مقالات

ثمار الاستغفار

بسم الله الرحمن الرحيم

ثمار الاستغفار

مهران ماهر عثمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فقد جاء في نصوص الشرع كثير من الثمار للاستغفار، فمن ذلك:

نيل رحمة الله

وهذا أجمع ما جاء في بيان ثمراته؛ فالرحمة تشمل الخير كله، قال صالح عليه السلام لقومه: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل/46].

ولو أردنا تفسير الرحة بأثرها لقلنا: إيصال المسار، ودفع المضار.

تفريج الهموم

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبوداود، وصححه العلَّامة أحمد محمد شاكر رحمه الله.

والملازمة –كما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله- لا تتحقق إلا بأمرين:

الإكثار، والاستمرار. فمن أكثر في وقت دون وقت لم يلزم، ومن أدام منه بإقلال لم يلزمه.

والضيق قد يُفضي إلى الهمِّ وقد يكون بدونه، ولهذا كان الاستغفار مُخْرِجا من كل ضيق، منجياً من كل هم.

تحقيق المغفرة

قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء/110].

وعن أبي هريرة t، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ:  أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» رواه مسلم.

أي: ما دمت تذنب وتستغفر فإني أغفر لك.

وقال تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك  عَنان السماء([1])، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي» رواه الترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» رواه أحمد.

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ» رواه أبو داود.

الإنجاء من آثار المعاصي

قال نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 11 – 12]

بدأ بذكر مغفرة الذنوب، ثم أتبعها بما يترتب عليها، فإن المغفرة إذا تحققت أحاطت البركات بالمغفور له من كل جانب!

وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد أيضاً: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ»، فتحققت المغفرة بالاستغفار، وأعقبت ذلك رفعة الدرجات في الجنات.

ولذا علَّمنا ربنا أن نستغفر لأمواتنا، فهذا أعظم ما يُطلب لهم، فمن غفر له نال كل خير في الآخرة.

﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10].

وتأمل فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأحب الرجال والنساء إليه..

أحب الرجال إليه الصدِّيق رضي الله عنه..

وأحب النساء إليه ابنته عائشة رضي الله عنها..

ثبت في الصحيحين، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ».

فقط أمره بالاستغفار؛ لأنه بوابة إلى خيري الدنيا والآخرة؛ فإن العبد إذا غُفر له نال خيراً عظيماً من الله، وهذا الخير تمنع منه الذنوب، وهذا من شؤمها.

ومثله فيما دل عليه حديث أم المؤمنين رضي الله عنها، ففي مسند أحمد، أنها قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «تَقُولِينَ: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ، تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي».

ومما يدل لهذا الأثر للذنوب:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا» رواه أحمد.

قال ابن عبد البر رحمه الله: “وهذا يدلُّ على أنهم مغفورٌ لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم”([2]).

فغفر لهم أولاً، ثم باهى بهم ثانياً.

الإنجاء من الشقاء في رمضان!

عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احضروا المنبر»، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال:«آمين»، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال:«آمين»، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال:«آمين»، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه؟ قال: «إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدَهما فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين» رواه الحاكم.

والاستغفار من موجبات المغفرة، فينجو الصائم من أن تناله هذه الدعوة باستغفاره.

زيادة الرزق

قال تعالى عن نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح/10-12].

وقال: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود/3].

وقال عن هود عليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود/52].

والحديث السابق مما يدل لهذا.

أمان من العذاب

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال/33].

قال أبو موسى رضي الله عنه: “كان لنا أمانان، ذهب أحدهما-وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم فينا- وبقي الاستغفار معنا، فإن ذهب هلكنا”.

أمان من النار

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار» رواه البخاري ومسلم، وقوله: «وأكثرن الاستغفار» عند مسلم.

ولولا أنَّ الاستغفار يعصم منها لما أرشدهن النبي صلى الله عليه وسلم إليه.

الفرح به في المحشر

وفيه حديثان:

الأول:

عن الزبير t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار» رواه البيهقي.

والثاني: عن عبد بن بسر t قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى لمن وَجد في صحيفته استغفاراً كثيراً» رواه ابن ماجة.

قال ابن حجر رحمه الله: “وطوبى في الأصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها في صفة الجنة في بدء الخلق، وتطلق ويراد بها الخير، أو الجنة، أو أقصى الأمنية. وقيل: هي من الطيب، أي: طاب عيشكم”([3]).

الرِّفْعة في الجنة

قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» رواه أحمد وابن ماجة.

فاللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منَّا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير.

ربِّ صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

[1] / ما انتهى البصرُ إليه منها.

[2] / التمهيد (1/ 120).

[3] / فتح الباري (7/ 450).

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *