
تعليقي على وثيقة الدستور
بسم الله الرحمن الرحيم
تعليقي على وثيقة الدستور
مهران ماهر عثمان
27 ذو القعدة 1440هـ
30 يوليو 2019م
الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد؛
فمما أوجبه الله تعالى علينا: بيان الحق الذي شرعه، وهذا تعليقي على وثيقة الدستور، وقد نُشرت الوثيقة لإبداء الرأي حولها، وهي وثيقة دستورية معنية بشكل الحكم خلال الفترة الانتقالية، وليس من صلاحيات الفترة الانتقالية البت فى شأن الدستور الدائم الذى يجب أن يتفق عليه السودانيون جميعاً. ولذا جاء في المادة (1) “تسمى هذه الوثيقة الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية”.
فأقول سائلاً الله أن يتقبل هذا العمل مني، وأن ينفع به إخواني:
لم تنص الوثيقة على أن الإسلام هو الدين الرئيس للدولة
تعليقي:
أكثر من في بلادنا مسلمون، فمن العجائب أن تكون الوثيقة خِلواً من الإشارة إلى هذا.
المادة (4)
السيادة للشعب، وتمارسها الدولة طبقا لنصوص هذه الوثيقة الدستورية
تعليقي:
الشعب كله عبيد لله تعالى، خاضعون لأمره، والحكم له سبحانه وتعالى، قال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49، 50].
وأكرر ما قلته من قبل: لن يختار هذا الشعب أن يُحكم إلا بالإسلام، وهذه حقيقة أُقسم بالله تعالى عليها.
وليس من الإنصاف في شيء أن يَترك أحدٌ دين ربه لتلاعب الإنقاذ به! بل المتعيِّن: أن يُترك ويُذم ويُهجر من تلاعب بالدين.
مادة (7)، بند (2)
إلغاء القوانين والنصوص المقيدة للحريات.
التعليق:
هذه كلمة تحتمل معانٍ كثيرة، فهي بحاجة إلى أن تُفصَّل ويُذكر المراد منها.
ولا أظن أن من أثبتها يقصد الحرية المطلقة، فهذه لا وجود لها في دين أو عرف أو ثقافة أو موروث! هل توجد بلاد في العالم لا يحكمها قانون، ولا تحد اللوائح من حرية أهلها بتجريم من ارتكب ما يخالف ما نهت عنه؟! فإذا ارتضى الناس أن تحُدَّ القوانين الوضعية من حرياتهم وانقادوا لها، أفلا ننقاد –نحن المسلمين- لقوانين الله القائل: ﴿ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون﴾؟
إنَّ من يقول بالحرية المطلقة – ولا أدعي أن هذا مقصود كاتبي الوثيقة، لكنه تنبيه واجب- هرب من عبودية الله إلى عبودية الشيطان! قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: 60، 61].
فهذا خياران لا ثالث لهما، فمن لم يكن عبداً لله، فهو عبد للشيطان، شاء ذلك أم أبى.
ولا يظنن أحد أن عبادة الشيطان تقع بالسجود أو الركوع له! بل المقصود: طاعته.
وها هنا استطراد مهم –قلته في تعليقي على مسودة الدستور قبل أشهر-:
نشر موقع (سكاي نيوز) هذه القوانين الغريبة في بعض الدول:
تتبنى سنغافورة قانونا يمنع مضغ العلكة، واستيرادها وبيعها، باستثناء العلكة لغايات علاجية للأسنان أو علكة النيكوتين.
أقرت الدنمارك الخطوط العريضة لتسمية الأبناء، ووضعت قائمة مؤلفة من 7000 اسما ينبغي على الآباء تسمية أولادهم بها، وإذا أرادت عائلة تسمية ولدها من خارج تلك القائمة، فإنها ستكون مضطرة للحصول على موافقة الحكومة.
في سويسرا، تطلب الجهات المختصة أو الشرطة من هواة تسلق الجبال “بلطف” عدم تسلق الجبال وهم عراة.
700 يورو هي عقوبة من يقوم بإطعام الحمام في ساحة القديس مارك في مدينة البندقية الإيطالية.
تفرض مدينة بتروليا في أونتاريو بكندا قانونا يحد من الأصوات المزعجة. وينص القانون على أنه يمنع الصراخ أو العويل أو الصفير أو الغناء في أي وقت بالمدينة.
إذا كنت تمتلك دجاجا في جورجيا، فيجب أن تعرف أنه يمنع منعا باتا أن تترك الدجاج يقطع الشارع.
إذا أردت التجول في المناطق الأثرية في اليونان، وهي كثيرة، فيفضل ألا تضع في قدميك حذاء بكعب عال، فهو ممنوع بحكم القانون، لأنه قد يعرض المناطق الأثرية للأضرار، كما يهدد المحافظة عليها.
على السائق في ألمانيا أن يكون حذرا فيما يتعلق بمستوى الوقود في سيارته، حيث أن نفاذ الوقود منها وهي تسير على الطرق العامة يعرض سائقها للعقوبة.
يعاقب صاحب الحانة في أستراليا بعقوبة باهظة إذا وصل الزبون أو الموظف العامل في الحانة لحد الثمالة، وقد تصل العقوبة إلى حد سحب الرخصة.
حظر محافظ العاصمة الكمبودية بنوم بنه بيع أو استيراد كل أنواع الرشاشات المائية خشية أن يسبب استخدامها اضطرابات اجتماعية خلال احتفالات رأس السنة الكمبودية.
فإذا ارتضى الناس أن يخضعوا لقوانين بشر مثلهم تحُد من حرياتهم أفلا نرضى –نحن المسلمين- أن نخضع لحكم الله خالقنا، أي الفريقين أحق بالهدى إن كنتم تعلمون!؟
مادة (7) بند (7)،
تعزيز حقوق النساء في السودان في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، مع مراعاة التدابير التفضيلية المؤقتة.
كذلك: مادة (45) بند (1)
تحمي الدولة حقوق المرأة كما وردت في الاتفاقات الدولية.
التعليق:
الفوارق بين الرجل والمرأة، الجسدية والمعنوية والشرعية، ثابتة قدراً وشرعاً، وحساً وعقلاً. قال ربنا: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: 36].
فالرجل والمرأة يشتركان في عمارة الأرض بالعبودية لله تعالى، بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين: في التوحيد، والاعتقاد، وحقائق الإيمان، وإسلام الوجه لله تعالى، وفي الثواب والعقاب، وفي عموم الترغيب والترهيب، والفضائل. وبلا فرق أيضاً في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: ﴿مَن عَمِلَ صالحاً مِن ذكرٍ أَو أُنثى وَهُو مؤمن فلنحْيِيَنَّه حياة طيبة﴾ [النحل: 97] . وقال عز شأنه: ﴿ومن يعمل من الصالِحَاتِ من ذكرٍ أو أنثَى وَهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظْلمون نقيراً﴾ [النساء: 124].
واختص الرجال بكثير من العبادات دون النساء، مثل: فرض الجهاد، والجُمع، والجماعات، والأذان، وغيرها، وجُعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها، والأولاد ينسبون إليه لا إليها.
قال تعالى: ﴿ولا تتمنوا مَا فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجالِ نصيبٌ مِمَّا اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً﴾ [النساء: 32] . وسبب نزولها ما رواه مجاهد قال: قالت أم سلمة: أيْ رسول الله! أيغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت: ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله..﴾ رواه الطبري، والإمام أحمد، والحاكم وغيرهم [حراسة الفضيلة].
وكنت قد تناولت هذه المسألة بتفصيل في خطبتي: “سيداو في الميزان”، وهي منشورة في موقعي على هذا الرابط:
https://www.mahranmahir.com/?p=2650
مادة (10) بند (1 – د)
المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
التعليق:
يجب تقييد هذا النص بما لا يخالف ديننا القويم؛ لئلا تَلِجَ عبرَه “سيداو” وغيرُها من الاتفاقيات التي لا يرتضيها ديننا، ولا يخفى على مسلمٍ ما فيها من الكفر البواح.
مادة (21) بند (1)
لا يجوز اتخاذ إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء مجلس السيادة، أو مجلس الوزراء، أو المجلس التشريعي دون أخذ الإذن اللازم لذلك من المجلس التشريعي.
التعليق:
هذا كلام لا غبار عليه بشرط، ما هو؟ إذا كان الحصول على الإذن سهلاً لا يعتريه تعسف إجرائي، فإن أُثبت هذا النص وكان الحصول على الإذن متعذراً بعيد المنال، فهذه هي الحصانة الدائمة المغلفة بثوب الحصانة العادية!
والحصانة الدائمة التي لا يتأتى معها محاكمة المجرمين، ولا تسقط بتقديم الطلب لذلك، ظلمٌ وجور، فمثل هذه الحصانة لا يعرفها دين الإسلام.
وهذه ثلاثة أحاديث تدل على ذلك:
الأول:
عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَوَجَدْتُهُ مَوْعُوكًا، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «خُذْ بِيَدِي يَا فَضْلُ» فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمِنْبَرِ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: «صِحْ فِي النَّاسِ» فَصِحْتُ فِي النَّاسِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَى مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا، فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ولَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنَّى أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي، وَلَا مِنْ شَأْنِي، أَلَا وإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ، أَلَا وَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ بِمُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا» رواه الطبراني في الأوسط.
فهذا رأس الدولة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه للقصاص.
الثاني:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ متقدم على الصَّفِّ، فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ، وَقَالَ: «اسْتَوِ يَا سَوَّادُ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، قَالَ: فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: «اسْتَقِدْ»، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ: فَقَالَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَّادُ»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِكَ أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرِ [سيرة ابن هشام 1/626].
الثالث:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رواه البخاري ومسلم.
مادة (46)
تحمي الدولة حقوق الطفل كما وردت في الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان.
التعليق:
يتعين تقييد هذا الإطلاق بما لا يخالف شريعة الإسلام.
مادة (50) بند (2)
لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على من لم يبلغ 18 سنة أو بلغ السبعين من عمره
التعليق:
المؤاخذة في دين الإسلام بالبلوغ، فيقيد ذلك بالبلوغ بدلاً من التقييد بثمان عشرة سنة خلافاً لما في لوائح ونصوص الأمم المتحدة، وأما إخراج من بلغ السبعين فمما لا دليل عليه، وهو من الظلم البيِّن؛ إذ كيف يفلت سبعينيٌّ قاتلٌ من القصاص؟
تنيهان مهمان أختم بهما
الأول: لقد دلت آيات كثيرة في كتاب الله تعالى على أن الحكم لله رب العالمين:
قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى:10]، وقال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر:12]، وقال تعالى: ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:88]، وقال: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50]، وقال: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام:62]، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [الرعد:41].
والتحاكم إلى غير شريعة الله تحاكم إلى الطاغوت، وهذا صنيع المنافقين، لا يكون إلا منهم، فالذي يتحاكم إلى غير الشريعة منافق، فكيف بمن ينادي إلى إلغائها!! لا ريب أنه رأس في النفاق.
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ [النساء/60-63]
وقال: ﴿وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور/47-51].
وتأمل قوله: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ ثم اعقد قلبك عليه.
والأمر بالتحاكم إلى ما أنزل الله هنا أكد بمؤكدات ثمانية في بعض الآيات:
بيّن ربنا تعالى أن الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين، وأن الإعراض عن حكم الله تعالى سبب لحلول عقابه وبأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين، يقول سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة/49، 50].
والمؤكدات هي:
الأول: الأمر به في قوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
الثاني: أن لا تكون أهواء الناس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأي حال من الأحوال وذلك في قوله: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾
الثالث: التحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير، والصغير والكبير، بقوله سبحانه: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.
الرابع: أن التولي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾.
الخامس: التحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله، فإن الشكور من عباد الله قليل، يقول تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾.
السادس: وصف الحكم بغير ما أنزل الله بأنه حكم الجاهلية، يقول سبحانه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
السابع: تقرير المعنى العظيم بأن حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول عز وجل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا﴾.
الثامن: أن مقتضى اليقين هو العلم بأن حكم الله هو خير الأحكام وأكملها، وأتمها وأعدلها، وأن الواجب الانقياد له، مع الرضا والتسليم، يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
التنبيه الثاني
من أطاع أحداً في تحليل حرام، أو تحريم حلال، فقد كفر بالله تعالى، وهذا ما يُسمى بشرك الطاعة.
قال عزَّ اسمه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 121].
ومعنى الآية:
ولا تأكلوا -أيها المسلمون- من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها عند الذبح، كالميتة وما ذبح للأوثان والجن، وغير ذلك، وإن الأكل من تلك الذبائح لخروج عن طاعة الله تعالى. وإن مردة الجن لَيُلْقون إلى أوليائهم من شياطين الإنس بالشبهات حول تحريم أكل الميتة، فيأمرونهم أن يقولوا للمسلمين في جدالهم معهم: إنكم بعدم أكلكم الميتة لا تأكلون ما قتله الله، بينما تأكلون مما تذبحونه، وإن أطعتموهم -أيها المسلمون في تحليل الميتة- فأنتم وهم في الشرك سواء.
وهذا المعنى أكَّد عليه نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي سنن الترمذي، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ»، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ».
فالدين ما شرع الله.
والحلال ما أحل الله.
والحرام ما حرم الله.
وإنما نحن عبيد لله.
اللهم اجمع على الحق كلمتنا.
رب صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبها:
مهران ماهر عثمان

