شبهات المحتفلين بمولد خير المرسلين
بسم الله الرحمن الرحيم
شبهات المحتفلين بمولد خير المرسلين
مهران ماهر عثمان
خطبة 9 ربيع أول 1427 الموافق 7/4/2006م
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، أما بعد؛ فهذه ردود على أبرز الشبهات التي يثيرها المحتفلون بمولد نبينا صلوات ربي وسلامه عليه.
والذين يريدون التأصيل لهذه البدعة لهم نوعان من الشبهات، شبهات تختص بالمولد، وشبهات يؤصلون بها لكل بدعة.
فمن الشبهات الخاصة بالمولد:
استدلالهم بقوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
قالوا: احتفالنا بمولده صلى الله عليه وسلم من باب الفرح بفضل الله المندوب إليه .
والجواب ما قاله القرطبي المالكي رحمه الله: “فضل الله القرآن ورحمته الإسلام … والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب … فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ : أي بالقرآن وبالإسلام فليفرحوا” ([1]).
فأين المولد هنا؟ وأين إقامة الاحتفالات؟ وإنما ذُكر الفرح والاحتفال أمر زائد عليه.
ثم إنه لا يصح أن يستدل بآية على أمر لم يجعلها السلف دليلاً عليه، فتركهم الاستدلال بها عليه إجماع على أنها لا تدل عليه، يقرر ذلك الإمام الشاطبي في الموافقات ويعلله بقوله: “إذ لو كان دليلاً عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء!! “([2])، ثم قرَّر أن تركهم الاستدلال عليه إجماع على أن الآية لا تدل عليه.
الشبهة الثانية:
استدلوا بصوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء؛ بسبب أن الله نجَّى فيه موسى عليه السلام، قالوا: هذا احتفال بمناسبة عظيمة! وأولى من يحتفل به النبي صلى الله عليه وسلم! وأولى ما يحتفل به مناسبة مولده!
والجواب: ونحن نصوم عاشوراء لذلك، فأين هذا من الاحتفال والمظاهر التي نراها من الرقص والتمايل والعزف وغير ذلك من المحرمات؟
الشبهة الثالثة:
قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين؛ شكراً لله تعالى على مولده وبعثته، وهذا يدل على أنه احتفل بمولده؟!
والجواب: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب صوم يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.
والصيام كمل أسبوع بهذه النية شيء، والاحتفالات التي نراها كل عام شيء آخر.
الشبهة الرابعة:
قالوا : ثبت في سنن البيهقي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه ، وهذا يدل لاحتفالنا بمولده .
والجواب من وجهين :
الوجه الأول: لو ثبت الحديث فلا يكون دليلاً على ذلك كما هو واضح .
الثاني : الحديث ليس بثابت، فالبيهقي الذي أخرجه أنكره؛ لأن في سنده عبد الله بنَ محرر . قال البيهقي: “عبد الله بن محرر متروك”([3])، وقال: “قال البخاري: عبد الله بن محرر متروك”([4]) ، وقال: “والحديث في عقيقة النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه منكر” ([5]) ، وقال: “قال عبد الرزاق: إنما تركوا عبد الله بن محرر لهذا الحديث” ([6]).
وقال الإمام مالك عن هذا الحديث: “من الأباطيل”([7])، وقال ابن حبان – وهو من المتساهلين في التوثيق- عن عبد الله بن محرر: “كان يكذب ولا يعلم، ويقلب الحديث ولا يفهم”([8]).
فيقال لمن يستدل بما لم يثبت: ثبِّت العرش ثم انقش!
الشبهة الخامسة:
استدلوا بهذه القصة: قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ ([9]). قالوا : فإذا سُقي أبو لهب لفرحه بالنبي صلى الله عليه وسلم أفلا نحتفل به .
هذه الشبهة يردُّ عليها ابن حجر رحمه الله من أربعة أوجه، قال رحمه الله: “مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى:﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً﴾، وأجيب أولاً بأن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به” ([10]).
فهذه أربعة أوجه، ويمكن أن تضيف إليها وجهين آخرين :
الخامس : أنَّ الفرح بالأولاد فرح طبعي، مباح، لا ثواب فيه ولا عقاب.
السادس: لو سُقي وسلمنا بهذه الرؤيا – ولا نسلم- فإن سبب ذلك العتق لا الفرح بالأبناء كما هو منصوص عليه.
الشبهة السادسة:
قالوا : إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الاحتفال تواضعاً!!
والجواب:
أولاً: لازم هذا القول نسبة الخيانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67].
ثانياً: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد الناس يوم القيامة، وأن البخيل من ذُكر عنده ولم يُصل عليه، وغير ذلك، فلم لم يكتم ذلك تواضعاً؟!
ثالثاً: فهل تركه الخلفاء الراشدون من بعده تواضعاً.
الشبهة السابعة:
يستدل بعضهم بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأمره بإقامة المولد.
والجواب: رأى حمزة الزيات النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فعرض عليه ما سمعه من أبان، فما عرف منه إلا شيئاً يسيراً، قال القاضي عياض معلقاً: “هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان، لا أنه يقطع بأمر المنام، ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء” ([11]).
الشبهة الثامنة:
وأما استدلالهم بقول شيخ الإسلام: “وقد يعمل الرجل العمل الذي يعتقده صالحاً ولا يكون عالماً أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده، ويعفى عنه لعدم علمه، وهذا باب واسع” ([12]). فهذا لا حجة لهم فيه، فحديثه عمن وقع في ذلك ولم يكن بالنهي عالماً، هذا أولاً، وثانياً: أقوال العلماء لا يُستدل بها وإنما يستأنس بها ويستدل لها . وإنما الحجة في قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الشبهة التاسعة:
قال به فلان وفلان.
وأقول: ولم يقل به فلان وفلان، وليست الحجة إلا في قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس فيما ذهب إليه عمرو أو قال به زيد وبكر .
الشبهة العاشرة:
الاحتفال عادة وليس عبادة!!
والجواب: محاولاتهم للتأصيل بكل هذه الشبهات دليل على أن القوم يتخذون هذا الاحتفال عبادة، وهم يرجون باحتفالهم هذا الأجر من الله، فلا تعدو أن تكون هذه الشبهة مكابرة واضحة.
وأما الشبهات التي يؤصلون بها للبدعة عموماً فمنها:
الأولى
استدلالهم بحديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ ﴿اتَّقُوا الله وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله﴾. تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» رواه مسلم.
قالوا: فمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من تبعه فعمل بها، ففي الحديث أن البدعة قد تكون حسنة.
والجواب:
أولاً: سبب الورود قطعي الدخول في النص، وهو مما يفسر به الحديث، فعُلم أنَّ المراد من الحديث من أقام سنةً واقتدى الناس به فله أجرها وأجر من أقامها بسببه .
ثانياً: كون الشيء حسناً أو قبيحاً لا يُعلم إلا من جهة الشرع، كيف يستدل به على البدع وقد جاءنا في الشرع ما يبين عظيم قبحها وأنها ضلالة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» رواه مسلم.
قال ابن الماجشون: سمعت مالكاً يقول: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ؛ لأن الله يقول: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً “([13]).
الشبهة الثانية من الشبهات العامة:
استدلالهم بأثر ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسنٌ”واه الحاكم.
والأثر من أدلة حجية الإجماع، فما أجمع المسلمون على كونه حسناً أو سيئاً فهو كذلك لأن الإجماع حجة، فالمراد من قوله (المسلمون) الاستغراق ، وبذا قال ابن حزم في الإحكام، وابن قدامة في روضة الناظر، وابن القيم في الفروسية .
الشبهة الرابعة:
ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم فلا حرج في فعله!!
والجواب: أنَّ الترك فعل يجب علينا أن نتأسى برسول صلى الله عليه وسلم فيه للأدلة التالية:
1/ لقول الله تعالى: ﴿لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: 63].
فتركهم النهي صناعة.
2/ قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون﴾ [المائدة: 78- 79].
فسمى تركهم فعلاً.
3/ قوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].
فالاتخاذ فعل، والمجهور المتروك، فالمعنى: فعلوا تركه .
4/ وقال الصحابة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده:
لئن قعدنا والنبي يعمل فذاك منا العمل المضلل
5/ ولهذا قال في المراقي:
فكفنا بالنهي مطلوب النبي والكف فعل في صحيح المذهب
الشبهة الخامسة :
قول عمر في اجتماع الناس للتراويح: “نعمت البدعة هذه” رواه البخاري.
وصلاة التراويح في جماعة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ»، قَالَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. رواه مسلم.
يبقى سؤالٌ: لم قال عمر إنها بدعة؟
الجواب: الظاهر أنَّ المراد أنها بدعة باعتبار الزمان السابق الذي خلا منها فإن المحدث قد يكون محدثاً بإطلاق، وقد يكون باعتبار ، كما قال تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: 2].
ولو سلمنا أنّ عمر رضي الله عنه أول من قام بها – ولا نسلم -فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ» رواه أبو داود، وقال: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» رواه أحمد، فلا حجة لهم .
وليس هذا الاحتفال مصلحة مرسلة؛ لقيام المقتضي لفعله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تركه فهو بدعة ، فحري بالمسلم أن يتجنب البدعة وأهلها لئلا يطرد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة .
والنية الحسنة لا يمكن أن تسوغ بدعة محدثة؛ قال أنسُ بنُ مالك رضي الله عنه: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رواه الشيخان.
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه.
رب صل وسلم على نبينا محمد.
[1] / الجامع (8/316) .
[2] / الموافقات (3/71) .
[3] / السنن (1/12) .
[4] / السابق (4/126) .
[5] / السابق (9/299) .
[6] / السابق (9/300) .
[7] / نقله ابن رشد في المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام والتحصيلات المحكمات الشرعيات لأمهات مسائلها المشكلات (2/15) .
[8] / كتاب المجروحين (2/29) .
[9] / البخاري .
[10] / فتح الباري (9/145) .
[11] / شرح النووي على مسلم (1/115) .
[12] / اقتضاء الصراط المستقيم، ص (397) .
[13] / الاعتصام للشاطبي (1/33) .