مقالات

الحج خطوة خطوة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحج: خطوة.. خطوة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد؛

فهذه رسالة قصدتُ بها التيسير على من أكرمه الله بحج بيته الحرام، وقد جعلتها في نقاط؛ طلباً للتسهيل، وسيكون الحديث فيها عن حج المتمتع، فأقول وبالله التوفيق:

  1. بالنسبة لأهل السودان فإنهم يحرمون من جدة إن كانوا سيذهبون إلى مكة، وإن سافروا إلى المدينة فمن ذي الحُلَيفة التي يسمونها اليوم بـ (أبيار علي)، تحرم المرأة في حجابها، ويحرم الرجل في إزار ورداء بعد أن يتجرد من جميع ملابسه إلا الإزار والرداء.
  2. يحظر على الحاج بعد الإحرام: حلق الرأس، واستعمال الطيب، والجماع ومقدماته، وعقد النكاح لنفسه ولغيره، وقتل الصيد وتنفيره، والتقاط اللقطة إلا لمعرف، وقطع نبات الحرم، ولبس القميص والسراويل والخفاف والجوارب والعمائم للرجل، والنقاب والقفازين للمرأة.
  3. بعد ذلك يحمد الله، ويسبحه، ويكبره (وهذه سنة غائبة)، ثم يلبِّي ويقول: لبيك عمرة، ويجهر بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وتستمر هذه التلبية إلى أن يشرع في طواف العمرة.
  4. ثم يذهب إلى مكة للعمرة، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ضحىً، من أعلاها؛ من الحَجُون، فيدخلها من أعلاها إذا كان أرفق لدخوله، وإلا فلا يتقصده، ولا يثبت دعاء معين عند رؤية البيت العتيق، ويقدم رجله اليمنى إذا دخل ويقول ما يقوله إذا دخل غيره من المساجد، ويتجه للطواف إذا كان دخوله لحج أو عمرة أو تطوع بالطواف، لكن لو أراد مكثاً فيه أو طلبَ علم أو غير ذلك فليبدأ بركعتي تحية المسجد.
  5. صفة الطواف: أنه يبدأ بالحجر الأسود؛ يستقبله، ويشير إليه، ويكبر ([1]).
  6. يفعل هذه الثلاثة (استقبال الحجر، والإشارة إلأيه، والتكبير)، قبل كل شوط. فإذا شقَّ عليه أن يستقبله ببدنه كله فإنه يشير ويكبر ماشياً، ففي البخاري: “طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبر”.
  7. ليس للطواف ذكر خاص، بل يكبر ويسبح ويحمد ويهلل ويقرأ القرآن ويدعو لنفسه ولمن يحب، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه، وإن لم يتيسر له لم يشر إليه، ويدعو بين الركن اليماني وبين الحجر الأسود بهذا الدعاء: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾، والحديث الذي فيه دعاء: “أسألك العافية في الدنيا والآخرة” لا يثبت، ضعفه الألباني رحمه الله، فيفعل هذا في كل شوط، وكلما مر بالحجر الأسود استقبله وكبر، ومنه يبدأ طوافه وعنده ينتهي، وكلما مر بالركن اليماني استلمه إن تيسر، ولا يستلم الركن الشمالي ولا الغربي، وفي هذا الطواف يضطبع الرجل (يبدي كتفه الأيمن بجعل الرداء تحت إبطه)، ولا يضطبع إلا إذا شرع في الطواف، فإذا انتهى من الطواف أعاد الرداء وغطى به كتفيه.
  8. والسنة أن يسرع في الأشواط الثلاثة الأولى مع مقاربة الخُطا إن تيسر له ذلك وهذا هو الرَّمَل، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في عمرة القضاء لأن المشركين قالوا: أوهنتهم حمى يثرب؛ فجاؤوا ليشمتوا بهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به في الأشواط الثلاثة الأول، وكانوا بين الركن اليماني والحجر الأسود لا يفعلونه لأنهم يغيبون عن نظر المشركين. وأبقى النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر في حجة الوداع فكان الرمل من الركن إلى الركن. ولعل العلة: أن يتذكر الناس ما كان من أمر إغاظة المشركين، وهذه عبادة، وهي من مظاهر البراءة منهم. وقد قال الفاروق رضي الله عنه في سنن أبى داود: “فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله؟ مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم”. فالمشروعية ثابتة بهذا وبالسنة الفعلية في حجة الوداع. والرمل ولو مع البعد عن الكعبة أولى من الدنو منها بدونه.
  9. وبعد الشوط السابع لا يقف مكبراً مشيراً إلى الحجر الأسود. ويفعل الاضطباع والرمل في طواف العمرة سواء كانت عمرة مفردة (لا علاقة لها بالحج)، أو كانت عمرة تمتع، وفي طواف القدوم للمفرد والقارن.
  10. بعد هذا الطواف يذهب إلى مقام إبراهيم ويقرأ: ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾، ويصلي ركعتين ويجعل مقام إبراهيم بينه وبين الكعبة فإن لم يتيسر صلاهما في أي مكان من المسجد، ويقرأ في الركعتين بالكافرون والإخلاص.
  11. ثم يذهب إلى الحجر الأسود ويستلمه بدون تقبيل فإن لم يتيسر للزحام فلا يشير إليه.
  12. لو شكَّ في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف فلا يلتفت إلى هذا الشك، وإذا شك في أثنائه ففي الشك المتساوي الطرفين يبني على اليقين (الأقل)، ويبني على غلبة الظن إن ترجَّح أحدُ طرَفي الشك.
  13. ثم يسعى للحج، فيقصد الصفا ويقرأ عندما يدنو من الصفا: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ويقول: «نبدأ بما بدأ الله به»، وهذه الآية لا يكررها، بل يقرؤها إذا دنا من الصفا لأول مرة، ثم يرقى عليه، فإذا نظر إلى الكعبة قال: لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو، ثم يقول هذا الذكر، ثم يدعو، ثم يقوله ولا يدعو بعده، وينصرف إلى المروة.
  14. يركض شديدا بين العلمين الأخضرين، ثم يمشي إلى المروة، ويفعل فيه ما فعله في الصفا، وهكذا يبدأ سعيه بالصفا وينهيه بالمروة، وإذا بلغ المروة في آخر شوط لم يقف للدعاء كما فعل سابقا.
  15. يحلق شعره أو يقصره، ولابد أن يعم التقصير كل الرأس، وتنتهي العمرة بذلك، ويحل له ما كان حراماً عليه بسبب الإحرام إلا ما لا يجوز فعله في الحرم.
  16. ثم ينتظر اليوم الثامن وينشغل في هذه الأيام المباركة بالمحافظة على الفرائض والإكثار من ذكر الله تعالى.
  17. وفي يوم الثامن من ذي الحجة -وهو يوم التروية- يحرم بالحج على النحو الذي مر معنا، فيحمد الله، ويسبحه، ويكبره، ثم يلبِّي ويقول: لبيك حجاً، ثم يلبي.
  18. ويذهب ضحىً إلى منىً، ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقصر ولا يجمع.
  19. فإذا أشرقت شمس يوم عرفة انطلق إلى عرفة ولا يدخلها إلا بعد الزوال، بل يكون في نمرة، فإذا زالت الشمس وصلى مع الناس الظهر والعصر جمعا وقصراً دخل عرفة ذاكرا داعيا مسبحا إلى أن تغرب شمسها، والوقوف بعرفة أعظم أركان الحج، وعرفة كلها موقف فلا ينبغي أن يشق على نفسه بتقصد الوقوف على الجبل، ويكثر من التهليل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا بأس من أخذ شيء من الراحة في هذا اليوم إن شعر بتعب أو ملل.
  20. فإذا غربت الشمس دفع إلى مزدلفة وصلى فيها المغرب والعشاء جمعا، ويقصر العشاء، ويوتر وينام ولا يحيي هذه الليلة بقيام.
  21. ثم يأتي المسجد في المشعر الحرام ويصلي فيه، فإن لم يتيسر فمزدلفة كلها موقف، يذكر الله فيها إلى ما قبل طلوع الشمس.
  22. ثم يسير إلى منى، فإذا بلغ وادي محسر أسرع في السير، وهذا سنة، ويرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، والحصاة كحبة الفولة بين الحمص والبندق، يكبر مع كل حصاة، فإذا رمى أنهى التلبية، فإذا رماها حل التحلل الأصغر، وهذا قول المالكية، ورواية عن أحمد، ووجه عند الشافعية، وممن رجَّحه من المعاصرين الألباني، وهذا هو الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء»، وله أن يرمي هذه الجمرة ليلاً.
  23. ثم يحلق، ويطوف طواف الإفاضة (الزيارة)، ويسعى، فإذا طاف وسعى تحلل التحلل الأكبر، وحل له أن جماع امرأته.
  24. سمي هذا اليوم بيوم الحج الأكبر لكثرة ما يقع فيه من أعمال الحج، وكل ما يكون فيه من أعمال لا حرج على الحاج إن قدَّم أو أخَّر فيها.
  25. ثم يبيت في منى.
  26. وفي اليوم الحادي عشر (وهو يوم القر) يرمي بعد الزوال الجمرة الصغرى، ثم يتنحى ويدعو طويلا بقدر ما يقرأ سورة البقرة، ثم يرمي الوسطى ويتنحى جانيا يدعو بقدر ما يقرا سورة آل عمران، ثم يرمي الكبرى ولا يقف بعدها.
  27. يصنع في اليوم الثاني عشر مثل ما صنع في اليوم الذي قبله، وله أن يتعجل وينطلق إلى مكة لطواف الوداع ما لم تغرُب الشمس، فإذا غربت الشمس لزمه أن يبيت في منىً إلا إذا تأخر بغير اختياره كما لو تأخر نتيجة الازدحام، ولو تأخر إلى اليوم الثالث عشر فقد أصاب سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  28. ولا حرج في الرمي ليلا في جميع هذه الأيام.
  29. ومن لم يجد مكانا في منى بات في أقرب مكان من منازل الحجاج.
  30. ثم يطوف للوداع.

 

تنبيهات:

  1. المفرد والقارن يحرمان ولا يتحللان إلا بعد رمي الجمرة الكبرى، ويكفي القارنَ سعيٌ واحد لحجه وعمرته، ولهما أن يجعلا السعي بعد طواف القدوم، وهو أفضل، أو بعد طواف الإفاضة.
  2. يتوجه الحاج في ضحى يوم التروية إلى منىً كما مر معنا، وكثير من الحملات لا تفعل هذا، وموافقتهم لا تؤثر في الحج.
  3. كثير من الحملات تدخل إلى عرفة ليلة عرفة، أو قبل الزوال، وموافقتهم تضيِّع سنةً، لكنها لا تؤثر في الحج.
  4. بعد الإفاضة من عرفات يذهب الحجاج إلى مزدلفة، فإن كان في المخيم نساء وضعفة فلهم ولمن معهم من الأقوياء (وهذا جائز لكل حاج) أن يرموا بعد منتصف الليل، من ليلة العيد، ويذهبوا بعد ذلك للطواف.
  5. الذبح لا يباشره الحاج المتمتع والقارن اليوم، بل تقوم به جهات مختصة.
  6. أقل مدة للبيات في منىً أن يقضيَ الحاج بها أكثر الليل.
  7. من أخَّر طواف الحج أجزأه عن طواف الوداع إذا غادر بعده مكة.

والحمد لله رب العالمين.

[1] / من السنة أن يستلم الحجر الأسود في كل شوط، ومعنى يستلمه: يمسحه بيده ويقبله؛ لما رواه أبو داود في سننه،  “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِىَ وَالْحَجَرَ، فِى كُلِّ طَوْفَةٍ”، حسنه الألباني، قال نافع: “رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ”. قال النووي رحمه الله: “فيه استحباب تقبيل اليد بعد استلام الحجر الأسود، إذا عجز عن تقبيل الحجر، وهذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر، وإلا فالقادر يقبل الحجر، ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها” [شرح مسلم: 9/ 15]، وإن استلمه فلا حرج عليه أن يكبر، ويقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا استلم قال: “اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم” رواه الطبراني. والغالب ألا يتيسر ذلك، فلا ينبغي أن يزاحم عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر» رواه أحمد.

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *