مقالات

توجيهات نبوية في حجة الوداع

بسم الله الرحمن الرحيم

توجيهات نبوية في حجة الوداع

مهران ماهر عثمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الحجاج والمعتمرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فهذه توجيهات نبوية وجه بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع، وقد أفردت لها هذا المقال، سائلا الله أن ينفع بها، وأن يعيننا على التمسك بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

التمتع أفضل الأنساك لمن لم يسق الهدي

في سنن أبى داود، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف والسعي قال لأصحابه: «إِنِّي لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً». فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي.

ولما كبر ذلك عليهم وقالوا ما قالوا خطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أبالله تعلموني أيها الناس؟ قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، افعلوا ما آمركم به؛ فإني لولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا. قال: فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وسمعنا وأطعنا».

خطبة عرفة

وخطب أصحابه في يوم عرفة فقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي هاتين موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب -كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل-، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة، وإنَّ لكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن غير مبرِّح، ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون»؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت رسالات ربك، وأديت، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك.  فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد اللهم اشهد» رواه مسلم.

الأمر بالسكينة

وعند الدفع من عرفات قال لهم: «أيها الناس عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع» رواه البخاري. والإيضاع: الإسراع.

النهي عن رمي جمرة العقبة حتى تطلع الشمس

في سنن أبى داود، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ، فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: «أُبَيْنِيَّ! لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ».

واللطحُ: الضرب اللين.

الأمر بالسمع والطاعة للأمير الحاكم بشريعة الله

في صحيح مسلم، عن أُمِّ الْحُصَيْنِ رضي الله عنها قَالَ سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّمْسِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ الله تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا».

الأمر باتباع السنة

ورمى من بطن الوادي وهو يقول: «لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم.

التأكيد على حرمة المسلم في خطبة يوم النحر.

خطب النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه في هذا اليوم كما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه: خطبنا صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: «أيُّ يومٍ أعظمُ حرمةً»؟ فقالوا: يومنا هذا. قال: «فأي شهر أعظم حرمة»؟ قالوا: شهرنا. قال: «أي بلد أعظم حرمة»؟ قالوا: بلدنا هذا. قال: «فإن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، هل بلغت»؟ قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد» رواه الشيخان.

 رسالة للمسؤولين: لا تخصوا أنفسكم بشيء دون سائر الناس!

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ كَانَ مَعَهُ، وَأَتَى السِّقَايَةَ فَقَالَ: «اسْقُونِي». فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا يَخُوضُهُ النَّاسُ، وَلَكِنَّا نَأْتِيكَ بِهِ مِنْ الْبَيْتِ، فَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، اسْقُونِي مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ» رواه أحمد.

التحذير من قتل المسلم

في الصحيحين قال جَرِير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «اسْتَنْصِتْ النَّاسَ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

التأكيد على القيام بأركان الإسلام

في سنن الترمذي، قال أبو أُمَامَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ «اتَّقُوا الله رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ».

قال الملا على القاري رحمه الله: “«وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرَكُمْ»، أَيِ: الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ، أَوِ الْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ، أَوْ أَعَمُّ أَيْ: كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِكُمْ، سَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانَ وَلَوْ جَائِرًا وَمُتَعَلِّيًا وَغَيْرَهُ مِنْ أُمَرَائِهِ أَوْ سَائِرَ نُوَّابِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ” [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 512)].

النهي عن أربع

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ: لَا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا» رواه أحمد.

الأمر بأداء الأمانة

ما ثبت في سنن الترمذي، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّ الله قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله، وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا». قِيلَ: يَا رَسُولَ الله وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا». ثُمَّ قَالَ: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ».

العارية مؤداة: يجب دفعها لصاحبها، فإن تلفت ولم يفرط لم يلزم بردها.

والمنحة مردودة: ما يمنح الرجل صاحبه من أرض يزرعها ثم يردها أو شاة يشرب لبنها ثم يردها.

والزعيم: الكفيل الذي يقول: علي دين فلان، فإنه يلزمه.

ما ينفي عن القلوب غلها

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: «نضر الله امرءا سمع مقالتي، فوعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىء مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم» رواه البزار بإسناد حسن وأصله عند مسلم.

قال ابن القيم رحمه الله: “أي لا يبقى في القلب غل ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غله، وتنقيه منه، وتخرجه منه؛ فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل. وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلال. فهذه الثلاثة تملؤه غلاً ودغلاً. ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه، بتجريد الإخلاص والنصح، ومتابعة السنة”.

الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه» رواه الحاكم.

الوصية بالجار

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول: «أوصيكم بالجار»، حتى أكثر، فقلت: إنه يورثه. رواه الطبراني.

أكثر كما أكثر جبريل عليه السلام لما أوصاه به، وظن أبو أمامة أنه سيجعله من الورثة كما ظن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.

نهي الغني والقوي عن أخذ الزكاة

عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا النظر وخفضه، فرآنا جَلْدَين (قويين) فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب» رواه أبو داود والنسائي.

المؤمن والمسلم والمجاهد والمهاجر

أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن فَضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم، وأنفسهم،  والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا و الذنوب».

ولا تزر وازرة وزر أخرى

عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: «ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده،  ولا مولود على والده» رواه الترمذي.

“المعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده، فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الاَخر كقوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾” [تحفة الأحوذي (6/376)].

ومعنى الآية: ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى.

البر والصلة

عَنْ أُسَامَةَ بن شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: «أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ» رواه الطبراني في المعجم الكبير.

والحمد لله رب العالمين.

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *