وظائف الصائمين
بسم الله الرحمن الرحيم
وظائف المسلم في رمضان
مهران ماهر عثمان
الحمد لله، وأصلِّي وأسلِّم على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد ثبت عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ» رواه أحمد وصححه محققو مسنده.
وهذا تذكير بما على المسلم أن يُعنى به في هذا الشهر؛ ليكون فيه من الفائزين.
وظائف المسلم في رمضان
1/ الصوم.
وقد سبق الكلام عن فضله([1]).
2/ القيام.
فقد سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم الاجتماع لصلاة القيام (التراويح) في رمضان، ففي الحديث المتفق علىى صحته، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ».
وقد ثبت الترغيب في قيام رمضان في غيرما حديث، منها:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه الشيخان.
إيماناً: مؤمناً بأنها مشروعة.
احتساباً: مبتغياً بذلك وجه الله.
وعن عمرو بن مُرَّة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: «من الصديقين والشهداء» رواه ابن حبان،وابن خزيمة، والبزار.
ومن صلاها مع إمامه حتى ينصرف فكأنه قام الليلة كلها من غروب الشمس إلى ما قبل الفجر، يكتب له قيام هذه الليلة كلها، فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا، حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الخَامِسَةِ، حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» رواه أحمد والأربعة.
وصلاة أول الليل بعد العشاء، وآخره قبل الفجر، كل هذا ن قيام رمضان.
وقد كان الناس في عهد عمر بن الخطاب كانوا يطيلون هذه الصلاة ويعتمدون على العصي من أجل ذلك([2]).
3/ قراءة القرآن.
فهذا شهر القرآن، قال الله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:85]، فقد نزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل منجماً بعد ذلك.
ولذا كان السلف يجعلون معظم هذا الشهر للقرآن، قال ابن رجب رحمه الله: “وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال. وبعضهم في كل سبع، منهم قتادة. وبعضهم في كل عشرة، منهم أبو رجاء العطاردي. وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان. وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث. وكان قتادة يختم في كل سبع دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة. وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه. وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت. وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه.
وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة؛ كشهر رمضان، خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة؛ كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره”([3]).
قال ابن كثير رحمه الله: “وَعَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَتْمَتَيْنِ، وَفِي غَيْرِهِ خَتْمَةً، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ -صَاحِبِ الصَّحِيحِ-: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ فِي اللَّيْلَةِ وَيَوْمِهَا مِنْ رَمَضَانَ خَتْمَةً”([4]).
ثم قال: “فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الصَّحِيحِ عَنِ السَّلَفِ مَحْمُولٌ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ مَا بَلَغَهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَوْ أَنَّهُمْ كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مَعَ هَذِهِ السُّرْعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ التِّبْيَانُ بَعْدَ ذِكْرِ طَرَفٍ مِمَّا تَقَدَّمَ: وَالِاخْتِيَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ لَطَائِفُ وَمَعَارِفُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ يُحَصِّلُ لَهُ كَمَالَ فَهْمِ مَا يَقْرَؤُهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ مَشْغُولًا بِنَشْرِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ لَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ إِخْلَالٌ بِمَا هُوَ مُرْصَدٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَلْيَسْتَكْثِرْ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى حَدِّ الْمَلَلِ والهَذْرَمة”([5]).
4/ الدعاء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه أحمد والترمذي، وقال محققو المسند: صحيح بطرقه وشواهده.
ولعلَّ هذه من حكم إيداع آية الدعاء بين آيات الصيام.
فبماذا يدعو الصائم إذا أفطر؟
قال عمر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله» رواه أبو داود، قال ابن حجر رحمه الله: “قال الدارقطني: إسناده حسن”([6]). وحسنه الألباني في الإرواء (920).
وأما دعاء: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»، فلا يثبُت([7]).
5/ تعجيل الفطر وتأخير السحور.
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» رواه البخاري ومسلم.
والسنة أن يُفطر على رطب، وإلا فتمر، وإلا حسا حسوات من ماء.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ” رواه أبو داود والترمذي.
والأذان علامة لدخول الوقت، فإذا دخل الوقت أفطر الصائم سواء سمع النداء أم لم يسمع.
وأما السحور فالحكمة منه أنّ فيه بركةً، فيتقوى به الصائمون، ويصيبون به أجر الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد نعته النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في كثير من النصوص، والسنة تأخير السحور، وللصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبيَّن طلوعَ الفجر.
6/ الإنفاق.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:”كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” رواه البخاري ومسلم.
7/ تفطير الصائمين.
فمن الناس من يحظى بأجر رمضانات عديدة في الشهر الواحد، وذلك بتفطير الصائمين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيءٌ» رواه أحمد والترمذي.
وفي سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل يوماً في بيت سعد بن عباده رضي الله عنه، فقال له: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ». ورواية المسند: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله». فَقَالَ سَعْدٌ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله. وَلَمْ يُسْمِعْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى سَلَّمَ ثَلَاثًا وَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُسْمِعْهُ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا سَلَّمْتَ تَسْلِيمَةً إِلَّا هِيَ بِأُذُنِي، وَلَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ وَلَمْ أُسْمِعْكَ؛ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَكْثِرَ مِنْ سَلَامِكَ وَمِنْ الْبَرَكَةِ. ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْبَيْتَ، فَقَرَّبَ لَهُ زَبِيبًا، فَأَكَلَ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «أَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ». ولولا أن في تفطير الصائمين أجراً كبيراً لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحقق الله تعالى ذلك لسعد رضي الله عنه.
8/ العمرة.
قال صلى الله عليه وسلم: «عمرةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً معي» رواه الأربعة إلا النسائي.
9/ السواك.
والسواك مستحب للصائم وغيره؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رواه البخاري ومسلم. ولا بأس من استخدام (معجون الأسنان). ولا فرق بين أول النهار وآخره، والسواك لا يذهب بالخلوف؛ لأنّ سبب هذه الرائحة خلوُّ المعدة من الطعام.
10/ الكفُّ عما يتنافى مع الصوم.
من قبيح المقال وكريه الفعال. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ» رواه البخاري ومسلم.
لا يرفث: لا يتكلم بالفاحش من القول، ولا يجهل أعم من لا يرفث، ومعناه: لا يقع في الطيش بقول أو فعل. وعند البخاري: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» رواه البيهقي.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: “إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء”. وعن حفصة بنت سيرين رحمهما الله قالت: “الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة”. وعن ميمون بن مهران رحمه الله: “إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب”([8]).
11/ الإكثار من جميع خصال الخير.
من إجابة المؤذنين، والمحافظة على السنة الراتبة (12) ركعة؛ ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، المحافظة على الصلاة في جماعة، وعدم تفويت تكبيرة الإحرام مهما حصل من انشغال، وشَغْلُ الانتظار بالذِّكر والاستغفار، فليحرص الإنسان على ملء وقته بالذكر، فيذكر الله وهو في طريقه إلى العمل، في انتظار إجراء معين، في العيادة…إلخ، المكث بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين، صلاة الضحى، احتساب النوم، فينوي به أن يتقوى على العبادة، والاهتمام بإرشاد الناس إلى الخير؛ لما عندهم من إقبال على الله في هذا الشهر، وصلة الرحم، وتفقد الأرامل واليتامى والمساكين وإدخال السرور عليهم، ورسم البسمة على محياهم، ففي ذلك من الثواب ما لا يعلمه إلا الوهاب.
وجملة القول أنّ على العبد أن يجتهد في رمضان بكل ما يقدر عليه من الخير، إن كثيراً من الناس يجعل من يوم صومه يوماً للراحة وترك العمل، فيقل إنتاجه، وتضعف همته، وتخور قوته، وتضمحل عزيمته! وهذا خطأ، فالصوم ينبغي أن يحمل على الاجتهاد في الطاعة، لماذا؟ لأربعة أدلة:
الأول: أنّ أبواب الجنة تفتح في رمضان، ومعلوم أن باب الصوم الريان، فلماذا تفتح أبوابها كلها؟ لحث الصائم على أن يعمر وقته بشتى أنواع الطاعات.
الثاني: حديث مسلمٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. فَقَالَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». فالصوم أول عمل بدأ به الصديق رضي الله عنه ولم يجعله سبباً للتقاعس عن القيام بغيره من الأعمال.
الثالث: حديث الترمذي: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ».
الرابع: قول عائشة رضي الله عنها: “كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره” رواه مسلم.
رب صل وسلم على نبينا محمد.
[1] / https://mahranmahir.net/?p=2160
[2] / الموطأ (1/ 115).
[3] / لطائف المعارف، ص(183).
[4] / تفسير القرآن العظيم (1/ 85).
[5] / تفسير القرآن العظيم (1/ 85).
[6] / التلخيص الحبير (2/ 202).
[7] / انظر: ضعيف سنن أبي داود للألباني، برقم: (510).
[8] / المحلى لابن حزم (4/ 308).