ثلاثون مسألة في سجود السهو
بسم الله الرحمن الرحيم
ثلاثون مسألة في سجود السهو
مهران ماهر عثمان
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ربِّ صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، أما بعد؛ فهذه نقاط مختصرة تتعلق بسجود السهو، أسأل الله أن ينفع بها.
(1)
تعريف سجود السهو
سجدتان، يسجدهما من سها في صلاته؛ لجبر الخلل الحاصل فيها.
(2)
حكم سجود السهو.
اتَّفق العلماء على مشروعية سجود السهو.
قال ابن تيمية رحمه الله –معلقاً على بعض أحاديث سجود السهو-: “فهذه خمسة أحاديث صحيحة فيها كلها يأمر الساهي بسجدتي السهو، وهو لَمَّا سها عن التشهد الأول سجدَهما بالمسلمين قبل السلام، ولَمَّا سلَّم في الصلاة من ركعتين أو من ثلاثٍ صلَّى ما بقِيَ وسجَدَهما بالمسلمين بعدَ الصلاة، ولَمَّا أَذْكروه أنه صلَّى خمسًا سجدهما بعد السلام والكلام، وهذا يَقتضي مداومتَه عليهما وتوكيدهما، وأنه لم يدَعْهما في السهو المقتضي لها قطُّ، وهذه دلائل بيِّنة واضحةٌ على وجوبِهما، وهو قولُ جمهور العلماء، وهو مذهبُ مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وليس مع مَن لم يوجبهما حُجَّةٌ تقارب ذلك”([1]).
(3)
الحكمة من سهو النبي صلى الله عليه وسلم.
- تشريع لأمته.
- تحقّق بشريته؛ لئلا يغلو أحد فيه، ولذا قال لأصحابه بعد سجود سهوٍ مرةً: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» متفق عليه.
(4)
أسباب سجود السهو ثلاثة: النقص، والزيادة، والشك.
ويمكن أن يفصَّل فيُقال: الأسباب خمسةٌ: النقص، والزيادة، واجتماعهما، والشك الذي ترجح أحد طرفيه، والشك الذي استوى طرفاه.
(5)
إذا سجد قبل السلام مطلقاً أو بعده مطلقاً؟
قال النووي رحمه الله: “قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِلزِّيَادَةِ أَوِ النَّقْصِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَفْضَلِ”([2]).
(6)
متى يفضل أم يكون قبل السلام؟ ومتى يفضَّل أن يكون بعده؟
قال الحنفية: يكون بعد السلام مطلقاً.
وقال المالكية: إن كان بسبب نقص فهو قبلي، وإن كان بسبب زيادة كان بعدياً، وإن اجتمع في الصلاة زيادة ونقص كان قبل السلام؛ ترجيحاً لجانب النقص، ولغير ذلك يكون بعد السلام.
وهذا قول عند الشافعية، ورواية عن أحمد، واختاره ابن تيمية([3]).
وقال الشافعية: قبل السلام مطلقاً.
ولهم قول ثالث: الأمر إلى الساهي، فإن شاء سجد قبل السلام وإن شاء سجد بعده.
وقال الحنابلة في المعتمد عندهم: سجود السهو قبليٌّ كله إلا إذا نقص ركعة فأكثر، أو رجَّح ظنه الغالب في حال الشك([4]).
والراجح:
ما ذهب إليه المالكية، أما في حال الشك فالصحيح أنه إن بنى على اليقين كان قبليا، وإن بنى على غلبة الظن كان بعدياً، وهذا هو الصحيح، وسيأتي ذكر الأدلة على ذلك بمشيئة الله.
(7)
السجود بسبب نقص في الصلاة
ويكون السجود بسبب النقص قبل السلام.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بنُ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: “أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَجَدَ سَجْدَتَينِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ”. أَخْرَجَهُ السَّبعَةُ وَهَذا لَفْظُ البُخَارِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: “يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِيَ منَ الجُلُوسِ”.
فدل هذا الحديث على: أنَّ سجود السهو للنقص يكون قبل السلام، وعلى وجوب متابعة الإمام في ترك الجلوس للتشهد الأول، وإن لم يكن المأموم ناسيًا.
أحوال متابعة المأموم للإمام في حال النقص:
الحال الأولى: إذا ترك الإمام تكبيرة الإحرام؟ لم تنعقد صلاته أصلاً.
الحال الثانية: إذا ترك ركنا.
لا يتابعه المأمومون في ذلك، قال ابن باز رحمه الله: “لو ترك ركعة، جلس في الثالثة، في الظهر، والعصر، والعشاء ونبهوه ولم يقم يقومون ويخلونه، يقومون يكملون لأنفسهم”([5]).
وإذا نسي ركناً فعلى من خلفه أن يأتي به، ثم يلحق بإمامه، كما لو ترك سجدة، فيسجدها المصلي ويلحق به.
فإذا نُبِّه فيجب عليه الرجوع إلى الركن المتروك، فإن وصل إلى مكانه من الركعة التالية ألغيت السابقة، وإن لم يتذكر إلا بعد الصلاة أتى بركعة.
فهل يتابعة المأموم الذي أتى بالركن دون إمامه في هذه الزيادة التي يجبر بها الصلاة؟ لا يتابعه في ذلك.
الحال الثالثة: إذا ترك الإمام واجباً من واجبات الصلاة سهوا كالتشهد الأول: لم يجز للمأموم ترك متابعته، وإنما الواجب تنبيهه على سهوه بالتسبيح: فإن ذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه.
وإن ذكره بعد مفارقة محله، وقبل أن يصل إلى الركن الذي يليه: رجع فأتى به، ثم يكمل صلاته ويسلم، ولا يسجد للسهو.
وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه: سقط فلا يرجع إليه، فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
فإن عاد جاهلا أو ناسيا لم تبطل وإلا بطلت.
لحديث المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا شَكَّ أحَدُكمْ، فَقَامَ فِي الرَّكعَتَينِ، فَاسْتَتمَّ قَائِمًا، فَلْيَمْضِ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَلاَ سَهْوَ عَلَيْهِ» رواه أبو داود، وصححه الألباني.
فدل الحديث على أنَّه لا سجود عليه إذا رجع؛ لأنه استدرك الواجب، فأتى به، وأخذ بهذا جماعة من أهل العلم، فلم يوجبوا عليه سجود السهو، وما ذهبوا إليه هو الحق؛ لهذا الحديث.
وذهب الحنفية إلى أنَّه إن عاد قبل أن يستتم قائماً وهو إلى القيام أقرب سجد للسهو، وان كان إلى القعود أقرب لا سجود عليه في الأصح.
وذهب الحنابلة إلى: أنَّه يجب عليه سجود السهو لحركته هذه.
وفي الموسوعة الفقهية: “ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَادَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ أَنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا: نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ؛ لِلْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»”([6])
الحال الرابعة: إذا ترك سنة من سنن الصلاة، كدعاء الاستفتاح، والتعوذ، ورفع اليدين عند الركوع والرفع منه ونحو ذلك؛ عامدا كان أو ناسيا، فلا شيء عليه، ولا على من خلفه.
(8)
السجود بسبب زيادة في الصلاة
إذا زاد المصلي في صلاته سجد للسهو بعد السلام.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، «فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» متفق عليه.
وفي الحديث:
أنَّ سجود السهود بسبب الزيادة يكون بعدياً، وفيه دليلٌ على أنَّ المتابعة خطأً لا تبطل الصلاة، ولكن إذا علم بخطأ إمامه فلا يتابعه إلاَّ في التشهد الأول، وأنَّ الانصراف عن القِبلة سهوًا أو خطأً لا يبطل الصلاة، وأنَّ الكلام مع ظن إتمام الصلاة لا يبطلها([7]).
وفيه أنهم ظنوا أن حدث شيء في الصلاة؛ لذا قاموا معه صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنْهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبهٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ علَيْهَا، وَفِي القَوْمِ أبُو بكرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَهَابَا أنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فقَالُوا: أقَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَا اليَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ فَقَالَ: «لَمْ أنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ»؟ قَالَ: بلَى، قَدْ نَسِيْتَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَكبَّرَ”. مُتَّفَقٌ عليهِ، وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ. وَفي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ: “صَلاَةَ العَصْرِ”. ولأبي داوُدَ، فقَالَ: «أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ»؟ فَأَوْمَؤُوا: أَيْ نَعَمْ”. وَهِيَ فِي الصَّحِيْحَينِ، لكِنْ بِلَفْظِ: “فَقَالُوا”. وفي رِوَايَةٍ لَهُ: “وَلَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَقَّنَهُ الله تَعَالَى ذلِكَ”.
وسَرَعَان الناس: أول من يخرج بعد الصلاة منهم، وذو اليدين: الخِرْباق بن عمرو، كان في يديه طول.
ففي هذا الحديث زاد النبي صلى الله عليه وسلم سلاماً وكلاماً، فسجد بعد السلام.
قال الزرقاني رحمه الله: “(وَكُلُّ سَهْوٍ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ بَعْدَ السَّلَامِ)، كَفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ سَلَامًا وَعَمَلًا وَكَلَامًا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ”([8]).
متابعة المأموم للإمام في حال الزيادة:
قال ابنُ تيميَّة رحمه الله: “الزِّيادة في الصَّلاة لو فعلها عمدًا، بطَلتِ الصلاة بالاتِّفاق، مثل أن يزيد ركعةً خامسة عمدًا، أو يسلِّم عمدًا قبل إكمال الصَّلاة”([9]).
وقال رحمه الله: “إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن”([10]).
وعليه: فمن انتظر سجد معه، ومن فارقه لم يسجد، والعلم عند الله تعالى.
وأما من تابع إمامه في ذلك ساهياً أو جاهلاً بهذا الحكم فلا شيء عليه.
(9)
السجود بسبب اجتماع النقص والزيادة.
يسجد قبل السلام؛ ترجيحاً لجانب النقص، وهذا قول المالكية والحنابلة.
قال ابن عبد البر رحمه الله: “ومن اجتمع عليه سهوان زيادة ونقصان سجد لهما قبل السلام”([11]).
وهذا ما نص عليه ابن قدامة رحمه الله([12]).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “إذا اجتمع سببان، أحدهما: يقتضي أن يكون السجود قبل السلام، والثاني: يقتضي أن يكون السجود بعد السلام. فقيل: يعتبر ما هو أكثر، مثل لو سلم قبل تمام صلاته وركع في إحدى الركعات ركوعين، وترك التشهد الأول، فهنا عندنا سببان يقتضيان أن يكون السجود بعد السلام، وهما زيادة الركوع والسلام قبل التمام، وعندنا سبب واحد يقتضي السجود قبل السلام، وهو ترك التشهد الأول، فيكون السجود بعد السلام.
مثال آخر: رجل ركع في ركعة ركوعين، وترك قول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، فهنا اجتمع سببان للسجود قبل السلام، وهما ترك التسبيح في الركوع وفي السجود، وسبب واحد يقتضي أن يكون السجود بعد السلام، وهو زيادة الركوع، فالسجود قبل السلام.
والمذهب: يغلّب ما قبل السلام مطلقا؛ لأن ما قبل السلام جابره واجب، ومحله قبل أن يسلّم، فكانت المبادرة بجبر الصلاة قبل إتمامها أولى من تأخير الجابر”([13]).
(10)
السجود بسبب الشك الذي تساوى طرفاه.
يبني على اليقين ويسجد قبل السلام.
لحديث أَبيْ سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أثَلاَثًا أمْ أرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَح الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فَإنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لهُ صَلاَتَهُ، وإنْ كَانَ صَلَّى تَمَامًا كَانَتَا تَرْغِيمًا للشَّيطَانِ» روَاهُ مُسْلِمٌ.
والشك عند الفقهاء: تردد الفعل بين الوقوع وعدمه، ولو ترجح أحدهما على الآخر.
ومعنى تَرْغيمًا للشيطان: إلصاقًا لأنفه في الرغام، وهو التراب، والمراد: إذلاله.
ولْيَبْنِ على ما استيقن: يعتمد ما تيقن أنَّه أتى به من الصلاة، بخلاف المشكوك فيه فلا يعتبره.
قال النووي رحمه الله: “وَمَنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ بِالْإِجْمَاعِ”([14]).
(11)
السجود بسبب الشك الذي ترجَّح أحدُ طرفيه.
يبني على ما غلب عليه ظنُّه، ويسجد بعد السلام.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا شَكَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَتَحرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثَمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» مُتَّفقٌ عَليه، ولأحمد: «فَإِذَا سَلَّمَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ»، وهذه صححها محققو مسنده.
ويحمل على هذا المعنى هذا الحديث: الذي رواه أحمد في المسند، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وأحمد محمد شاكر: «مَنْ شَكَّ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعدَمَا يُسَلِّمُ»
وما سبق من تفصيل في التفريق بين الشكين هو الصحيح، وهذه من مسائل الخلاف بين أهل العلم، ففي المسألة قولان:
1/ البناء على اليقين مطلقاً، وهو قول الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة.
2/ أنه يَتحرَّى، فإنْ ترجَّح له شيءٌ عمِل به، وإلَّا عمِلَ باليقينِ، وهو الأقلُّ، وهو قول الأحناف، ورجحه الشوكاني([15])، وابن عثيمين.
ولكن الأحناف قيَّدوا ذلك بمن كثُر شكُّه.
قال ابن عثيمين رحمه الله: “أن يتردَّد؛ هل صلى ثلاثًا أو أربعًا… إمَّا أن يترجَّحَ عنده أحدُ الطرفين الزيادة، أو النقص، فيَبني على ما ترجَّح عنده، ويُتم عليه ويسجُد للسهوِ بعد السَّلام، وإمَّا أن لا يترجَّح عنده أحدُ الأمرين، فيَبني على اليقين، وهو الأقل، ويُتم عليه، ويَسجُد للسهو قبلَ السلام”([16]).
ومر معنا أن مذهب الحنابلة هو: أنَّ سجود السهو قبليٌّ كله إلا إذا نقص ركعة فأكثر، أو رجَّح ظنه الغالب في حال الشك.
(12)
الشك بعد الصلاة:
الشَّكُّ بعدَ السَّلامِ لا يؤثِّرُ في الصلاة، وهو مذهبُ الحنفيَّة، ومشهورُ مذهبِ الشافعيَّة، والحنابلة، وقولٌ للمالكيَّة.
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الظاهرَ وقوعُ الصَّلاةِ عن تمامٍ.
ثانيًا: لأنَّا لو اعتبرْنا حُكمَ الشكِّ بعدَها شقَّ ذلك وضاقَ([17]).
(13)
هل يتشهد إذا سجد للسهو بعد السلام؟
مذهب مالك وأحمد: نعم، واستدلوا بها الحديث:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ “أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ” رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
لكن: عبارة: “ثم تشهد” لا تثبت، فهي شاذة، انفرد بها أشعث بن عبد الملك الحمراني، وقد خالف غيره من الحفاظ، قاله البيهقي وابن عبد البر وابن المنذر وكثير من المحققين وحكم عليها بذلك الألباني([18]).
القول الثاني: يسلم ولا يتشهد، وهذا قول الشافعي، وقول لمالك، قال الحطاب: “والقول بعدم إعادة التشهُّد لمالكٍ أيضًا، واختاره عبد الملك”([19]). قال ابن تيمية: “فلو كان قد تشهَّد لذَكَر ذلك مَن ذَكَر أنه سجد، وكان الداعي إلى ذِكر ذلك أقوى من الداعي إلى ذِكر السلام، وذِكر التكبير عند الخفض والرَّفع؛ فإنَّ هذه أقوال خفيفة والتشهُّد عملٌ طويل؛ فكيف يَنقُلون هذا ولا يَنقُلون هذا؟!”([20]).
وهذا هو الصحيح؛ لحديث ذي اليدين، وفيه: «مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ»؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ. قَالَ محمد بن سيرين: وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَسَلَّمَ.
(14)
سهو المأموم دون الإمام
1/ إذا نسي ركناً وتذكر أثناء الصلاة
إذا نسي المأموم ركنا فلابد من الإتيان به إذا تذكره أثناء الصلاة، ثم يدرك إمامه، كما لو كان ساجداً ونسي حتى رفع الإمام وسجد، فيأتي بما فاته ويدرك إمامه، ولا يلزمه أن يسجد للسهو.
وإذا لم يستدرك الركن بطلت الركعة، فإذا سلم مع الإمام أتى بركعة كاملة.
فهل يسجد للسهو بعدها؟ لا يسجد، وهذا قول الجمهور، خلافاً للحنابلة.
2/ إذا نسي ركناً ولم يتذكر إلا بعد الصلاة
لو تذكَّر بعد الصلاة وقد نسي ركناً ولم يطل الفصل أتى بركعة، وإلا أعاد الصلاة.
3/ إذا نسي واجباً.
فلا شيء عليه. قال النوويُّ: “إذا سها خلف الإمام تحمَّل الإمامُ سَهوَه، ولا يسجُد واحد منهما، بلا خلافٍ”([21])، وخالف في هذه مكحول.
وقال ابن المنذر:” أجمعوا على أن ليس على من سها خلف الإمام سجود، وانفرد مكحول، وقال: عليه”([22]).
وفيه حديث لا يصح إسناده، وهو: عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الإِمَامُ، فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ» رَوَاهُ البَزَّارُ وَالبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ كما قال الحافظ في بلوغ المرام.
ومن الأدلة على تحمُّل الإمام لسهو من يأتمُّ به: أن الصحابة كان يقع منهم نسيان بلا شك، ولم يؤثر عن واحد منهم أنه سجد كما قال الألباني رحمه الله.
وفي موقع ابن باز رحمه الله: “أنه لا يسجد للسهو، إلا إذا كان مسبوقا فلا حرج عليه إذا سجد، لكن إذا أدرك الصلاة كلها فلا يسجد”(1).
4/ نسي بعد انقضاء ائتمامه
سهوُ المأمومِ بعدَ انقضاءِ ائتمامِه لا يَتحمَّلُه عنه إمامُه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة.
(15)
هل يسجد المأموم مع إمامه للسهو؟
1/ إذا لم يكن مسبوقاً فإنه يسجد معه قبل أو بعد السلام وإن لم يسه.
قال ابن المنذر: “أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ على المأموم إذا سها الإمام في صلاتِه وسجَد أنْ يَسجُدَ معَه”([23]).
2/ إذا كان مسبوقاً وسجد الإمام سجوداً قبلياً.
يتابعه، قال خليل بن إسحاق في المختصر: “وَالْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ الإِمَامِ قَبْلَ السَّلامِ إِنْ كَانَ لَحِقَ رَكْعَةً…. فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يَتْبَعُهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَتْبَعُهُ”.
3/ إذا كان مسبوقاً وأدرك الإمام وسجد الإمام سجوداً بعدياً.
لا يَسجُدُ معه المأمومُ، بل يَسجدُهما إذا قضَى باقي صلاتِه، وهو مذهبُ المالكيَّة، والشافعيَّة، وروايةٌ عن أحمد.
وخالف أبو حنيفة والحنابلة، قال الإمام أحمد: إذا لم يستتم قائما وسجد الإمام رجع وإلا لم يرجع بل يسجد بعد قضاء ما فاته.
(16)
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ، إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ الله» رواه الشيخان.
(17)
سجود السهو لترك سنة قول الحنابلة.
(18)
قال البُهُوتي: “ومن شك في عدد الركعات وبنى على اليقين، ثم زال شكه وعلم أنه مصيب فيما فعله لم يسجد”([24]).
(19)
إذا تعدَّدت أسباب سجود السهو في الصلاة الواحدة فلا يسجد سوى سجدتين، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وبه قال أكثرُ العلماءِ.
(20)
إنْ سهَا المصلِّي في صلاتِه، ثم سلَّم ونسِي أنْ يأتيَ بسجودِ السهوِ، وطالَ الفصلُ، سقَطَ عنه السجودُ للسِّهوِ، وهو الأظهرُ عندَ الشَّافعيَّة، ومذهبُ الحنابلة.
وإنْ لَم يَطُلِ الفاصلُ سجَدَ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة؛ لحديث ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بهم الظهرَ خمسًا، فلمَّا انصرَفَ قيل له: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ قال: «وما ذاكَ»؟ قالوا: صليتَ خمسًا، فثَنَى رِجلَيه واستقبلَ القِبلةَ، وسجَدَ سَجدتَينِ. متفق عليه.
(21)
إذا دخل مع الإمام وهو في سجود السهو البعدي؟
في صحة صلاته قولان مبنيان على أن السجود البعدي هل هو من الصلاة، أم ليس منها؟
فمن قال إنه ليس من الصلاة، بنى عليه عدم صحة صلاة المأموم، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة، وهو المرجح عند المالكية. ووجه البطلان عند الحنابلة: أنه اقتدى بالإمام في غير صلاة ؛ فلم تنعقد صلاته. ووجهه عند المالكية: أن المأموم قد زاد في الصلاة ما ليس منها.
ومن قال: إن السجود البعدي من الصلاة؛ لأنه يصح جعل البعدي قبل السلام: صحح صلاة المأموم، وهذا قولٌ للمالكية.
(22)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “إذا سَلَّم الإمام قبل تمام صَلاتِهِ، ثم قام المأمومُ المسبوق ليقضيَ ما فاته، ثم قيل للإمام: إنه بقي عليه رَكعة ، فقامَ الإمامُ ليُكملَ هذه الرَّكعة. فنقول: إنَّ المأموم انفردَ الآن بمقتضى الدَّليل الشَّرعيِّ، فهو معذورٌ في هذا الانفراد، فإذا عادَ الإمامُ لإكمال صلاته، فهو بالخِيار، إنْ شاء استمرَّ في صلاته، وإنْ شاء رجعَ مع الإمام”([25]).
(23)
هل يسجد للسهو في النافلة؟
نعم، وإليه ذهب جمهور أهل العلم قديماً وحديثاً، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» رواه مسلم. ولأن جبر الصلاة وإرغام الشيطان يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفريضة. وذهب جماعة، منهم ابن سيرين وقتادة وعطاء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أن التطوع لا سجود فيه
(24)
الشك في ترك الأركان كالشك في عدد الركعات، فيبني على اليقين الذي هو الأقل إذا لم يترجح عنده أحد الاحتمالين، ويسجد للسهو في هذه الحال قبل السلام.
وأما إذا ترجح عنده أحد الاحتمالين: فإنه يعمل به، ويبني عليه، ويكون السجود للسهو بعد السلام.
(25)
زاد الإمام ركعةً فهل يعتد بها المسبوق؟
قال ابن عثيمين: “نعم؛ لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمداً، وهذا موجب لبطلان الصلاة، أما الإمام فهو معذور بالزيادة، لأنه كان ناسياً فلا تبطل صلاته”([26]).
(26)
سها في سجود السهو!
عليه أن يتحرى فقط. قال ابن قدامة رحمه الله: “وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ… فِي سُجُودِ سَهْوٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ هُوَ إجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ”([27]).
(27)
إذا قال بدلا عن سمع الله لمن حمده “الله أكبر”؟
على القول بوجوبها يسجد للسهو، وعلى القول بأنه ليست واجبة فلا شيء يلزمه.
(28)
هل يسترشد بمن يصلي بجانبه إذا شك بعدد الركعات؟
نعم، لا حرج، وبهذا يغلب على ظنه شيء معين، فيسجد للسهو بعد السلام.
رب صل وسلم على نبينا محمد.
[1] / مجموع الفتاوى (23/ 28).
[2] / شرح صحيح مسلم (5/ 56).
[3] / الإنصاف للمرداوي (2/ 110).
[4] / ينظر لذلك: الموسوعة الفقهية الكويتية (24/ 239- 340).
[5] /
https://binbaz.org.sa/fatwas/13673/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%B2%D8%A7%D8%AF-%D8%B1%D9%83%D8%B9%D8%A9
[6] / الموسوعة الفقهية الكويتية (24/ 246).
[7] / توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/ 342).
[8] / شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 354).
[9] / منهاج السنة النبوية (5/ 200).
[10] / مجموع الفتاوى (23/ 53).
[11] / الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 229).
[12] / يُنظر: المغني (1/ 387).
[13] / الشرح الممتع (3/ 398).
[14] / شرح النووي على مسلم (5/ 63).
[15] / نيل الأوطار (3/ 138).
[16] / مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (14/ 17).
[17] / موسوعة الدرر السنية الفقهية.
[18] / إرواء الغليل (403).
[19] / مواهب الجليل (2/ 290).
[20] / مجموع الفتاوى (23/ 49).
[21] / المجموع (4/ 143).
[22] / الإجماع لابن المنذر، (ص: 40).
[23] / الأوسط (3/ 516).
[24] / الروض المــُرْبِع شرح زاد المستقنِع، (ص: 110).
[25] / الشرح الممتع ( 2/ 314).
[26] / مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/ 20).
[27] / المغني (2/ 35).


