مقالات

أغثيوا إخوانكم المتضررين من السيول

بسم الله الرحمن الرحيم

أغثيوا إخوانكم المتضررين من السيول

جمعة: 28 محرم 1444 الموافق: 26  /8/  2022

   مهران ماهر عثمان- مسجد السلام بالطائف مربع (22)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فهذه ثلاثُ وقفات مع نكبة إخواننا في المناقل وفي غيرها، فقد غمرت المياه كما نعلم قرىً بكاملها.

الوقفة الأولى: واجبنا حيال إخواننا.

الوقفة الثانية: من المسؤول من هذه النكبة؟

الوقفة الثالثة: حكم دفع الزكاة للمنظمات التي تعنى بشراء مواد عينية للفقراء المتضررين من السيول.

أول وقفة: واجبنا حيال إخواننا

ثلاثة أمور:

الأول: أن نعزيَهم في مصابهم.

ولا خلاف بين أهل العلم في أن تعزية المصابين من أعمال البر التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الصدقة كما تكون ببذل المال، فإنها تكون بالكلمة الطيبة، فقال: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» متفق عليه.

وفي سنن الترمذي، قال جابر رضي الله عنه: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا، قَالَ: «أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أَبَاكَ»؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «مَا كَلَّمَ الله أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا (بدون حجاب). فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ». فهذا تسليةٌ من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يهوِّن بها على صاحبه جابر، ويواسيه بذلك.

الثاني: الدعاء لهم بظهر الغيب.

قال صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ» رواه مسلم.

الثالث: أن نساهم في تخفيف مصيبتهم ومحوِ شيء من آثارها بالتبرِّع لهم.

وأذكِّر بأربعة أحاديثَ من أحاديثِ سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1/ فقد روى مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ([1]) عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

2/ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ» رواه الشيخان.

قال ابن حزم في المحلى (6/ 157) – معلقا على هذا الحديث-:”ومن كان على فضلة، ورأى المسلم أخاه جائعاً عريان ضائعاً فلم يغثه، فما رحمه بلا شك”.

3/ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن لله عند أقوام نعماً، أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين، ما لم يملوهم، فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم» أخرجه الطبراني.

وفي رواية له: «إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم».

4/ عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ مُسْلِمًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أَجْرَى عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِيَّاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أحرجه الحاكم، وقال: “صحيح على شرط مسلم”، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في أحكام الجنائز: “وهو كما قالا”.

قال ابن عَلَّان الصِّدِّيقي: “ولا يعلم عدد ما في كل مرة من الذنب المغفور إلا الستار الغفور” [دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 6/ 406].

والمراد بالستر أمران: أن يستر ما كان من عيبٍ فيه، وأن يستر ما طرأ عليه مما يدل على سوء خاتمته.

والشاهد من هذا الحديث: «وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أَجْرَى عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِيَّاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يرغبنا في دفن أمواتنا ذكرنا بما في ذلك من الأجر، فبين أنه يكون للدافن أجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، كأنما أسكنت هذا المقبور في مسكن وبقي فيه إلى يوم القيامة، فكيف يكون أجرك؟!

فهذا دليل على عظيم ثواب إسكان المؤمن، وإلا لما مثَّل به النبي صلى الله عليه وسلم.

وأنتم تعلمون أنّ الذي فقد بيته وكان في العراء مع أسرته يتمنى أن يمن الله عليه بخيمة يجمع فيها أفراد أسرته ليكونوا في مكان واحد، فلنساهم في سد هذه الحاجة لإخواننا.

قيمة الخيمة بمشمعها: 135.000ج، خيمة ذات جودة عالية، سعودية الصنع، مساحتها 4 × 4 م2 ، فكل ما يجتمع عندنا من مال سنساهم به في هذا الجانب بمشيئة الله تعالى.

أيها الإخوة:

تذكرون ما كان من نكبات بسبب السيول في السنوات الماضية؟ إخواننا المنكوبين اليوم كانوا سالمين من هذا البلاء، والآن حل بهم ما حل بإخوانهم، أفنأمن أن يحُل بنا ما حل بهم؟ فينبغي أن نقف بجانبهم ليكون الله معنا في مصائبنا كلها، ما حلَّ بإخواننا قد يحُلُّ بنا، فإن كنّا في عونهم كان الله لنا.

وقد رأى القائمون على أمر منظمة درب السلام أن يتعاونوا مع إخوانهم العاملين في هذا المجال، الذين اتحدوا في كيانٍ جامع أطلقوا عليه اسمَ: تنسيقية إغاثة متضرري السيول ؛ إعمالاً لقول ربِّنا: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، فسيتم شراء هذه الخيم وتوزع بالتنسيق مع هذه المنظمات بمشيئة الله تعالى.

