: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ لأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِبُّ ظُهُورَ فَارِسَ لأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلاَ إِيمَانٍ بِبَعْثٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ قَالَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لأَبِي بَكْرٍ: فَذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، زَعَمَ صَاحِبُكَ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ، أَفَلاَ نُرَاهِنُكَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ، فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَانَ، وَقَالُوا لأَبِي بَكْرٍ: كَمْ تَجْعَلُ البِضْعُ ثَلاَثُ سِنِينَ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ، فَسَمِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَسَطًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ، قَالَ: فَسَمَّوْا بَيْنَهُمْ سِتَّ سِنِينَ، قَالَ: فَمَضَتِ السِّتُّ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا، فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْمِيَةَ سِتِّ سِنِينَ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي بِضْعِ سِنِينَ، قَالَ: وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ. حسنه الألباني.
وما فعله الصِّدِّيق رضي الله عنه يدل على مشروعية الرهان في مسائل العلم الشرعي كما نص عليه ابن تيمية رحمه الله
فإذا أقرَّ الله فرح الصحب الكريم، بانتصار الروم الكتابيين، على الفرس الوثنيين، فمن منا لا يفرح بهزيمة الأمريكيين وانتصار الأفغانيين!؟
إن من دروس هذا النصر
1/ أن الجهاد وقتال الأعداء أعظم سبيل لنيل العز والكرامة، ولا كرامة لهذه الأمة إلا برفع راية الجهاد في سبيل الله.
هذا أعظم درس يستفاد من انتصار الأفغان.
وهل في انتصارهم من شك!؟ لا يشك في هذا عاقل! ها هو جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي يقول: على الاتحاد أن يحاور طالبان لأنها ربحت الحرب.
ثبت في سنن أبي داود، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ».
مفهوم الحديث: إذا جاهدتم وتمسكتم بدينكم أسبغ الله عليكم عزَّاً، ومنطوقه: إذا تركتم ذلك سلَّط الله عليكم ذُلَّاً.
2/ أن الله عند ظن عبده به.
لا زال الناس يذكرون أنه قبل عشرين عاماً لما بدأت الحرب على أفغانستان، خرج بوش على الإعلام يتوعد طالبان بالهزيمة، فردَّ عليه الملا عمر رحمه الله: “إن الله وعَدَنا وعداً، و وعَدَنا بوش وعداً، وسنرى أيُّ الوعدين سيتحقق”.
3/ ومن الدروس: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36].
بايدن يعلن أنه حزين على خسارة مبلغ 3 تريليون دولار في حرب.
وخسارات قريبة من هذه لدولٍ شاركت في الحرب الأفغان!
4/ ثلاثةُ آلافٍ وسِتُّمائةِ جنديٍّ أمريكي نفقوا في هذه الحرب!
ولم تطالب أمريكا بتعويضات!! لماذا؟ إنه عز الجهاد والقتال في سبيل الله. هل تجرأت أمريكا على أن تطالب بتعويض!؟ الجواب: لا، ونحن هنا دفعنا تعويضات بتفجير سفارتين وتدمير المدمرة كول، ولا علاقة لبلدنا بذلك! فهذا هو الفرق بين من أعزه الله وأهانه.
5/ مهما طال الاحتلال فهو إلى زوال.
جاهد الأجداد المستعمر الانجليزي مرتين في ست سنوات حتى أخرجوه، وجاهد الآباء المحتل الروسي عشر سنوات حتى طردوه، وجاهد الأحفاد المعتدي الأمريكي عشرين سنة حتى أجلوه! فهنيئا للأفغان، ولله درهم من أجداد وآباء وأحفاد، فكم علموا الأمة وأيقظوا من سبات، وكم أحيوا فيها من موات! [د. محمد يسري].
والحق ما شهدت به الأعداء، قال بايدن في تصريح قبل أيام: “أفغانستان مقبرة الامبراطوريات”، ونحن نقول: حق لتلك الأرض أن تسمى بـ “مقبرة الغزاة”!
6/ سوء عاقبة العمالة والخيانة!
وأولُ من يحتقر الخائن؛ سيده الذي خان لأجله!
عملاء كانوا يعملون لصالح أمريكا لسنوات طويلة فلما هُزمت لم تلتفت إليهم، بخلت عليهم بمقاعد كلاب جنودها في طائرتها! من منا لم ير صورهم وهم يتشبثون بطائرة المحتل؟ فلما ارتفعت وحلقت سقطوا منها، فما أسوأ عاقبتهم!
سئل هتلر عن أحقر الناس، فقال: الذيت يساعدني على احتلال أرضه!!
هل تصدقون أن مشايخ صرحوا لموسوليني بعد احتلال ليبيا أنه ولي الأمر الشرعي؟! وأن عليه أن يقاتل الخوارج بقيادة عمر المختار!!؟
وآخرون في مصر خُدعوا لما تزيَّا نابليون بالزِّي الأزهري، وقالوا: إنه وليُّ أمر الناس!!
ما أقبح تلك اللحى! وما أقذرَ عمائم أصحابها!
7/ الدول لا تبنى بالانتقام، وإنما بالعفو العام، والعفو العام لا علاقة له بالقصاص.
وقد أحسنت طالبان لما أعلنت العفو العام الذي يندرج تحته الخونة الذين عملوا مع العدو المحتل.
وإنهم في ذلك مقتدون بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لأهل مكة لما دخلها منتصراً: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
الانتقام لا يولد إلا الشحناء والبغضاء.
8/ أمة الإسلام تضعُف لكنها لا تموت.
والمستقبل لهذه الأمة لا ريب في ذلك.
في صحيح البخاري، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ». وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ: “قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ” رواه أحمد، وصححه محققو المسند.
رب صل وسلم على نبينا محمد.

