
بذاءة اللسان
بسم الله الرحمن الرحيم
التحذير من بذاءة اللسان
مهران ماهر عثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، أما بعد؛
وردت كثير من الأدلة التي تحذر من إطلاق اللسان في المحرمات، ومن البذاءة والفحش:
ومن شؤم ذلك:
أن الفحش دليل على عدم الإيمان!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ» رواه أحمد.
والطعان: الذي يقول ما يؤلم مَن يسمعه، يعرِّض بالكلام، فليست له جرأة على توجيه الذم المباشر، فيتكلم بكلام يفهم السامع منه أن يريد إعابته.
واللعان المكثر من اللعن.
والفاحش: الذي يقول ما يعظُم قبحُه.
والبذيء: أن يصرح بما يُستحيا من التصريح به.
ولا استقامة للعبد؛ لقلبه وجوارحه إلا بحفظ اللسان:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» رواه أحمد.
وعنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ ([1])، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ؛ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» رواه الترمذي.
وذلك لأن اللسان تُرجمان القلب، فصلاح اللسان دليل على صلاح القلب.
والفاحش البذيء يبغضه الله:
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ» رواه الترمذي.
وفاحش اللسان يجر الإساءة لوالديه، ومن فعل ذلك فقد ارتكب إثماً كبيراً
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» رواه مسلم.
فإذا سمع الناس بذيء اللسان ماذا يقولون عنه؟ لم يحسن والداه تربيته! فيكون قد تسبب في أن يُساء إلى والديه. وهذه الكلمة قد تكون صواباً وقد تكون خطأً؛ فالوالد قد يفعل كل ما عليه، والهداية بيد الله تعالى.
ولا يجوز أن يكون المسلم فاحشاً حتى مع أعداء الله، فكيف بإخوانه؟!
في صحيح مسلم، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ «لَا تَكُونِي فَاحِشَةً» فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمِ الَّذِي قَالُوا، قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
هذا في مخاطبة اليهود، فكيف بمخاطبة المسلم للمسلم؟!
والفحش له إطلاقان: يطلق على البذاءة وما عظُم قبحه، ويطلق على العدوان، فرد الإساءة بما يزيد عليها من هذا.
ولقد كثرت الآثار عن سلفنا الصالح يحذرون فيها عن البذاءة والفحش، وهذه بعض أقوالهم
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ألأم شيء في المؤمن الفحش” [روضة العقلاء، ص57].
ورأى أبو الدرداء رضي الله عنه امرأة سليطة اللسان، فقال: “لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها” [الإحياء 3/ 123].
وقال الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى: “ألا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء” [الإحياء 3/ 123].
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: “خمس من علامات الشقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل” [مدارج السالكين 2/ 270].
إشكال وجوابه
في حادثة الحديبية قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يفاوضه: فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لَأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ. رواه البخاري.
أوشاباً: الأخلاط من الناس.
والإشكال في هذه الكلمة، لم قالها الصديق رضي الله عنه؟ الإجابة: قال ابن حجر رحمه الله: “وَفِيهِ جَوَازُ النُّطْقُ بِمَا يُسْتَبْشَعُ مِنَ الْأَلْفَاظِ لِإِرَادَةِ زَجْرِ مَنْ بَدَا مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ تَخْسِيسٌ لِلْعَدُوِّ وَتَكْذِيبُهُمْ وَتَعْرِيضٌ بِإِلْزَامِهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّاتَ بِنْتُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنْتًا لَكَانَ لَهَا مَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ” [فتح الباري لابن حجر 5/ 340].
ولا يمكن أن تُجعل هذه الحادثة أصلاً يستدل به مَن كان الفحش دأبه وعادته!!
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] / تخضع له وتذل .