الوقفة الثانية: من المسؤول من هذه النكبة؟

نشر خبر بموقع الطابية بتاريخ 21 أغسطس 2022 الساعة 6:38 م جاء فيه:

حذفت وكالة الأنباء السودانية الرسمية قبل قليل، تصريحا لوزير الري ضو البيت عبد الرحمن، بعد نشره في موقعها الرسمي. وكان التصريح المحذوف أقر فيه الوزير بفتح قنوات وممرات مائية بالخطأ ما نجم عنه تدفق المياه من النيل الأزرق والخيران الرافدة، ونفى الوزير في التصريح المحذوف، الذي صورته “الطابية” سكرين شوت، تصفية مياه النيل الأزرق في المناقل كما يتداول.

وتشير “الطابية” إلى أن تصريح وزير الري ظل موجودا ضمن خبر مجلس الوزراء لفترة تجاوزت عشرة دقائق قبل أن تقوم وكالة “سونا” بحذفه من الخبر([2]).

لابد من تحقيق حول هذه القضية، ولابد من محاسبة من يقف وراء هذه الجريمة إن صح هذا الخبر. ولا أستبعد والله أن يكون الحادث متعمداً، لا أستبعد ذلك، فالكل يعلم حقيقتين لا سبيل إلى إنكارهما:

  • أن النفس في هذه البلاد أرخص من كل شيء.
  • وأن القتلةَ فيها من آمَن الناس على أنفسهم.

اذكروا لي قتيلاً واحداً اقتصَّ له! ما أكثر من قتل في بلدي، فمن من القتلة أُقيم القصاص عليه.

ومادام أن المجرم لا يلقى ما يردعه فهذا يعني وقوعَ مزيد من الجرائم! فإن من أمن العقوبة أساء الأدب.

والله الموعد!

إلى ديَّان يوم الدين نمضي ** وعند الله تجتمع الخصوم.

الوقفة الثالثة: حكم دفع الزكاة للمنظمات التي تعنى بشراء مواد عينية للفقراء المتضررين من السيول.

خلاصة الفتوى:

يجوز دفع زكاة المال للمنظمات التي ستشتري بها مواد عينية للفقراء المتضررين من السيول.

الفتوى:

هل يجوز توكيل المنظمات لتوزيع زكاة المال للفقراء المتضررين من السيول إذا كانت ستوصلها إليهم في شكل مواد غذائية وعينية؟

الجواب:

هذه المسألة تُسمى عند الفقهاء بإخراج القيمة في الزكاة.

وفيها ثلاثة أقوال:

  1. لا يجوز مطلقاً، وهو قول الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله.
  2. يجوز مطلقاً، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
  3. يجوز للمصلحة والحاجة، وهو اختيار ابن تيمية، ورواية عن أحمد في غير زكاة الفطر.

وهذا هو الصحيح.

قال ابنُ تيميَّة رحمه الله: “يجوزُ إخراجُ القِيمة في الزَّكاةِ؛ لعدم العُدولِ عن الحاجَةِ والمصلحة” [الفتاوى الكبرى 5/ 372].

وقال ابن عثيمِين رحمه الله: “يرى أكثرُ العلماءِ أنَّه لا يجوزُ إخراجُ القِيمةِ إلَّا فيما نَصَّ عليه الشَّرعُ، وهو الجُبرانُ في زكاة الإبل (شاتانِ أو عِشرون درهمًا)، والصَّحيحُ أنه يجوز إذا كان لمصلحةٍ، أو حاجةٍ، سواءٌ في بهيمةِ الأنعامِ، أو في الخارِجِ مِنَ الأرضِ” [الشرح الممتع 6/ 148].

ومنع من ذلك في زكاة الفطر [مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين 18/ 67، 73].

فأين المصلحة في ذلك؟

الجواب:

ماذا يصنع مَن أخذ السيل بيته وقريته وسوقه بالمال ولا يوجد سوق قريب منه ليشتري منه ما يحتاجه!؟ ولهذا يُشترى لهم ما يحتاجون إليه لصعوبة مباشرتهم لذلك، فهذه مصلحة تسوغ إخراج القيمة

رب صل وسلم على نبينا محمد.

[1] / “وَمَعْنَى نَفَّسَ الْكُرْبَةَ: أَزَالَهَا” [شرح النووي على مسلم 17/ 21].

 

[2] /

https://www.facebook.com/103922874492747/posts/pfbid02hgVCC2113HLLRKzCz2gc5XoJg2YihgTC3aFf82e8eGZC8st9AjZJMcvbxvVRpENZl/?sfnsn=mo

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *