مقالات

إن شاء الله

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات مع كلمة (إن شاء الله)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فهذه وقفات مع كلمة مباركة أُمرنا بالتبرُّك بها، وهي قولنا: إن شاء الله، فأقول مستعيناً بالله ربنا:

  • نهي الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم أن يَعِد بأمر دون أن يقرن وعده بهذه الكلمة المباركة، قال ربنا: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله﴾ [الكهف: 23، 24]. قال ابن كثير رحمه الله: “هذا إرشاد من الله لرسوله الله صلوات الله وسلامه عليه، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله، عز وجل، علام الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون” [تفسير ابن (5/148)].
  • وسبب نزول هذه الآية: أن نبيَّنا صلى الله عليه وسلم سُئل عن عدد أصحاب الكهف، فقال: «غداً أجيبكم»، ولم يستثن، فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً، ثم نزلت الآية. [يُنظر: تفسير ابن كثير (5/149)].
  • فعمل نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك، فكان إذا تحدث عن أمر سيفعله قرن ذلك بمشيئة الله، ومما يبين ذلك حديث الصحيحين، أن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال له: يَا رَسُولَ الله قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ الله، أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ الله».
  • وهذه الكلمة قالها موسى للخضر عليهما السلام، قال ربنا: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: 69].
  • وقالها يوسف عليه السلام، قال ربنا: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ الله آمِنِينَ﴾ [يوسف: 99].
  • وقالها شعيب لموسى عليه السلام: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: 27].
  • وقالها إسماعيل عليه السلام، قال الله: ﴿قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102].
  • وفي قول ربنا: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ [الفتح: 27] تأديب وإرشاد لنا إلى قولها عند الحديث عما سنفعله.
  • وفي الصحيحين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهَا تَأْتِي بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَجَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ».
  • وفي قصة نبي الله سليمان عليه السلام ما يدل على بذل الأسباب مع قولك إن شاء الله.
  • وبنو إسرائيل ما هُدوا إلى البقرة إلا بعدما قالوا إن شاء الله. قال الله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 67 – 70]. قال أبو العالية رحمه الله: “ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: ﴿وإنا إن شاء الله لمهتدون﴾ لما هدوا إليها أبدا” [تفسير ابن كثير (1/295)]. ويُروى مرفوعاً بسند لا يصح. [ينظر السلسلة الضعيفة برقم: 1652.
  • وهذه الكلمة إذا هُدي إليها يأجوج ومأجوج خرجوا من سدِّهم. ففي سنن ابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَنَحْفِرُهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ الله أَشَدَّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ، وَأَرَادَ الله أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ، حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا، فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى، وَاسْتَثْنَوْا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ».
  • ولا فرق بين: إن شاء الله، وبإذن الله، قال في التحرير والتنوير (15/ 296) “فالمراد بالمشيئة إذن الله”.
  • ولا تُقال في أمر مضى، فلا يُقال: أكلتُ إن شاء الله! إلا في العبادات، فيقال: صليت إن شاء الله، إذا أردت أني صليت صلاة كاملةً سليمة، كما أفتى به ابن باز رحمه الله في نور على الدرب.
  • ولا يقال: أنا مؤمن إن شاء الله إذا قصد الحديث عن أصل الإيمان! أما إذا كان الحديث عن كمال الإيمان أو ذُكرت تبركاً فلا حرج في ذلك. وهذه المسألة التي يعبر عنها علماء الاعتقاد بالاستثناء في الإيمان.
  • ولا تقال في الدعاء، ففي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ».
  • أما حديث البخاري: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: «لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله»، فهذا خبر، ولهذا قيلت هذه الكلمة فيه، والمعنى: هذا المرض كفارة لك، مطهر لآثامك. فتقال في الخبر دون الدعاء، فقولك: رحمه الله، دعاء، لا تقال معه إن شاء الله، بخلاف قولك: فلان مرحوم، فهذا خبر يقرن بالكلمة المباركة.
  • من حلف واستثنى فلا حنث عليه، ففي سنن الترمذي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ الله فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ».
  • ولا تكتب هذه الكلمة (إنشاء الله)، بل: (إن شاء الله)، من ثلاث كلمات.
  • ولا يُقال: شاءت الأقدار، ولا شاءت الظروف، فالقدر لا مشيئة له، بل المشيئة لله.
  • وبعض الآباء يعد طفله ويقرن وعده بكلمة إن شاء الله ولا يفي! فيستقر في ذهن الطفل ارتباطٌ بين المشيئة وخلف الوعد، فتتولد عنده كراهية لها، والأب من تسبب في ذلك. فعلى الأب أن يفي بوعده معه لئلا يُكَرِّهَه فيها.
  • ومن قال لزوجته أنت طالق ففيه تفصيل: إن قصد أنها طالق، وقالها بياناً لأن كل شيء بمشيئة الله فقد وقع طلاقه، وإن قالها وقصد تعليقه فلا يقع.

رب صل وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *