
إلا رسول الله!
بسم الله الرحمن الرحيم
إلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
14 ربيع الأول 1442هـ الموافق: 29/ 10/ 2020م
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
عنوان خطبتنا هذه: إلا رسول الله!
وقد وقفتُ على قول من أنكر هذه العبارة من الناحية اللغوية والمعنوية، وقبل أن أبدأ في موضوعي في الذب عن جناب سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول:
هذه العبارة لا غبار عليها من حيث المعنى ومن حيث التركيب اللغوي.
أما من حيث المعنى فلأنه ليس مراداً لمن يقولها: أنهم لا يرضَوْن الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم يرضونها لغيره!! بل المراد: نتحمل الإساءة في أنفسنا ولا نتحملها في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن نقدر غير ذلك من المعاني التي لا غبار عليها.
وأما من حيث اللغة فلأن المستثنى منه مقدر، وإلا تأتي للاستثناء وغيره، وقد أكد بعض أهل العلم المعاصرين على أن لغة العرب تتسع لمثل هذا، وغالب استعمالات الناس للألفاظ اليوم أنهم يبتعدون بها عن وضع اللغة وقواعدها، فقد تكون خطأً في ميزان اللغة، لكنهم يقصدون بها في عرفهم معنى صحيحاً فيحاكمون إليه. فلا تشغِّبوا بارك الله فيكم على هذه الحملة التي تهدف إلى الذب عن عرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المؤمن لا يرضى أن يُساءَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثبت عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: “بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ (أُخبرت، لم يسمع بنفسه! فكيف لو سمع الإساءة إليه بنفسه؟!) أنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا. قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا قَالَ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ»؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا»؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ»، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ” رواه البخاري ومسلم.
وهذا حديثان يوضحان كيفية تعامل الصحابة مع من سبَّ نبينا صلى الله عليه وسلم:
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ: “أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دَمَهَا” رواه أبو داود، وصحح إسناده الألباني في [إرواء الغليل 5/ 91].
قال أهل العلم: هذه المرأة يهودية، واليهود عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا نقضت الكافرة عهدها ولم تقاتل فإنها تسترق ولا تقتل، فالمرأة الكافرة لا يجوز قتلها إلا إذا قاتلت كما هو مشهور في النصوص الشرعية، فيدل هذا على أن قتلها ليس للكفر وإنما للإيذاء الحاصل منها.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَنْشُدُ الله رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ». فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» رواه أبو داود.
وهذا الحديثان يدلان على وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم
ولا خلاف في هذه المسألة، ومن الأدلة غير ما سبق:
3/ حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَف؛ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» رواه البخاري ومسلم.
ومن الأدلة:
4/ حديث القَيْنَتَيْنِ اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة بقتلهما ولم يعطهما ما أعطى غيرهما من الأمان [مغازي الواقدي 2/ 859 – 860]، و[سيرة ابن هشام 4/ 52].
قال ابن تيمية رحمه الله: “فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النسوة اللاتي كن يؤذينه بألسنتهن بالهجاء، مع أمانه لعامة أهل البلد، ومع أن قتل المرأة لا يجوز إلا أن تفعل ما يوجب القتل، ولم يستتب واحدة منهن حين قتل من قتل، والكافرة الحربية من النساء لا تقتل إن لم تقاتل، والمرتدة لا تقتل حتى تستتاب، وهؤلاء النسوة قتلن من غير أن يقاتلن ولم يستتبن، فعلم أن قتل من فعل مثل فعلهن جائز بدون استتابة، فإن صدور ذلك عن مسلمة أو معاهدة أعظم من صدوره عن حربية” [الصارم المسلول 3/ 643].
5/ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقُلْتُ: أَقْتُلُهُ؟ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رواه النسائي.
هل تقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم؟
تُقبل ديانةً لا قضاءً، فتنفعه توبته في الآخرة، أما في الدنيا فلابد من قتله وإن تاب؛ فإن من المعلوم أن من له حق المسامحة عن الإيذاء هو الذي أوذي وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد توفي فليس لأمته أن تسامح في حقه بدلا عنه.
“قال عياض: من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو دينه أو نسبه أو خصلة من خصاله، أو عَرَّضَ به، أو شبَّهه بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه؛ تصريحاً كان أو تلويحاً، وكذلك من نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم، ومشهور قول مالك في هذا كله أنه يقتل حداً لا كفراً، لهذا لا تُقبل توبته، ولا تنفعه استقالته وفيئته” [التاج والإكليل لمختصر خليل: 2/ 285-286].
وفي التلقين في الفقه المالكي لعبد الوهاب بن علي الثعلبي: (2/ 506) “ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ولم تُقبل توبته”.
“قال أحمد: لا تُقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا من قذف نبياً أو أمَّه؛ لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر” [منار السبيل 2/ 360].
وهذا نقل عن الشافعية.
قال ابن حجر رحمه الله: “ونقل أبو بكر أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يَسقط عنه القتل؛ لأن حدَّ قذفه القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة… فقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلماً” [فتح الباري 12/ 281].
ومن هذه النقول:
“وقال الليث في المسلم يسب النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا يُناظر ولا يُستتاب ويُقتل مكانه” [أحكام القرآن للجصاص الحنفي 4/ 275].
ما أعظمَ أجرَ من ذبَّ عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم!
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ» رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْههِ النَّارَ يَوْم الْقِيَامَة» رواه أحمد والترمذي.
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ فِي الْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ» رواه أحمد.
وقوله: «في الغيبة»، أي: حال غيابه.
فهذا في آحاد المؤمنين، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقولون: أميتوا الباطل بالسكوت عنه!
يقول بعض الناس: ألا يسعُنا أن لا نلتفت إلى هذه الإساءات؛ لقول الفاروق رضي الله عنه: “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”؟!! والمشركون كانوا ينظمون القصائد في هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد عليهم أحد!!!
والجواب من وجوه:
أولاً:
قولهم: قال الفاروق رضي الله عنه: “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”، هذه فرية على أمير المؤمنين عمر، فلم يقل ذلك أبداً.
ثانياً:
الذي ورد عن عمر فى كتاب الخراج لأبي يوسف وكتاب الحلية لأبي نعيم، قوله: “إن لله عباداً يميتون الباطل بهجرة، ويحيون الحق بذكره”. وفرق بين من لا يفعل الباطل، وبين من يراه ويسكت! فالأول هو الذي مدحه الفاروق رضي الله عنه.
ثالثاً:
قولهم: المشركون كانوا ينظمون القصائد في هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد عليهم أحد، هذا افتراء عجيب! فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم له شاعر يذب عن عرضه ويهجو المشركين، وهو حسان بن ثابت رضي الله عنه، وهو الذي قال له حاثاً على ذلك: ««اهْجُهُمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» رواه الشيخان. وكان في الصحابة غير حسان من يقوم بذلك؛ كعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهما.
رابعاً:
الباطل الذي ينكر سراً هو الذي لم ينتشر، أما ما انتشر وعرفه الناس فلابد من الجهر بإنكاره، فهذا ما جاءت به النصوص.
ومن الأدلة على ذلك: أن قوم بريرة لما أرادوا أن يكون الولاء لهم صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا، لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ» رواه البخاري.
وفي الصحيحين، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرٍ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».
إلا تنصروه فقد نصره الله
قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ [التوبة: 40].
والآية شاهدة على أن خذلان بعض الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يضرون به أنفسهم، فإن الله تعالى ناصر نبيه ودينه، والسعيد من استعمله ربه في ذلك.
ومن سبل هذه النصرة في هذه الأيام: مقاطعة منتجات هذه الدول التي تسيء إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.
مقاطعة المنتجات الفرنسية
لابد من التنبيه إلى أن مقاطعة منتجات الدول التي تسيء إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دينٌ نتقرب به إلى الله تعالى، وهذه المقاطعة دلت على مشروعيتها نصوص، منها:
1/ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: 88].
وهي تدل على أن إضعاف الباطل يبدأ بإضعاف اقتصاده، وهذا مما لا يختلف عليه اثنان.
2/ قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ﴾ [يوسف: 59، 60].
وهي دليل على أن المقاطعة طريقة الأنبياء.
3/ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ؛ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟! قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري ومسلم.
وقد أقره النبي صـلى الله عليه وسلم على منع الحنطة.
وقوله: صَبَوْتَ، أراد: خرجت من الدين الحق إلى الدين الباطل، وأصله في اللغة الخروج من دين إلى دين.
وقد بينت بعض الروايات أنَّ ثمامة خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي صـلى الله عليه وسلم: إنَّك تأمر بصلة الرحم. فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين ما حمل إليهم [انظر فتح الباري 8/ 88].
قال السعدي رحمه الله: “ومقاطعة الأعداء بالاقتصاديات والتجاريات والأعمال ركن من أركان الخهاد” [فضل الجهاد في سبيل الله، ص107].
ومقاطعة فرنسا هدفها الأساسي -الذي ينبغي ألَّا يغيب عن أذهاننا- هو:
- كفُّ رئيس فرنسا المعتدي عن تشجيعه للاستهزاء برسول الله صـلى الله عليه وسلم، والتضييق والإيذاء على المسلمين في فرنسا.
- ردع من يرغب في السير على طريق فرنسا في أمر الاستخفاف بنبينا صلى الله عليه وسلم.
- بيان قدرة المسلمين في كافة أنحاء الأرض على التوحُّد رغم الحدود مصطنعة، والحكومات العميلة الهزيلة التابعة للشرق والغرب.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73].
ومعنى الآية: والذين كفروا بالله يجمعهم الكفر، فيناصر بعضهم بعضًا، فلا يواليهم مؤمن، إن لم توالوا المؤمنين وتعادوا الكافرين تكن فتنة للمؤمنين حيث لم يجدوا من يناصرهم من إخوانهم في الدين، ويكن فساد في الأرض عظيم بالصد عن سبيل الله.
فهل لهذه المقاطعة جدوى؟
لا ريب في ذلك، وهذا حجم الصادرات الفرنسية للدول الإسلامية في 2019م، فقد بلغت 46 مليار دولار كانت على النحو التالي:
- تركيا: 6.66 مليار دولار
- الجزائر 5.5
- المغرب 5.3
- قطر 4.3
- تونس 3.7
- السعودية 3.3
- مصر 2
- اندونيسيا 1.7
- ماليزيا 1.6
- وباقي الـ 46 مليار موزع على العديد من الدول.
ولا ينبغي أن يقال: لا تجوز المقاطعة إلا بأمر ولي الأمر!
ويجاب عن هذا: بأن العلماء من ولاة الأمر، فإِذا قاموا بما عجز عنه حاكم أو قصَّر فيه من فروض الكفايات فقد أحسنوا، فكيف إذا كان الواجب الذي وقع فيه الخلل هو الدفاع عن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو من فروض الأعيان؟! وعدم إذن ولي الأمر أو عدم أمره بمقاطعة البضائع الفرنسية لا يجعل المقاطعة محرمة ولا ممنوعة شرعًا، كما أن إذنه ببيع المحرمات كالخمر والميتة وغيرها لا يبيحها ولا يحلها لمسلم!
لابد من أن تعي فرنسا أنه إذا كانت الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حريةً فإ، حريتنا تدعونا إلى مقاطعة منتجات من يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما أحسن ما قالته زعيمة ألمانيا رداً على استعطاف ماكرون لدول أوربا: “حرية التعبير لا تتضمن نشر الكراهية، وتقف عند حدود الإساءة وانتهاك كرامة الآخرين، ومن يتجاوز ذلك فسنقف ضده”!
إذا كان الرئيس الفرنسي يرى ألا شيء يجعله يتراجع عن دفاعه عن انتشار الرسوم المسيئة المعلقة في بنايات فرنسا بحجة الحرية، فليعلم أن من حق المسلمين الذين اختاروا مقاطعتهم ألا يتراجعوا عنها أبداً حتى يتراجع عن ذلك.
أرأيت أيها المسلم: لو أن صاحب متجر سبَّ أباك أو أمك ووضع رسوماتٍ لهما في متجره، فهل ستقول: لن أقاطعه وسأشتري منه لأن شتمه لا يضر أبي وأمي؟!! هل ستقول: بضائعه حلال وليست حرام أن أشتريها؟!! هل ستقول: ما جدوى مقاطعتها وكل الجيران يشترون منه؟!!!
احذروا من هذا المدخل الشيطاني
إياك أيها المسلم أن يُقْعِدك عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيطان من شياطين الإنس أو الجن بقوله: أنت مذنب مقصر، فهل ينصر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم المذنبون!؟ الجواب: نعم، ينصرونه، ويرجون من الله أن يغفر لهم تقصيرهم بنصرته.
كلنا مذنبون مقصرون، لكنا لا نرضى أن يساء إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم رضانا بذلك سبب من أسباب مغفرة الله لذنوبنا. في صحيح البخاري، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
من جميل ما قيل حول هذه الحادثة
هذه منشورات لبعض الفضلاء تتعلق بحادثة الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه:
“وزير الخارجية البريطاني يدعو حلف شمال الأطلسي أن يتضامن مع فرنسا للدفاع عن حرية التعبير، ونحن بدورنا ندعو حلف محمد أن يتضامنوا للدفاع عن دينهم وعرض نبيهم ﷺ، وعدم قبول أي انتقاص أو استهزاء لهم، ونؤكد على مواصلة المقاطعة”.
“أستغرب من البعض عندما يسأل عن كيفية مواجهة الإساءة للنبي ﷺ فيقول: بمحبته واتباع سنته..الخ!! محبة النبي ﷺ واتباعه شرط للإيمان، وليس حلاً لمواجهة الإساءة! هذا في حقيقته إطفاء لجذوة الحماس لدى الناس، وتخذيل عن الدفاع عن النبي ﷺ، فكأنه يقول:كن كما أنت ولا تزد على ذلك، اتقوا الله”!
“شُكراً ماكرون، بغبائكَ جدَّدتَ حرارة الإيمان فينا، وجمعتنا خلفَ نبيِّنا، وذكَّرتنا أنَّ عقيدتنا عابرة لحدود سايكس بيكو التي رسمتموها لنا، فتكلمنا جميعاً كلمةً واحدة: إلا رسول الله”.
“لقد سب السفهاء نبينا ﷺ واعتدوا على جنابه العالي، ونالوا من شريعته الخاتمة: الإسلام، وأمته خير أمة أخرجت للناس، فما سمعنا لأرباب الديانة الإبراهيمية صوتا يستنكر! ولا رأينا لهم تشريعاً أو قانونا يجرم أو يحظر! فهل هذا السباب والعدوان من شعائر تلك الديانة الكفرية الآثمة”؟!
“كشفت الأحداث في السنوات الأخيرة إلى أي دركة هابطة وصلت بعض الحكومات العربية في عدم الاكتراث بدين الأمة ودمائها، ويكشف موالاتها لأعدائها؛ فإن السكوت عن الإساءات الفرنسية الأخيرة؛ بل وتسويغها تارة ومحاربة ردة الفعل الشعبية والتشكيك فيها تارة أخرى-يسقطها أمام شعوبها”!!
شكراً لكم
شكراً للمعلق الرياضي العُماني خليل البلوشي وهو يبدأ تعليقه على مباراة بقوله: “نبدأ بالصلاة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم”، ثم قال: “والله والله لا خيرَ فينا إن لم نقف اليوم لندافع عن رسول الله محمد، لا خير فينا إن لم نستغل منابرنا للدفاع عن ديننا وهم يستغلون منابرهم”.
شكراً للفنانة التشكيلية السودانية “كمالا إبراهيم” وهي ترفض وساماً فرنسياً احتجاجاً على موقف الرئيس الفرنسي من الإساءة لرسولنا صلوات الله عليه، وقد أبلغت السفارة الفرنسية بقرارها.
شكراً لفضلاء الكويت الذين بدؤوا حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية وتابعهم كثيرون على ذلك.
رب صل وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

