مقالات

الصلاة: فضلها، ومكانتُها

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة: فضلها، ومكانتُها

مهران ماهر عثمان

مسجد السلام بالطائف (22)

15 جمادى الآخرة 34

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد؛

فإن أجلَّ عبادة في دين الإسلام بعد الإيمان بالله: الصلاة، وقد فرضها الله تعالى على عباده بلا واسطة، وهذه محاور أنطلق منها للتذكير بفضلها وعِظَمِ مكانتها في دين الإسلام..

الصلاة عمود الدين

ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» رواه البخاري ومسلم.

وأفضل ما يتقرب به المسلم إلى ربِّه: الفرائض، قال ربُّنا في الحديث القدسي: “وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه” رواه البخاري.

الصلاة أفضل الأعمال

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة». قال: ثم مه؟ قال: «ثم الصلاة». قال: ثم مه؟ قال: «ثم الصلاة». قال: ثم مه؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» رواه أحمد.

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» رواه ابن ماجة والحاكم.

وقال صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَاةُ قَالَ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ» رواه أحمد.

أي: خير عبادة وضعها الله لعبادة: الصلاة.

والصلاة نور

في صحيح مسلم يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والصلاة نور». والمراد بذلك أمران:

الأول: أنها نور على الصراط.

قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } [الحديد: 12، 13].

والثاني: نور هداية يقذف الله به في قلب عبده المؤمن بسبب الصلاة.

وبصلاح الصلاة يصلح العمل

عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» رواه الطبراني في الأوسط.

والصلاة لا يأنس أصحابها بمعصية الله

قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].

وبها يقوى الإنسان على تحمل ما نزل به من بلاء

وقد أمر الله تعالى في موضعين بالاستعانة بها.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. رواه أبو داود.

ولما أُخذت سارة من الخليل عليه السلام صلَّى.

ولما نزل بجريج ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من التهمة الباطلة لجأ إلى الصلاة.

وعندما نعي قُثَم إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهم نزل من على بعيره وصلى ركعتين.

وقد بشر الله المصلين بالأجر العظيم وبولايته لهم

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277].

وذُكر في الآية أن الأجر من عند الله لفائدتين:

الأولى: ليُعلم أنه كبير، والثانية: ليُعلم أنه لا يضيع.

أما دلالة الآية على ولاية الله للمصلين ففي قوله تعالى: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}..

لا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على الدنيا ولا على أزواجهم وذرياتهم فإن الله يتولى أمرهم بسبب صلاحهم وصلاتهم.

والصلاة عبادة الأنبياء جميعا

قال الخليل عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40].

وقال عن إسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55].

وقال لكليمه موسى عليه السلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

وقال عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].

وقال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].

وقال عن جملة منهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].

والصلاة كفارة للذنوب

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء»؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: «فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» رواه البخاري ومسلم.

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر» رواه مسلم.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا» رواه الطبراني في الصغير والأوسط وإسناده حسن.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملكا ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها» رواه الطبراني في الأوسط والصغير.

وعن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرة، فأخذ غصنا منها يابسا، فهزه حتى تحات ورقه ثم قال: يا أبا عثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، وأخذ منها غصنا يابسا فهزه حتى تحات ورقه، فقال: «يا سلمان ألا تسألني لم أفعل هذا»؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: «إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق» رواه أحمد.

وعن أبي أيوب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة» رواه أحمد.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]. قال الرجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمتي» رواه البخاري.

والصلاة من أسباب دخول الجنة

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة» رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه.

وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: «من الصديقين والشهداء» رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بلي حي من قضاعة، أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سنة»؟ رواه أحمد بإسناد حسن.

وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة» رواه مسلم.

وعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم نهاري، فإذا كان الليل آويت إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبت عنده، فلا أزال أسمعه يقول: «سبحان الله سبحان الله سبحان ربي»، حتى أمل أو تغلبني عيني فأنام، فقال يوما: «يا ربيعة سلني فأعطيك». فقلت: أنظرني حتى أنظر، وتذكرت أن الدنيا فانية منقطعة، فقلت: «يا رسول الله أسألك أن تدعو الله أن ينجيني من النار ويدخلني الجنة». فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أمرك بهذا»؟ قلت: ما أمرني به أحد ولكني علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه، فأحببت أن تدعو الله لي. قال: «إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود» رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن إسحاق واللفظ له. ولفظ مسلم قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوَضوئه وحاجته، فقال لي: «سلني». فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: «أو غير ذلك»؟ قلت: هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».

رب اجعلنا من المقيمين للصلاة.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الصلاة مكانتها وفضلها

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *