مقالات

حق الجار

بسم الله الرحمن الرحيم

حق الجار

مهران ماهر عثمان

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، فمن أعظم الحقوق في الإسلام حق الجار، وهذا تعريف بشيء من ذلك.

 

التعريف

الجار من يقرُب مسكنه منك.

والمراد بالإحسان إلى الجار: بذل الخير وكف الأذى.

 

حدُّ الجوار

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الجار: هو الملاصق لك في بيتك، والقريب من ذلك، وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون داراً كل جانب. ولا شك أن الملاصق للبيت جار، وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالحق ما جاءت به، وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف، فما عدّه الناس جواراً فهو جوار” [شرح رياض الصالحين: 3/ 176].

 

الأمر بمراعاة حقِّه

قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].

وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى: “القريب منك جواره، وقيل: هو من له مع الجوار في الدار قُرْب في النسب أو الدين” [فتح البيان في مقاصد القرآن: 3/ 113].

وَالْجَارِ الْجُنُبِ: عكس الأول، فهو الجار الذي لا تربطك به رابطة قرابة، أو هو الجار الذي يبعد بيته عنك.

وفي الحديث المتفق عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».

ولأحمد: عن رجل من الأنصار قال خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا به قائم وإذا رجل مقبل عليه، فظننت أن له حاجةً فجلست، فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أَرْثِي له من طول القيام، ثم انصرف فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله لقد قام بك  هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام! قال: «أتدري من هذا»؟ قلت: لا.  قال: «جبريل صلى الله عليه وسلم، ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أما إنك لو سلمت عليه لرد عليك السلام».

ولما وشى المشركون بالمسلمين عند النجاشي بعد هجرتهم إلى الحبشة وطلبوا إلى النجاشي أن يُسْلِمَهم إليهم، قال لهم: كيف أُسْلِمُ قوماً جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ..

فقال جعفر رضي الله عنه: “أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ” رواه أحمد.

 

والجيران متفاوتون في الحقوق

فالمسلم له حقُّ الإسلام مع الجوار، والقريبُ ذو الرحم له حقٌّ آكد، والجار الكافر له حق الجوار.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي جَارَيْنِ بِأَيِّهِمَا أَبْدَأُ، قَالَ: «بِأَدْنَاهُمَا بَابًا» رواه أبو داود.

وفي سنن أبي داود والترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً فَقَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».

 

الترغيب في القيام بحق الجوار

الإحسان إلى الجار من شعب الإيمان

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلْيُكْرِم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» رواه الشيخان.

وللبخاري: «فلا يؤذِ جارَه»، ولمسلمٍ: «فليُحسنْ إلى جاره».

وفي سنن الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ الله، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَعَدَّ خَمْسًا، وَقَالَ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ».

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ – أَوْ قَالَ: لِأَخِيهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه مسلم.

نيل الخيرية

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيرُ الأصحابِ عند الله تعالى خيرُهم لصاحبِه، وخيرُ الجيران عند الله تعالى خيرُهم لجاره» رواه البخاريُّ في الأدب المفرد.

وحسن الجوار من أسباب السعادة في الدنيا

عن نافع بن عبد الحارث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ الْمُسْلِمِ المسكنُ الواسع والجارُ الصالح والمركبُ الهنيء» رواه البخاري في الأدب المفرد.

الفوز بالمغفرة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عز وجل: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ» رواه أحمد وحسنه الألباني.

ولولا إحسانه إليهم لما شهدوا بذلك بعد موته.

دخول الجنة

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله: إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال: «هي في النار». قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها؟ قال: «هي في الجنة» رواه أحمد.

 

الترهيب من سوء الجوار

تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من جار السوء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول» رواه ابن حبان في صحيحه.

المـُقامة: الموطن.

“«فإن جار البادية يتحول»، أي: جار السفر، وإنما عبر عنه بها؛ لأنّ الأسفار غالبها فيها، و«دار المقام»، دار الإقامة، وهو مستقر الإنسان من الأوطان” [التنوير شرح الجامع الصغير: 3/ 96].

وانتهاك حرمة الجار أعظم من انتهاك حرمة غيره.

عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ما تقولون في الزنا»؟ قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره». ثم قال: «ما تقولون في السرقة»؟ قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام. قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» رواه أحمد والطبراني

ومما ينقص الإيمان أن يترك الجار جاره جائعاً مع علمه به.

قال أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ»

وممن يستحق اللعن: الجار المؤذي.

عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: اطْرَحْ مَتَاعَكَ عَلَى الطَّرِيقِ فَطَرَحَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَيَلْعَنُونَهُ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ قَالَ: «وَمَا لَقِيتَ مِنْهُمْ؟» قَالَ: يَلْعَنُونِي قَالَ: «قَدْ لَعَنَكَ اللهُ قَبْلَ النَّاسِ» قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعُودُ فَجَاءَ الَّذِي شَكَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «ارْفَعْ مَتَاعَكَ فَقَدْ كُفِيتَ» رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني.

ولو صبر على أذية جاره كان خيرا له، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ مرفوعاً: «ثلاثة يُحِبُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ رَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ مُجَاهِدًا مُحْتَسِبًا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ، وَرَجُلٌ يَكُونُ مَعَ قَوْمٍ فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيْهِمْ الْكَرَى أَوْ النُّعَاسُ فَيَنْزِلُونَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَيَقُومُ إِلَى وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ» رواه أحمد.

 

ومن مشاهد القيامة: جار يشكو جاره لربه بسبب أنه منع منه خيره.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: لَقَدْ أَتى عَلَيْنَا زَمَانٌ أَوْ قَالَ حِينٌ وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ الْآنَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَمْ مِن جارٍ مُتعلق بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا أَغْلَقَ بابهُ دُوني فَمَنع مَعْرُوفَهُ» رواه البخاري في الأدب المفرد.

وسوء الجوار من أسباب دخول النار

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله: إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال: «هي في النار». قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها؟ قال: «هي في الجنة» رواه أحمد.

 

من صور الإحسان إلى الجار

1/ إعطاؤه شيئا من الطعام.

في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ».

2/ لا يمنعه من أن يغرز خشبة في جداره

ففي الصحيحين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ»، وهذا إذا كان الجدار يحتمل ذلك ولا يقع ضرر عليه.

3/ الإهداء

في الصحيحين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». والفرسن: العظيم قليل اللحم.

 

“وجملة حق الجار: أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال، ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طرقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاما، ويغض بصره عن حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه” [إحياء علوم الدين: 2/ 213].

 

أولى الجيران بالإحسان.

“وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ: إِذَا أُكِّدَ حَقُّ الْجَارِ مَعَ الْحَائِلِ بَيْنَ الشَّخْصِ وَبَيْنَهُ، وَأُمِرَ بِحِفْظِهِ، وَإِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ، وَكَفِّ أَسْبَابِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَقَّ الْحَافِظِينَ اللَّذِينِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلَا حَائِلٌ، فَلَا يُؤْذِيهِمَا بِإِيقَاعِ الْمُخَالَفَاتِ فِي مُرُورِ السَّاعَاتِ، فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمَا يُسَرَّانِ بِوُقُوعِ الْحَسَنَاتِ، وَيَحْزَنَانِ بِوُقُوعِ السَّيِّئَاتِ، فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ جَانِبِهِمَا، وَحِفْظُ خَوَاطِرِهِمَا بِالتَّكْثِيرِ مِنْ عَمَلِ الطَّاعَاتِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ، فَهُمَا أَوْلَى بِرِعَايَةِ الْحَقِّ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْجِيرَانِ” [فتح الباري لابن حجر (10/ 444].

رب صل وسلم على نبينا محمد.

 

 

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *