
حقوق الطفل في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الطفل في الإسلام
مهران ماهر عثمان
4 ربيع الآخر 1439 هـ
مسجد السلام بالطائف22
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فسبب هذه الخطبة موافقة مجلس الوزراء على سحب تحفظات سابقة على الميثاق الإفريقي المتعلق بحقوق الطفل.
فقد شرع الإسلام عدداً من التشريعات للإبقاء على حياة الطفل، وهي حقوقه التي يجب أن تؤدَّى إليه، والتي تبين عناية الإسلام به، فمن ذلك:
حق الطفل قبل الحَمْل
ويكمُن في حسن اختيار الزوج لزوجه والعكس، فالرجل عليه أن يختار لصحبته التقية النقية التي تحفظه في نفسها وماله، والمرأة يجب أن تحسن الاختيار، وإذا طرق بابها ذو دينٍ وخلقٍ لا ترده، ويحسُن التذكير هنا بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 33، 34].
أي: هؤلاء المذكورون من الأنبياء وذرياتهم المُتّبِعون لطريقتهم هم ذرية بعضها متسلسل من بعض في توحيد الله وعمل الصالحات، يتوارثون من بعضهم المكارم والفضائل، والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم؛ ولهذا يختار من يشاء منهم، ويصطفي منهم من يشاء.
فالشوكُ لا ينبت عنباً، والشيءُ إلى أصله ينزع.
حق الطفل أثناء الحمل
حق النفقة على أمه
يتعين على الأب أن يرعى زوجه حفاظاً على حياتها وحياة طفلها، ويجب عليه أن ينفق عليها ولو فارقها، وفي ذلك يقول ربنا سبحانه: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾. قال ابن كثير رحمه الله: “قال كثير من العلماء منهم ابن عباس، وطائفة من السلف، وجماعات من الخلف: هذه في البائن، إن كانت حاملاً أنفق عليها حتى تضع حملها، قالوا: بدليل أن الرجعية تجب نفقتها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً” [تفسير القرآن العظيم (8 / 153)].
حق الحياة
من أعظم ما ضمنه الله تعالى للطفل وهو في بطن أمه حق الحياة، فمنذ أن تبدأ نبتته في الأحشاء فلا يجوز لأحد أن يحاول إسقاطه، فمما بايع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم النساء عدم الاعتداء على حياة أجنتهن، قال تعالى في ذلك: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12].
ويبقى هذا الحقُّ ولو كان الجنين ابنَ زنا، فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أنَّ امرأة مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي؟ فَقَال: «وَيْحَكِ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ». فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكِ»؟ قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى. فَقَالَ: «آنْتِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا: «حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ». قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ: «إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَجَمَهَا. رواه مسلم.
حق الطفل بعد الولادة
يحرم على الوالدين قتل أولادهما ولو كانا فقيرين، فالفقرُ لو كانَ واقعاً أو كان متوقعاً فلا يجوز الإقدام على مثل هذا الفعل، ففي الفقر الواقع جاءت الآية: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ [الأنعام: 151]. وفي المتوقع: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: 31].
ومن العادات التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم لاجتثاثها ومحو أثرها وقطع دابرها: وأد البنات، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8، 9].
ويحتفظ الطفل بهذا الحق ولو كان أبوه كافراً محارباً، فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ:«اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» رواه مسلم.
والوليد: الصغير. فقتل الأطفال في الحرب من الاعتداء الذي يدخل في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].
حق الاعتبار والكرامة
فيفرح به عند ولادته سواء كان ذكراً أم أنثى -فكلٌّ نعمة من عند الله، ولا يدري الإنسان أين يكون الخير في ولده – مخالفاً المشركين، الذين قال عنهم رب العالمين: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: 58]، فيشكر الله تعالى على فضله، ويعبر عن ذلك بعقيقة في يوم سابعه.
فعن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» رواه أبو داود. فما معنى مرتهن؟ “أَجود الْوُجُوه مَا ذهب إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة إِن لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ” [كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 172)].
حق الاسم الحسن
ومما دلت عليه السنة أنَّه يُشرع التسمي بأسماء الأنبياء، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» رواه مسلم. وقال: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» رواه أبو داود. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» متفق عليه.
حقُّه في الرَّضاع
قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: 233]. قال السعدي رحمه الله: “هذا خبر بمعنى الأمر، تنزيلا له منزلة المتقرر، الذي لا يحتاج إلى أمر بأن يرضعن أولادهن حولين كاملين” [تفسير السعدي، ص (104)].
حقهم في الملاعبة والمداعبة والرحمة واللطف
ألا ترى كيف أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم مع كثرة مسؤولياته كان يلاعب أطفاله وأطفال المسلمين ويمازحهم، ويدخل بذلك السرور في قلوبهم؟
وهذه جملة مباركة من الأحاديث التي تبين ذلك:
فعن شداد بن الهاد رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ:«كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» رواه النسائي.
وعن أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ» رواه الشيخان.
وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ رضي الله عنها قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«سَنَهْ سَنَهْ» – وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ – قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي (نهرني) أَبِي، فَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهَا». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ -يَعْنِي الراوي مِنْ بَقَائِهَا-.
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ:«حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ» رواه الترمذي.
حق الإنفاق
خيرُ نفقةٍ يدَّخر الله تعالى ثوابها للعبد النفقة على الأهل والولد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ». قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ». قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ». قَالَ عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ». قَالَ عِنْدِي آخَرُ: قَالَ:«أَنْتَ أَبْصَرُ» رواه أبو داود.
ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في ترك ما يكفي للأهل والولد، لئلا يذهب ماء وجههم بسؤال الناس، فلا يوصي بإخراج شيء كثير من ماله، فعن سعد رضي الله عنه قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي مَا تَرَى مِنْ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ:«لَا». قَالَ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ:«لَا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ» رواه الشيخان.
حق إحسان التربية والتنشئة على القيم والأخلاق الحميدة
الأمر بأداء الأمانة أمر بإحسان تربية الطفل
كل آية جاء فيها أمرٌ بأداء الأمانة والقيام بحقِّها فهي تدلُّ على وجوب التربة السليمة للناشئة، فمن ذلك:
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58].
قال ابن كثير رحمه الله:” وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله عز وجل على عباده، من الصلوات والزكوات والكفارات والنذور والصيام وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير بينة على ذلك. فأمر الله عز وجل بأدائها” [تفسير القرآن العظيم (2/ 338)].
أمر الله تعالى بأن يقي الإنسان نفسه وولده من النار
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]. وذلك يكون بإحسان تربيتهم وإرشادهم وتعليمهم ما فيه نجاتهم من عذاب الله وفوزهم بجنته. قال البخاري رحمه الله:” وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾: أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَدِّبُوهُمْ” [صحيح البخاري 4/ 1868].
النهي عن خيانة الأمانة نهي عن التفريط في أمر التربية
قال سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
وخيانتها بعدم أدائها والقيام بها على وجهها، “والخيانة تعمُّ الذنوب الصغار والكبار، اللازمة والمتعدية” [تفسير القرآن العظيم (4 /42)].
أمر الولد بالمعروف ونهيه عن المنكر وتعليمه حدود الله وإشراكه في أعمال الخير هدي الأنبياء
قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 130 – 133].
أي: وحثَّ إبراهيمُ ويعقوبُ أبناءهما على الثبات على الإسلام.
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: 54، 55].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» رواه الشيخان.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ:«يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه أحمد والترمذي.
والغلام يُطلق على الطفل من حين أن يُولد إلى أن يشبَّ [شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 100)].
وقال عمر بن أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه: “كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ” رواه الشيخان.
قال النووي رحمه الله: “والصحفة دون القصعة، وهي ما تسع ما يشبع خمسة” [شرح مسلم (13/ 193)].
أمر الولد بالمعروف ونهيه عن المنكر وتعليمه حدود الله هدي الصالحين
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 13 – 19].
وعلينا أن نعلم أن الله تعالى إنما قص علينا خبر الصالحين لأمرين:
- لمحبتهم؛ فإنَّ الحب في الله أوثق عرى الإيمان.
- للاقتداء بهم.
مسؤولية الوالد عن جميع شؤون ولده
ومما يدلُّ على وجوب الإحسان في تربية النشء جملة كريمة من الأحاديث النبوية على قائلها أفضل صلاة وأتم سلام، منها:
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان.
قال النووي رحمه الله: “قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، ففيه أنَّ كلَّ من كان تحت نظره شيءٌ فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته” [شرح مسلم (12/ 213)].
والوالد قد يكون سبباً في انحراف ابنه عن فطرة الإسلام، ففي الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» رواه الشيخان.
والفطرة هنا الإسلام؛ ولذا قال أبو هريرة بعد رواية هذا الحديث: “﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30].
والبهيمة الجمعاء: مجتمعة الأعضاء السليمة التي لا نقص فيها، والجدعاء: الناقصة. فكما أن النقص يطرأ عليها بعد ولادتها، فالمولود تتغير فطرته بسبب والديه بعد ولادته. فأيّ الوالدين أنت؟ الذي يضل ابنه بعدما خرج بفطرة الله، أم الذي يحافظ على فطرته ويكون سبباً في نجاحه ونجاته؟
فالأب العاقل هو الذي يربي روح ولده قبل جسمه، يزكي إيمانه قبل أن يأتيه بطعامه.
الترهيب عن التقصير في تربية الولد
ثبت عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» أخرجه الشيخان.
وهل من ريبٍ في أنّ الوالدين قد استرعاهما الله أولادهما؟ وهذا الغش يكون بعدم إرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، وترك تأديبهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إحسان التربية من نصيحة الوالد لولده
تربية الولد على معالي الأخلاق من النصيحة التي بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانتها بقوله: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ:«لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم.
الأمر بأمر الولد بالصلاة من سن مبكرة وجواز ضربه من أجلها
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رواه أحمد.
ما يحمل على الاجتهاد في أمر التربية ويشحذ الهمم لذلك
1/ أن التربية السليمة تضمن لمجتمعنا شباباً صالحين، يعملون لنهضة الإسلام.
وما أجملَ أن ينشأ الشاب في طاعة الله! فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» رواه الشيخان.
2/ أنّ الذرية التي تشارك الوالدين الصالِحَيْن في الإيمان بالله تلحق بهما في عالي الجنان وإن لم تؤهلهم أعمالهم لذلك؛ فضلاً من الكريم المنّان
قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: 21].
3/ أن الوالدين ينتفعان بدعاء ولدهما الصالح بعد موتهما.
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم.
4/ أن للوالدين نصيباً من أجر الولد من عمله الصالح الذي تثمره التربية السليمة من غير أن ينقص أجرُه
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» رواه مسلم.
5/ أنَّ السعي على البنات وقاية من النار
قال عائشة رضي الله عنها: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ:«مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» رواه الشيخان.
لكن ما معنى «فأحسن إليهم»؟
بينت روايات عديدة المراد من ذلك، وهي:
«فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن» رواه ابن ماجه.
وللطبراني: « فأنفق عليهن، وزوجهن، وأحسن أدبهن».
وعند أحمد: «يؤويهن، ويرحمهن، ويكفلهن».
وللترمذي: «فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن».
رب صل وسلم على نبينا محمد.

