
بسم الله الرحمن الرحيم
اغتصاب الأطفال
جمعة 11 ربيع الآخر 1439هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
سبب اختيار الموضوع.
لكثرة ما أصبحنا نسمع من الحوادث المتعلقة بذلك.
معنى التحرش؟
كل فعل أو قول ذي طبيعة جنسية يكون الطفل طرفاً فيه.
فيكون بإسماع الطفل كلمات من هذا القبيل، أو أن يمكَّن من رؤية ما لا ينبغي له رؤيته، أو اللمس غير البريء. والاغتصاب فعل الفاحشة معه.
والطفل من لم يبلغ، خلافا لتعريف منظمات الأمم المتحدة، فإن المولود عندهم طفل إلى أن يبلغ ثمانية عشر عاماً! وقد دلت السنة على أن من بلغ خمس عشرة سنة فقد جرى قلم التكليف عليه ولا يكون طفلاً، وإذا ظهرت عليه علامات البلوغ قبل سن الخامسة عشرة فلا يكون طفلاً.
جاء الإسلام بالتدابير الواقية من التحرش بالأطفال:
فلقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رواه ىبو داود. وفي رواية: «إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم» رواه الدارقطني.
وذلك لأن النوم مظنة انكشاف العورات، وحصول الملامسات، وهذان من أسباب ثوران الشهوات، فنهينا عن ذلك؛ لينشأ الطفل عفيفاً، وهذا حديث يوجب علينا أن نحافظ على أولادنا باتخاذ التدابير التي تحول بينهم وبين أن يتحرش بهم أحد.
أثر التحرش أو الاغتصاب على الطفل
الاضطراب النفسي، والخوف الدائم، وكثرة التلفت، والشعور بعدم الأمان، وميل الطفل إلى الانطوائية، وشرود الذهن، وتحاشي المكان الذي تم اغتصابه فيه!
وقد يفعل هذا الذي فُعل به، إما بدافع الانتقام أو بغيره من الدوافع.
دور الأسرة بعد وقوع التحرش أو الاغتصاب؟
عند اكتشاف أن الطفل تعرض للاعتداء الجنسي فيتعين على الأسرة ما يلي لإعادة حال الاتزان النفسي إليه:
- عدم توبيخه وبيان أنه معذور فيما وقع عليه.
- عرضه على خبير نفسي معالج.
- الثناء عليه بسبب شجاعته التي حملته على أن يتحدث بما ألمَّ به.
- طمأنته وعدم إشعاره بالقلق.
- الحذر من إكسابه شعور أنه فقد رجولته.
- الحذر من انهيار الأم أمامه بسبب ما جرى له.
- ملاحظة سلوكه بعد الحادثة للتدخل المناسب حسب الحاجة.
- التأكيد له على أن المعتدي سيلقى عقوبته.
لماذا يتعرض الأطفال للتحرش
لأنهم هدفٌ سهل ولا حيلة لهم، ولسهولة الخلوة بهم، فهو يكثرون من الدخول والخروج، ولأنهم في الغالب يسكتون عما لحقهم ولا يتكلمون به.
وأسباب صمت الأطفال بعد الاغتصاب أو التحرش وعدم تصريحهم لآبائهم بالمشكل ترجع إلى سببين:
1/ خوف الطفل من الشخص الذي اعتدى عليه؛ ففي كثير من الحالات يقوم الجاني بتهديد الطفل إذا أخبر بما حصل له.
2/ خوف الطفل من ردة فعل الوالدين.
والوالد الذي يقوم بتوبيخ طفل بريء لا ينبغي أن يطمع في أن يخبره مستقبلا بما يقع عليه من المصائب والملمات، فمن المهم شحذ همة الطفل للتحدث بكل ما يقع عليه، ولن يفعل إلا إذا شعر بالأمان وأنه لن يعاقب بشيء لا يد له فيه.
كيف نقي أولادنا من شر هذه الجريمة؟
بجملة أمور، منها:
1/ إعطاء الصغير كفايته من العطف والحنان.
وهذا يجب أن يشترك فيه الوالدان.
يقول الدكتور على الزهراني – استشاري الطب النفسي بالمملكة العربية السعودية – في رده على أحد المرضى المنحرفين الشاذين: “أعود لمشكلتك الجنسية وتعلقك بكبار السن للقيام بالعملية الجنسية، حيث يرى بعض علماء النفس أن الطفل الذي لم يحظ بالحنان الكاف من والده فإن هذا الأمر سيلازمه للأبد بمطاردته لكبار السن بطلب الحنان منهم فهو، أحياناً يجد رغبة في الفجور معهم، لكنه في الواقع يبحث عن الحنان الذي طالما بحث عنه لكنه لم يجده في طفولته، حتى أن بعض العلماء يرى أن يقوم الأب بملامسة جسد الطفل في الصغر لإعطائه الحنان الذي يبحث عنه، وفي المراحل المتقدمة من الطفولة يقوم الأب بممازحة الطفل واللعب معه للتغلب على ظهور مثل هذا الانحراف، وهناك دراسات وجدت أن الانحرافات الجنسية تكثر بين الأطفال الذين عاشوا بدون آباء، إما لانشغالهم المستمر خارج المنزل، أو لسفرهم لفترات طويلة، أو لفقدهم بالموت، أو الانفصال” ([1]).
2/ نصح الأبناء وإرشادهم
لابد من مصارحة الأب لأولاده المميزين بالأسلوب الذي يراه مناسباً، وتحذيرهم من هذه الفاحشة.
وربما كان الأنفع أن تبلغهم المعلومة ويتكون التصور في ذهنهم بألفاظ عامة. ولا تقل: لا أريد لفت أنظارهم إلى ما كان خارجاً عن تصوراتهم؛ إذ لابد لهم من التعرف على هذا الأمر، وإذا قرؤوا القرآن الكريم فسيقفون على قصة نبي الله لوط عليه السلام، فلابد من تحذيرهم من خطر هذه الفاحشة قبل أن يقعوا فريسة للمجرمين .
وقد أخبرني أخٌ فاضلٌ أنه لما كان بالمرحلة الابتدائية كان معهم معلم منحرف في سلوكه! فحذره خاله منه. وفي يومٍ اقترب منه هذا المعلم وأمسك بأذنه، فأزاح يده عنه بعنف وهدده بإخبار خاله إن اقترب منه، فلم يفعلها ثانيةً. ولو قلت إن الله كتب النجاة لهذا الطفل بسبب وعي خاله ومصارحته له لكنت صادقا في ذلك.
من المهم جدا للوالد أو الوالدة قراءة كتاب “لا تلمسني” للأستاذة هند خليفة، للتعرف على كيفية تحذير أطفالنا من التحرش بهم.
فيُعلَّم أن بعض المناطق في جسده لا يلمسها أحد أبداً سواه.
ولا يجلس على حِجر أحد سوى أبويه.
ولا يكشف عورته عند أحد.
ويعرَّف بالعورة.
ويطلب إليه أن يخبر بمن يكشف عورته له ويمكِّنه من رؤيتها.
وألا يأخذ شيئا من أحد؛ فإن بعض المتحرشين يغري الطفل بالحلوى والمال.
3/ مراقبتهم وعدم الغفلة عنهم.
ولندع عنّا العفوية المفرطة، والثقة الزائدة .
ليس من معنى لأن نترك أطفالنا مع أناس ونغفل عنهم، وفي بيتهم شباب في سن المراهقة بينهم وبين التدين بون كبير .
ولقد أكدت دراسات عديدة اطلعت على كثير منها وأنا أقوم بتحضير هذه المادة أكدت على أن معظم الاعتداءات على الأطفال وقعت عليه من داخل محيطه ومن أناسٍ يعرفهم أو له بهم قرابة.
وهذه ليست دعوة لإشاعة الشكوك والتهم، وإنما هي دعوة للتيقظ والتنبُّه.
قال ابن كثير رحمه الله: “قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَوْمَ لُوطٍ في القرآن ما ظننت أن ذكراً يفعل هذا بذكر. قلت: فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة، والفاحشة المذمومة، التي عذب الله أهلها بأنواع العقوبات، وأحل بهم أنواعاً من المثلات، التي لم يعاقب بها أحداً من الأمم السالفات وهي فاحشة اللواط … فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه، وأن يجنبه مخالطة هؤلاء الملاعين، الذين لعنهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” [البداية والنهاية (9/ 184)].
تنبيه
تستر بعض الأمهات على جريمة التحرش بحكم قرابة المتحرش أو المغتصب جريمة قبيحة.
4/ عدم اللعب والاختلاط مع من يكبره في السن.
5/ التعرف على أصدقائه وجيرانه في الفصل الدراسي.
فإن أولادنا يقضون ثلث يومهم بمدارسهم.
6/ والدعاء أهم سلاح لحفظ الأولاد
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده» رواه ابن ماجه.
ومن دعاء عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
أي: ارزقنا أزواجا من الصالحات وذرية صالحة تقر بها أعيننا.
ومِن دعاءِ صالحي المسلمين ما جاء في قول رب العالمين: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15].
جزاء المغتصب والمتحرش
الاغتصاب هو ارتكاب الفاحشة مع الطفل، والمادة(45 أ) من قانون الطفل لعام (2010م) تنص على إعدام مغتصبي الأطفال، أما التحرش فهو فعل لا يصل إلى درجة ارتكاب الفاحشة، ويصنف تحت المادة(45ب) من ذات القانون، وعقوبتها السجن مدة لا تجاوز(15)سنة.
وهذا نؤمِّن عليه.
وأشير إلى أهمية إدراج الاغتصاب في صور الحرابة؛ فإن الاعتداء على العرض أعظم من الاعتداء على المال، وقد يتمنى الإنسان أن يقتل دون عرضه.
وأصون عرضي بمالي لا أدنسه*لا بارك الله بعد العرض في المال.
والنبي صلى الله عليه وسلم سوَّى بين الدم والعرض، فقال: «فإنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ » متفق عليه.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].
وقد جاء في الموسوعة الفقهية: “الحرابة هي: البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو لإرعاب على سبيل المجاهرة مكابرة، اعتماداً على القوّة مع البعد عن الغوث. وزاد المالكيّة محاولة الاعتداء على العرض مغالبة”.
والصحيح أنه لا يشترط أن يكون المحارب في فضاء بعيدا عن العمران، بل يمكن أن يكون داخل المدن، فهذا شرط لم يدل عليه كتاب ولا سنة.
رب صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] / رابط هذا النقل : http://www.alamal.med.sa/ask/details2.asp?id=508
