
فقه الأضحية
بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الأضحية
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذه جمل عن الأضحية، أسأل الله أن ينفع بها.
تعريف الأضحية
ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام النحر تقرُّباً إلى الله تعالى.
مشروعية الأضحية
الأضحية مشروعة بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالإجماع.
قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:2]، وبالسنة النبوية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين كما في الصحيحين، وبالإجماع، وممن نقله ابن قدامة رحمه الله([1]).
فضل الأضحية
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
أي: ومن يمتثل أمر الله ويُعَظِّم معالم الدين، ومنها أعمال الحج وأماكنه، والذبائح التي تُذْبح فيه، والأضاحي، فهذا التعظيم مِن أفعال أصحاب القلوب المتصفة بتقوى الله وخشيته.
وعن البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عنه: قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن ذبَحَ قبل الصَّلاةِ فإنَّما يذبحُ لنَفْسِه، ومَن ذَبَحَ بعد الصَّلاةِ فقد تَمَّ نسُكُه وأصاب سُنَّةَ المُسْلمينَ» رواه الشيخان.
حكم الأضحية
الصحيح أنها سنة مؤكدة، وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة، وقول أكثر أهل العلم.
والقول بالوجوب على المقيم الموسر قولُ الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ومال إليه ابن تيمية رحمه الله([2]).
وليس في الباب حديث صريح يدل على وجوبها، ولو كانت واجبةً لما تركها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؛ كراهة أن يُقتدى بهما، والأثرُ عند البيهقيِّ بإسنادٍ صحيحٍ، وليس صحيحاً حديث: «على كل أهل بيت في كل عام أضحية»، وليس صريحاً حديث: «من وجد سعةً ولم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلانا»، والوجوب لا يثبت إلا بدليل صحيح صريح.
ومن أدلة الجمهور:
حديث أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا دخَلَت العَشْرُ، وأراد أحَدُكم أن يضَحِّيَ؛ فلا يَمَسَّ مِن شَعَرِه وبَشَرِه شيئًا» رواه مسلم.
ووجه الدلالة: أنه علق الأضحية بالإرادة، ولو كانت واجبةً لما علقها بالإرادة([3]).
ومن أدلتهم:
حديث عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بكبشٍ أقرَنَ، يطَأُ في سوادٍ، ويَبْرُكُ في سوادٍ، وينظُرُ في سوادٍ؛ فأُتِيَ به ليُضَحِّيَ به، فقال لها: «يا عائشةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ». ثم قال: «اشْحَذِيها بحَجَرٍ»، ففَعَلَتْ: ثمَّ أخَذَها وأخَذَ الكَبْشَ فأضجَعَه، ثم ذبَحَه، ثمَّ قال: «باسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تقبَّلْ مِن محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، ومنْ أمَّةِ محمَّدٍ». ثم ضحَّى به. رواه مسلم.
فأضحية النبي صلى الله عليه وسلم تجزئ عن كل من لم يضح سواء كان مستطيعا أم لا.
ووجه الدلالة من الحديث: “أَنَّ تَضْحِيَتَهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمَّتِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ تُجْزِئُ كُلَّ مَنْ لَمْ يُضَحِّ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ”([4]).
ومن الأدلة على ذلك هذه الآثار:
ما ثبت عن حُذيفةَ بنِ أُسَيدٍ، قال: “لقد رأيتُ أبا بكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما وما يُضَحِّيانِ عن أهلِهما؛ خَشْيَةَ أن يُسْتَنَّ بهما” رواه الطبراني([5]).
وقال عِكْرَمةُ: “كان ابنُ عبَّاسٍ يبعَثُني يومَ الأضحى بدرهمينِ أشتري له لَحْمًا، ويقول: مَن لَقِيتَ فقل: هذه أضْحِيَّةُ ابنِ عبَّاسٍ” رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار.
وعن أبى مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: “إنِّي لأَدَعُ الأضحى وإنِّي لمُوسِرٌ؛ مخافةَ أن يرى جِيراني أنَّه حَتْمٌ عليَّ” رواه البيهقي([6]).
الحكمة من الأضحية
شرعت الأضحية لحكم عظيمة، منها:
1 / التأسي بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.
2 / الفرح بالعيد.
- / التوسعة على الأهل.
- / مشابهة الحجيج في بعض مناسكهم.
- / التمتع بنعمة الله بالأكل منها.
- / رجاء ثواب الله بالصدقة منها.
- / التودد إلى عباد الله بالهدية.
شروط الأضحية
للأضحية أربعة شروط:
1/ أن تكون من بهيمة الأنعام.
وهي: الإبل، والبقر، والغنم. والغنم يشمل الضأن والماعز. قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: “والذي يُضَحَّى به بإجماعٍ مِنَ المسلمينَ الأزواجُ الثمانيَّة: وهي الضَّأن والمَعْزُ، والإبِلُ والبَقَرُ”([7]).
2/ أن تخلو من العيوب.
وقد وردت هذه العيوب في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أربع لا تجوز في الضحايا: العوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والعَرْجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعَجفاءُ التي لا تُنْقِي([8])» أخرجه مالك وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
وهذه العيوبُ المنصوص عليها يُقاس عليها مثلُها قياس مساواة، وما كان أعظمَ منها قيس عليها قياس أولوية.
فالعمياء والكسيرة أولى بعدم الإجزاء من العوراء والعرجاء، والعَرَج المانع ما أخَّرها عن قطيعها، وما دون هذه العيوب فلا يمنع من الأضحية بها.
3/ بلوغ السن المعتبرة شرعاً.
قال النووي رحمه الله: “أجمعت الأمَّةُ على أنَّه لا يُجزِئُ مِنَ الإبلِ والبقَرِ والمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ، ولا مِنَ الضَّأْنِ إلَّا الجَذَعُ”([9]).
والثَّنِيُّ من الإبل ما أتمَّ خمس سنوات، ومن البقر سنتين، ومن المعز سنةً والجَذَعة من الضأن ما أتم ستة أشهر([10]).
4/ أن يقع الذبح في الوقت المحدد.
بداية وقت الذبح
من بعد صلاة العيد، فعن جُنْدَبَ بنِ سُفيانَ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ضَحَّيْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أضْحِيَّةً ذاتَ يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضحاياهم قبلَ الصَّلاةِ، فلما انصَرَفَ رآهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم قد ذبَحوا قبل الصَّلاةِ، فقال: «من ذَبَحَ قبل الصَّلاةِ فلْيَذْبَحْ مكانَها أخرى، ومَن كان لم يَذْبَحْ حتى صَلَّيْنا فلْيَذْبَحْ على اسْمِ اللهِ» رواه الشيخان. وفي رواية لهما: «من ذبح قبل الصلاة فليُعد».
ولهما عَنِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: «إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ».
قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: “أجمعوا على أنَّ الذبحَ لأهل الحَضَر لا يجوزُ قبل الصَّلاة”([11]).
ومن كان بمَحَلٍّ لا تُصلَّى فيها صلاةُ العيدِ كأهلِ البوادي: إلى بعد طلوع الشمس إلى أن يمضي وقت يكفي لصلاة العيد، وهذا مذهب الحنابلة([12]).
وليس شرطاً أن يذبح الإمام قبل من صلى معه.
نهاية وقت الأضحية.
يستمر وقت الأضحية إلى اليوم الثالث عشر (رابع أيام العيد) على الصحيح، وهذا مذهب الشافعية([13])، والحنابلة([14])، وهو اختيار ابن تيمية، قال رحمه الله: “وآخِرُ وقتِ ذَبحِ الأُضْحِيَّة آخِرُ أيَّامِ التشريق”([15]).
ودليلهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ أيامِ التشريق ذَبْحٌ» رواه أحمد، وهو في صحيح الجامع.
وعن نُبَيْشةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرٍ للهِ عَزَّ وجَلَّ» رواه مسلم. فهذه الأيام الثلاثة تَختص بكونها أيام منىً، وأيام التشريق، وأيام تكبير، وأيام أكل وشرب، ويحرم صيامها، فكيف تَفْتَرِقُ في جوازِ الذَّبحِ بغيرِ نَصٍّ ولا إجماعٍ؟!
ويجوز أن يكون الذبح في هذه المدة في أيِّ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ، وجواز التضحة ليلاً قول الحنفية والشافعية ورواية عن الحنابلة، والدليل حديث: «كل أيام التشريق ذبح»، واليوم يشمل الليل والنهار([16]).
أفضل يوم للأضحية
يوم النحر؛ فإنه آخر الأيام التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحب إلى الله من هذه الأيام».
الأضحية بالأنثى من بهيمة الأنعام
الأضحية بالأنثى لا بأس بها. قال النووي رحمه الله: “فشرط الأضحية أن تكون من الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، سواء الذكر والأنثى من جميع ذلك”([17]).
الأضحية بالبهيمة الحامل
الأضحية بالحامل جائزة عند الجمهور، وخالف في ذلك الإمام الشافعي رحمه الله. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية([18]) “ولم يذكر جمهور الفقهاء الحمل عيباً في الأضحية خلافاً للشافعية”.
فإذا خرج ولدها ميتاً فذكاته ذكاة أمِّه أشْعَرَ ولدُها أم لم يشعر، وإذا خرج حيا ذُبح”([19]).
ما حكم تقليم الأظافر وحلق الشعر لمريد الأضحية؟
هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:
الأول: التحريم؛ لأنه ورد نهي عن ذلك، والأصل أن النهي للتحريم، وهذا قول الظاهرية، ورواية عن أحمد، رحمهم الله. قال ابن حزم رحمه الله: “وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ، لَا بِحَلْقٍ، وَلَا بِقَصٍّ وَلَا بِنُورَةٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ”([20]).
الثاني: الكراهة، وهذا قول مالك والشافعي، ورواية عن أحمد، رحمهم الله؛ لقول عائشة رضي الله عنها: “كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم يبعث بها وما يمسك عن شيء، مما يمسك عنه المحرم، حتى ينحر هديه» متفق عليه، وهذا وقع قبل حجة الوداع، فقد أرسل هديه صلى الله عليه وسلم وبقي في المدينة ، ولم يمتنع عن شيء يمتنع المحرم منه.
الثالث: الإباحة، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
والراجح: القول الثاني؛ فبه يجتمع الدليلان؛ فالنهي للكراهة، وعدم الكفِّ عن ذلك منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
ما هي الحكمة من كراهة أن يأخذ المضحُّون شيئاً من أشعارهم وأبشارهم؟
قال النووي رحمه الله: “قال أصحابنا: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار. وقيل: التشبه بالمحرم. قال أصحابنا: هذا غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم”([21]).
هل يكره لأهل المضحي ووكيله أخذ شيء من الشعر بعد دخول ذي الحجة؟
لا، إنما يكون ذلك في حق صاحب الأضحية فقط.
هل الأضحية مشروعة للحاج؟
يجب الهدي على الحاج المتمتع فقط على الصحيح، وقيل: يجب على المتمتع والقارن، ومن أراد من الحجاج أن يضحي لأهله وهو في الحج فلا شيء في ذلك.
الأضحيَّة أفضل أم التصدُّق بثمنها؟
الأضحية أفضل من التصدق بثمنها بلا ريب.
قال ابن القيم رحمه الله: “الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد، كالهدايا والأضاحي؛ فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود؛ فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: ﴿فصل لربك وانحر﴾ [الكوثر: 2]، وقال تعالى: ﴿قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾ [الأنعام: 162]، ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما، ولهذا لو تصدَّق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه، وكذلك الأضحية”([22]).
ولو كان التصدق بثمنها أفضل لفعل ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولو عدل الناس إلى ذلك لتعطَّلت سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللأضحية زمان معين تفوت بفواته بخلاف الصدقة.
ولمَ نفترضُ التعارض بين هاتين العبادتين؟!! أين الإشكال في الجمع بينهما؟ ألا يمكن أن يضحي الإنسان ويتصدق ببعض أضحيته أو بغيرها؟!
إن العجب لا ينقضي من قوم من بني علمان، كلما جاء وقت الحج أو الأضحية صدَّعوا رؤوسنا بهذه الشعارات: لقمة في بطن جائع خير من عبادة كذا وكذا! لقمة في بطن جائع خير من بناء جامع!! فإذا تعلَّق الأمر بحفل غنائي، أو احتفال بكريسمس ورأسِ سنةٍ فلا تسمع لهم ركزا!! أين هذه الشعارات من المليارات التي تُنفق في الحفلات وإنتاج الأفلام المفسدة وفيما لا نفع فيه؟! تريلون دولار أنفقت في بعض الأعوام في احتفالات رأس السنة ولم نسمع لهؤلاء صوتاً!! ثم من قال لكم: إن هؤلاء الذين يضحون ويحجون لا يتصدقون!! لماذا تفترضون افتراضات باطلة في أدمغتكم المريضة ثم تحاكمون الناس بها؟! قطع الله دابرهم، وأراح منهم العباد والبلاد.
تجزئ شاة أو سبع بدنة عن أهل البيت الواحد
تجزئ الشاةُ عن أهل بيت واحد، وأما الإبل أو البقر فعن سبعة، ثبت عن جابر رضي الله عنه، قال: “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج: فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة” رواه مسلم.
وثبت عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: “كنَّا معَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ في سفرٍ، فحضرَ الأضحى، فاشترَكنا في الجزورِ عن عشرةٍ، والبقرةِ عن سبعةٍ” رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ففي قول أكثر أهل العلم: تجزئ البقرة ويجزئ البعير عن سبعة.
وقال ابن حجر رحمه الله: “وأما حديث ابن عباس: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة تسعة وفي البدنة عشرة، فحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان وعضده بحديث رافع بن خديج هذا، والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبعة، ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك”([23]).
من هم أهل البيت الواحد؟
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: “يحتمل أن المراد أقاربه الرجال والنساء. ويحتمل أن المراد بأهل البيت هنا: ما يجمعهم نفقةُ مُنفِقٍ واحد ولو تبرعا. ويحتمل أن المراد به ظاهره: وهم الساكنون بدار واحد، واتحدت مرافقها، وإن لم يكن بينها قرابة، وبه جزم بعضهم، لكنه بعيد”([24]).
هل يكتفي من له أكثر من زوجة وبيتٍ بشاة واحدة؟
من كانت له أكثر من زوجة فيكفيه أن يذبح بهيمة واحدة، “قال القرطبي: لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل واحدة من نسائه بأضحية مع تكرار سني الضحايا ومع تعددهن، والعادة نقل بنقل ذلك ، كما وقعها في ذلك من الجزئيات ، ويؤيده ما أخرجه مالك وابن ماجه والترمذي وصححه من عطاء ، قال: سألت أبا أيوب: كيف كانت الأضحية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون”([25]).
وقال ابن القيم رحمه الله: “وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، ولو كثر عددهم”([26]).
إذا طرأ عيب على الأضحية بغير تفريط
أجزأت، ولا يلزمه شراء غيرها.
الدين للأضحية والأضحية بالأقساط
إن استدان للأضحية وكان لدينه وفاء فلا بأس، وكذلك إن بيعت له على أقساط فلا حرج. وسداد الدَّين الذي حلَّ أجله أولى من الأضحية، ولا ينبغي أن يستدين إذا كان السداد يشقُّ عليه.
الأضحية بالهدية
الهدية سبيل من سبل تملك المال، فلا ريب في مشروعية التضحية بما أُهدي إليك من بهيمة الأنعام.
وهاهنا تنبيه: أنَّ مَن أرسل إلى وكيله ليذبح عنه فلا يجور له أن يأخذ المال؛ لأنه موكَّلٌ بالأضحية، فالموكِّل يريد الأجر له، واللحم لوكيله. وأما إذا أهداه شاةً فله أن يضحي بها، أو أن يبيعها، أو يهديها إلى غيره؛ لأنه تملكها فيتصرف فيها كما يشاء، كذلك لو أرسل إليه ثمنها هديةً، فله أن يجعله في الأضحية أو في غيرها.
ما المقدر الذي يتصدق به من الأضحية؟
يأكل المضحي من الأضحية، ويدخر، ويهدي، ويتصدق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ ؛ لِيَتَّسِعَ ذُو الطَّوْلِ عَلَى مَنْ لا طَوْلَ لَهُ ، فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا» رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم في الأضاحي: «فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا» رواه مسلم.
والقول بوجوب التصدق بشيء منها هو مذهب الشافعية والحنابلة.
قال النووي رحمه الله: “يجب التصدق بقدرٍ ينطلق([27]) عليه الاسم؛ فَعَلَى هَذَا، إِنْ أَكَلَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ”([28]).
ولا دليل على ذلك.
التصدق بشيء من الأضحية على غير المسلمين
لا حرج في التصدق بشيء من الأضحية على غير المسلمين، قال تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ [الممتحنة: 8].
إعطاء الجزار من الأضحية
في السنة نهيٌّ عن إعطاء الجزَّار شيئًا منها كأجرة أو كجزءٍ من الأجرة، لكن لو استوفى حقه كاملاً ثم أُعطي منها نافلةً فلا حرج، وضابط هذا: أنه لو حُرم من المقدار الذي بُذل إليه لم يرَ أنه مُنع من حقٍّ له. ثبت عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: “أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ مِنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا”. قَالَ: “نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا” رواه الشيخان.
بيع جلد الأضحية
لا يجوز بيع جلد الأضحية، قال ابن عثيمين رحمه الله: “لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعيَّن لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه. والمشروع هو الانتفاع به أو التصدق به على فقير أو إهداؤه. ولو تصدق المضحي بالجلد على فقير، فباعه الفقير، فهذا مما لا حرج فيه”.
الأضحية والعقيقة
إذا ذبح شاة للعقيقة والأضحية أجزأ، وهو قول الأحناف، ورواية عن أحمد، وبه قال الحسن البصري، ومن المعاصرين الشيخ: محمد بن إبراهيم، رحمهم الله جميعاً.
من آداب الذبح
1/ أن يريح الذابح ذبيحته.
2/ أن يشحذ السكين.
3/ أن يسرع بإمرارها.
4/ ألا يمكِّن البهيمة من رؤية أختها وهي تذبح.
5/ ألا يستعجل كسر رقبتها أو سلخها.
6/ أن يتوجه بها إلى جهة إلى القبلة.
ومن رحم بهيمة عند ذبحها رحمه الله كما في مسند أحمد.
الدم المسفوح نجس
فلا يُجعل بعض دمها في باب بيته، أو على جباه صغاره!
من صور البِّر قبل عيد الأضحى
إنَّ من البر التخفيفَ على الوالد الذي لا يجد ثمن الأضحية وقد عكَّر صفوَ حياته الفقر والعدمُ، وهو يريد شراءها ليدخل الفرحة عليهم بها، فلو خفَّف أولاده عنه بكلام طيب لكان هذا بابا عظيما من أبواب البر.
وليس خافياً أنَّ من ضحَّى ولم يضحِّ والدُه لعدم استطاعته فقد فاته قَدْرٌ من البرِّ كبيرٌ! وماذا عليه لو آثر والده بأضحيته، واجتمع وولده عنده فأكلوا معه وأدخل الفرحة عليه بذلك؟!
الذبح عن الميت
يجوز الذبح عن الميت، فإهداء ثواب العبادة للميت مما لا شيء فيه، ولو أوصى الميت بأن يُضحى عنه وجب إنفاذ الوصية إن ترك مالاً يفي بها ولم يزد ثمنها على ثلث تركته، ومن قال عند الذبح: “اللهم عن فلان وآل فلان”، دخل في دعائه الأحياء والأموات من آله، وهذا هو الأفضل، أن يكتفي بأضحيته فإنها عن الأحياء والأموات، وأن يجتهد في الدعاء للأموات كما علَّمنا ربنا في كتابه.
وقد كره المالكية الأضحية عن الميت استقلالاً([29])، وقال الشافعية: لا تشرع إلا أن تكون بإذنه كوصية([30]).
ما يقال عند الذبح
الذكر الذي يقال قبل الذبح: بسم، الله أكبر، اللهم تقبل من فلان وآل فلان، اللهم هذا منك ولك.
ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم “سَمَّى وَكَبَّرَ”، وعند مسلم: أَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ»، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ.
وثبتت زيادة: «اللهم إن هذا منك ولك»([31]).
منك: هذه الأضحية من رزقك.
لك: خالصةً لك.
هل تُشترى الأضاحي من مال الزكاة؟
لا يجوز ذلك، بل يدفع مال الزكاة للفقراء والمستحقين، ثم يشترون به ما شاءوا.
نسأل الله علماً نافعاً رافعاً.
رب صلِّ وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
[1] / المغني (13/ 360).
[2] / مجموع الفتاوى (23/ 162).
[3] / ينظر: المغني (9/ 436).
[4] / نيل الأوطار (5/ 131).
[5] / وصحَّح إسنادَه الألباني في إرواء الغليل (4/ 355).
[6] / وصحَّح إسنادَه الألباني في إرواء الغليل (4/ 355).
[7] / التمهيد (23/ 188).
[8] / العجفاء: المهزولة كما في لسان العرب (9/ 234)، والتي لا تنقي: التي لا نِقْيَ لعظامها كما في شرح السنة للبغوي (4/ 340).
[9] / المجموع (8/ 394).
[10] / يُنظر: بدائع الصنائع للكاساني (5/ 70)، والمغني لابن قُدامة (9/ 440).
[11] / الاستذكار (5/ 224).
[12] / كشاف القناع للبهوتي (3/ 9).
[13] / المجموع (8/ 387).
[14] / الفتاوى الكبرى لابن تيميَّة (5/ 385).
[15] / الفتاوى الكبرى (5/ 385).
[16] / أضواء البيان (5/ 120).
[17] / المجموع (8/ 364) باختصار.
[18] / (16/ 281).
[19] / انظر: مجموع الفتاوى (26/ 307).
[20] / المحلى (6/ 3).
[21] / شرح مسلم (13/ 139).
[22] / تحفة المودود، ص(65).
[23] / فتح الباري (9/ 627).
[24] / تحفة المحتاج (9/ 345).
[25] / فتح الباري (10/ 6).
[26] / زاد المعاد (2/ 295).
[27] / أي: يُطلق عليه.
[28] / روضة الطالبين وعمدة المفتين (3/ 223).
[29] / مواهب الجليل لحطاب (4/ 377)، وحاشية الدسوقي (2/ 122-123).
[30] / مغني المحتاج للشربيني (4/ 292).
[31] / انظر: إرواء الغليل (1138)، (1152).

