مقالات

إذ هما في الغار

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
وقفة مع آية الغار
قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة/40].
والمعنى: يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم، وإن لا تنصروه; فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده (مكة)، وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور “بمكة”، فمكثا فيه ثلاث ليال، إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده، فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة، فأنجاه الله من عدوه وأذلَّ الله أعداءه، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا، ذلك بإعلاء شأن الإسلام. والله عزيز في ملكه، حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال ابن العربي المالكي رحمه الله:
“قال علماؤنا -وهو الأقوى-: لأن الصِّدِّيق خاف على النبي صلى الله عليه وسلم من القوم، فأنزل الله سكينته ليأمن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسكن جأشه، وذهب روعه، وحصل له الأمن” [أحكام القرآن 2/436].
ومما يدل لصحة هذا القول –مع عدم ثبوته من ناحية الإسناد إلى ابن عباس رضي الله عنهما- أمور:
أولاً:
أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكورات المتقدمة في هذه الآية هو أبو بكر رضي الله عنه؛ لأنه تعالى قال: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾، والتقدير: إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر لا تحزن.
ثانيا:
أن السكينة لم تزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثا:
أنه لو كان المراد إنزال السكينة على صلى الله عليه وسلم لما أمكنه أن يقول لأبي بكر: ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، فمن كان خائفاً كيف يمكنه أن يزيل الخوف عن قلب غيره.
أسئلة ثلاثة
أول سؤال: هل كانت الهجرة النبوية في شهر الله المحرم؟

الجواب: لا؛ فقد غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة: مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما تُوُقِّع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ… وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب قال: “جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ، فقال علي: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك، ففعله عمر” [فتح الباري لابن حجر 7/268 – 269].

السؤال الثاني: في القرآن الكريم ذكر للغار والكهف، وكلاهما في الجبال، فما الفرق بينهما؟
الغار سمي بذلك لأن صاحبه إذا حل به انخفض، وغور كل شيء قعره. غار الماء سفَل في الأرض.
أما الكهف فإنه يكون بمستوى البصر لمن وقف ببابه لا ينخفض بأصحابه، بل يكون مستوى الأرض داخله وخارجه واحداً.

والسؤال الثالث: ما حكم زيارة هذا الغار؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة، وليس كذلك، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عز وجل، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟ الجواب: لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك” [اللقاء الشهري 3/65].

التعريف بغار ثور
غار ثور هو الذي أوى إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق قبيل هجرتهما المباركة.
يقع الغار على جبل يبلغ ارتفاعه نحو 748 م من سطح البحر، وهو عبارة عن صخرة مجوفة ارتفاعها 1.25م، وله فتحتان فتحة في جهة الغرب وهي التي دخل منها النبي و أبو بكر وفتحة أخرى من جهة الشرق. ويبعد الجبل عن المسجد الحرام مسافة 4 كيومترات من الناحية الجنوبية.

دروس من قصة الغار
1/ الاستفادة من جميع الطاقات لخدمة دين الإسلام.
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه خرج بنفسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحميه، ويحرسه، ويؤنسه، وبنته أسماء رضي الله عنها كانت تأتي إليهما بالطعام وهما في الغار، وعبد الله ابنه كان يأتيهما بخبر القوم، وعامر بن فُهَيْرَةَ مولى أبي بكر يأتيهما باللبن، ويتتبع أثر عبد الله لينسخه.

2/ اتخاذ الأسباب.
ولذلك لجأ إلى الغار حتى يكف القوم عن البحث عنه، ومكث في الغار مع صاحبه ثلاث ليال؛ ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد.

3/ حسن تخطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلو سار إلى المدينة مباشرة بعد خروجه من بيته لوجده المشركون.

4/ أعظم الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه لما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما لك يا أبا بكر»؟ قال: لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ما يجده.

5/ فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم له دون غيره لهذا الأمر العظيم.

6/ صدق توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله.
‏عَنْ ‏‏أَبِي بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ:‏ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا ‏‏ أَبَا بَكْرٍ ‏‏بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» رواه البخاري.
﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة:40].
إنّ هذا ليذكرنا بما صدر عن إبراهيم عليه السلام لما أضرم قومه النار له وصارت ألسنتها تتخطف الطير الذي يسبح في رحب الفضاء، وهو في طريقه إليها بدا له جبريل عليه السلام قائلاً: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما منك فلا، وأما من الله فنعم.
ويذكرنا بموسى الكليم عليه الصلاة والسلام لما قال له قومه – وكان البحر أمامهم، وفرعون خلفهم، والجبال الشاهقة عن أيمانهم وعن شمائلهم– قالوا: ﴾ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴿. فماذا قال؟ ﴾قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴿ [الشعراء:62].
فعلى المسلم أن يحسن الظن بربه، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» متفق عليه.

7/ من كان الله معه فلا يحزن.
فقد رد الله المشركين خاسئين خاسرين.

8/ جواز الاستعانة بالمشرك الذي يؤمن شره.
لاستعانة النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط.

9/ جواز التجسس على المشركين.
فيما يعود نفعه على الأمة، فقد كان عبد الله بن أبي بكر يأتي إليهما بخبر المشركين كل يوم.
في صحيح البخاري، ‏‏عَنْ عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،‏ ‏زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،‏ ‏قَالَتْ:… ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ ‏‏بِغَارٍ فِي ‏‏جَبَلِ ثَوْرٍ،‏‏ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،‏ ‏وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ (أي حاذق سريع الفهم)،‏ ‏فَيُدْلِجُ ‏‏مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ (أي يخرج من عندهما آخر الليل) فَيُصْبِحُ مَعَ ‏‏قُرَيْشٍ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏‏كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا ‏‏يُكْتَادَانِ ‏بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ… الحديث.

10/ تأييد الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالملائكة.
روى الطبراني في الكبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أن أبا بكر رأى رجلاً من المشركين يراه مواجه الغار، فقال: يا رسول الله إنه ليرانا، فقال: «كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها».
قال الألباني رحمه الله: “المتقرر في يعقوب هذا أنه حسن الحديث… فإن لم يكن في الإسناد علة أخرى فهو حسن” [السلسلة الضعيفة (3/263)].

وأما قصة نسج العنكبوت فقد رواها الإمام أحمد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ اقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ.
وهذا ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وأحمد شاكر في تحقيق المسند (3251).
وأما قصة الحمامتين فقد ذكرها ابن كثير في “البداية والنهاية” (3/223) وقال رواها ابن عساكر ثم قال: هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه اهـ وضعفها كذلك محققو المسند في الموضع المشار إليه سابقاً.
قال الألباني رحمه الله في [السلسلة الضعيفة (3/339)]: “واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات التي تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكن من ذلك على علم”.

11/ فضل أسماء رضي الله عنها.
في [سيرة ابن هشام (1/486)]: “حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصاما، ثم علقتها به”.
فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر ذات النطاق لذلك: وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين. وتفسيره أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر”.
والنِّطاق حِزام يُشد به الوسط.
وقد قال ابن الزبير – لما قال له بعض أهل الشام بالمسجد الحرام: يا ابنَ ذَاتِ النِّطاَقين؛ تقليلا من شأنه -:
وتلك شَكاَةٌ ظاهرٌ عنك عارُها
أي: غائب عنك عارها، فهذا مما لا يلام به.
فجاءتهما بالطعام والزاد، والجبل وَعْرٌ، وقد جربت مع جماعة الصعود عليه، والمرء يحتاج لساعة ونصف ليصعد على الجبل من أسفله إلى غاره، وكانت رضي الله عنها حاملاً، ولابد أن يكون إتيانها إليهما ليلا عندما تغطي ظلمة الليل أعين أعدائه، وفي غريب الحديث للقاسم بن سلام (3/258) أن ذلك تكرر منها مراراً.
فما أكملها! وما أبرها! وما أعظم إيمانها! وليس ذا بغريب عنها، فهي ابنة أبي بكر ﴿ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾.
ولها تضحية أخرى في قصة الهجرة:
فإن المشركين لما لم يحصلوا من عليّ على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها: أين أبوك ؟ قالت: لا أدرى والله أين أبي ؟ فرفع أبو جهل يده ـ وكان فاحشًا خبيثًا ـ فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها.
فرضي الله عنها وعن أبيها.
رب صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *