مقالات

مشاكل الأزواج الأصهار

بسم الله الرحمن الرحيم

توجيهات في التعامل مع مشاكل الأصهار

مهران ماهر عثمان مسجد السلام بالطائف (22)

15 ذو القعدة 1442هـ | 25/ 6/ 2021م

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

المقدمة

فلا يزال المؤمن يبتلى في هذه الحياة بكثير من المشكلات، فربنا يقول: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد/4]. أي: في شدة، فلا راحة لمؤمن إلا بعد أن تطأ قدماه الجنة.

ومن أنواع الإشكالات التي يكتوي بنارها كثير من الأزواج: الإشكالات التي تحدث بين الأهل والأصهار.

وعلاقة المصاهرة ذكرت في هذه الآية: ﴿وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا﴾ [الفرقان: 54]. قال ابن عاشور: “فصهر الرجل قرابة امرأته، وصهر المرأة قرابة زوجها” [التحرير والتنوير 19 / 55].

وهذه توجيهات، أسأل الله أن يجعلها نافعات؛ لتفادي هذا النوع من الإشكالات:

أولاً: ينبغي على الزوجين أن يعين كل واحد منهما صاحبه على صلة الرحم.

فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه أحمد.

فهاتان العبادتان من أسباب سعة الرزق، فإذا كان الزوج بارا بوالديه، واصلاً لرحمه، فأولُ من يستفيد مما ينزل عليه من بركات: زوجه وولده، فالعاقلة ينبغي ألا تغفُل عن هذا، وهكذا الحال بالنسبة إلى المرأة، فما يعود عليها من الخير بسبب صلتها وبرها يصيب زوجها وولدها.

وفي سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم: أنه لما كان بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية، فأعرض عنهما، لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى والهجو، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي سفيان بن الحارث: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: ﴿قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا، وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ﴾ [يوسف: 91]؛ فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولاً، ففعل ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92]” [الرحيق المختوم ص: 366]. فانظر إلى حال هذه المرأة العاقلة رضي الله عنها وتأمل فيما أشارت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالمرأة التقية لا توغر صدر زوجها على قرابته، والرجل الصالح لا يحمل امرأته على قطيعة الرحم. فلو وقعت مشكلة بينه وبين أحد إخوانها –على سبيل المثال- تبقى المشكلة بينهما، ولا يُقحم زوجته في أمرها؛ لئلا تقاطع أخاها.

 

ثانياً: على الزوجين أن يعلما: أنَّ من تسبَّب في معصية فعليه وزرُها تامَّاً.

فلو تسبب الرجل في قطع زوجته لرحمها فعليه وزر القطيعة، ولو تسببت هي في ذلك بافتعال المشاكل معهم، فأفضى ذلك إلى قطيعة الرحم فعليها وزر ما سعت إليه.

قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» رواه مسلم.

قال الملا علي القاري: “«ومن دعا إلى ضلالة»، أي: من أرشد غيره إلى فعل إثم وإن قل، أو أمره به، أو أعانه عليه” [مِرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/ 242].

وما أعظمَ أمر قطيعة الرحم! ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22، 23].

أي: “فلعلكم إن أعرضتم عن كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن تعصوا الله في الأرض، فتكفروا به وتسفكوا الدماء وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين أبعدهم الله من رحمته، فجعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه، فلم يتبينوا حجج الله مع كثرتها” [الميسر].

 

ثالثاً:  كما تدين تدان!

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “البِرُّ لا يَبْلَى، والإثْمُ لا يُنسَى، والدَّيَّانُ لا يَنام، فكُنْ كَما شِئْت، كَما تَدينُ تُدان” أخرجه أحمد بن حنبل في الزهد، وإسناده صحيح.

ومن تأمل في الكتاب والسنة وجد شواهد ذلك:

فقد عاقب الله تعالى المنافقين بجنس جرمهم، فقال في سورة البقرة: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾، فعاقبهم على استهزائهم بدين الله عقابا من جنس عملهم، فقال سبحانه: ﴿اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة/14-15].

وقال تعالى في سورة التوبة: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ، سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: 79]. قال ابن كثير رحمه الله: “قوله: ﴿سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ﴾، من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل” [تفسير القرآن العظيم 4/ 128].

وعليه؛ فالزوج الذي يسعى للتفريق بين زوجته وأهلها قد يبتلى بمن يفرِّق بينه وبين أحبته.

والزوجة التي تسعى إلى تأجيج نار الفتنة بين زوجها وأخته قد تقع الخصومات التي تعكر عليها صفو حياتها بينها وبين أخواتها! والجزاء من جنس العمل.

وقد تبتلى الزوجة التي تسعى لمنع زوجها عن بر أمِّه بزوجة ولدٍ تصدُّه غداً عن صلتها والإحسان إليها، فالديَّان لا يموت، وكما تَدين تُدان.

وكذلك الزوج الذي يمنع زوجته من البر والإحسان إلى والديها ولا يمكِّنها من زيارتهما وهما يتقطَّعان شوقاً إليها، عليه أن يعلم أن الله قادر على أن يسلِّط على ابنته غداً من يمنعها منه ويصدها عنه بعد زواجه بها، والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.

 

رابعاً: أولى الناس بالرجل أمُّه، وأعظم الناس حقاً على المرأة زوجها.

ففي الصحيحين في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار وسدت الصخرة عليهم مدخله: «قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلًا ولاَ مالًا، فَنَأَى بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْمًا فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلًا أو مالًا، فَلَبَثْتُ – والْقَدَحُ عَلَى يَدِي – أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ».

ولا أغبق: أي ما كنت أقدِّم عليهما أحدًا في شرب نصيبهما من اللبن الذي يشربانه. والغبوق شرب آخر النهار مقابل الصبوح.

ونأى: بَعُد.

ويتضاغون: يتصايحون ويبكون.

فاستجيب له ببره بأبويه الكبيرين.

وفيه من الفوائد: تقديم حقِّ الوالد على حق الزوجة والولد، ولولا أنَّ صنيعَ صاحب الغار محمودٌ لما أخبر بقصته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقصص النبوي للتأسِّي والاعتبار، وليس لمجرد الإخبار.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» رواه الشيخان.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «زَوْجُهَا» قُلْتُ: مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ؟ قَالَ «أُمُّهُ» رواه الحاكم وصححه، وضعَّفه الألباني.

وتشهد لهذا المعنى أحاديث كثيرة.

وعلى الزوجة أن تعلم: أنَّ من ضيَّع حق أمِّه فهو لما سواه من الحقوق أضيع، وسيقع هذا منه ولو بعد حين!

وعلى الزوج أن يعلم أن من أساءت الأدب مع أخيها بسببه فلابد أن يشرب من ذات الكأس التي كان سبباً في أن يشرب غيرُه منها! ﴿جزاء وفاقا﴾، ﴿ولا يظلم ربك أحداً﴾.

 

خامساً: ليس معنى بر الوالدين أن تظلم الزوجة!

في مسند أحمد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كانت تحتي امرأة، كان عمر يكرهها فقال: طلقها، فأبيت، فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أطع أباك».

وفي [الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 447)]: “سأل رجل أبا عبد الله فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي؟ قال: لا تطلقها. قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر”.

وقال ابن مفلح رحمه الله: “وقد قال الشيخ تقي الدين فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته قال: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها” [الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/447)].

فإن كان الباعث لأمر الوالد أمراً شرعياً، ككبيرة تقع هذه المرأة فيها، أو واجب قصر فيه ابنه بسببها، فله أن يأمره، وتجب طاعته إن تعذر إصلاح نفسه أو زوجه.

ولهذا أمر الخليل إسماعيل عليهما السلام أن يطلق زوجته.

ففي صحيح البخاري، «جاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تَرِكته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال فما شرابكم؟ قالت الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء». وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر، ولا ضرار» رواه الدارقطني.

أعجبُ من ذكرٍ –ولا أقول رجلاً- لا يمنع وقوع الظلم من أهله وأمه على زوجته!! إنَّ الزوجة، ورعاية حقِّها، وحفظ كرامتها أمانة، فلا بارك الله فيمن فرَّط في هذه الأمانة.

ولو كان الحفاظ على كرامتها يتطلَّب ألَّا تزور أهله أبداً وتعيَّن هذا سبيلاً لذلك فعليه أن يمنعها من زيارتهم؛ حفاظاً على كرامتها.

 

سادساً: والدة الزوج ليست أمَّا لزوجته.

فليس له أن يأمرها بمعاملة أمه كما تعامل أمَّها، هذا مما يحسُن أن تقوم به، لكنها ليست بأمٍّ لها، فلو كثرت المشاكل بينهما فلها أن تقلِّل من الذهاب إليهما، وهذا خير من أن تكثر من الذهاب إليها فتكثر الإشكالات بينهما تبعاً لذلك.

ليس للزوج أن يفرض على زوجته أن تعامل أمه كما تعامل أمها، له أن يلزمها باحترامها، ويفرض على أهله أن يحترموا زوجته، لكن أن يفرض عليها قيامَها على خدمة أمِّه كما تخدم أمها! هذ ظلم يمقت الله عليه.

 

سابعاً: ربوا أولادكم أيها المؤمنون على صلة الرحم والتراحم بينهم

قولوا لهم: لا تسمحوا لأحد إذا تزوجتم غداً أن يكون سبباً في تمزيق أواصر المحبة بينكم، قل لابنك: إن الإحسان إلى أختك دينٌ فلا تحول امرأة بينك وبين ذلك، قولي لابنتك: الربُّ الذي أمر بطاعة الزوج هو الذي لعن المرأة القاطعة لأخيها، و«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

ربُّوهم على أن الحقوق لا تعارض بينها.

علِّموهم أنَّ إحسان بعضهم إلى بعض سببٌ يُنال به خيرا الدنيا والآخرة، اطلبوا إليهم حفظ هذا الحديث: «إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكُونُون فَجَرَةً، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَتَوَاصَلَونَ فَيَحْتَاجُونَ» رواه الطبراني في الأوسط، وقال الألباني في [التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان 1/ 446] “حسن لغيره”.

نعلِّمُهم أن صلة الإخوة من صلة الوالدين بعد موتهما، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ «نَعَمْ؛ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا» رواه أبوداود.

 

ثامناً:  أعط كل ذي حق حقه.

فللوالدة حق، وللأخت حق، وللزوجة حق.

ولا ينبغي أن يفرِّط الزوج في حقِّ واحدةٍ من هؤلاء، فأعط كلَّ ذات حقٍّ حقَّها.

وليس للزوج أن يأمر زوجته بقطيعة رحمهما، فلا ريبَ أنه أعظم الناس حقاً عليها، لكن ليس لأحد أن يأمر أحداً بما نهى الله عنه، وفي الحديث: «إنما الطاعة في المعروف»، وفي حديث آخر: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

وليس لأحد أن يقاطع أخته بسبب زوجته، ولا أن يسيء إلى زوجه بسبب أخته! بل الواجب أن يقوم بحق كل واحدة منهما عليه.

 

تاسعاً: السكن المستقل مما يقي كثيراً من الإشكالات بين الزوجة وأهل زوجها.

جاء في الموسوعة الفقهية (25/ 109) “الْجَمْعُ بَيْنَ الأْبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ لاَ يَجُوزُ (وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنَ الأقَارِبِ)، وَلِذَلِكَ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الاِمْتِنَاعُ عَنِ السُّكْنَى مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لأِنَّ الاِنْفِرَادَ بِمَسْكَنٍ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا حَقُّهَا، وَلَيْسَ لأِحَدٍ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ”.

والسكن في بناية واحدة في جزء مستقل منها يعتبر سكناً مستقلاً ولو كانت البناية واحدة، والنقل السابق في السكنى في بيت واحد مختلطِ المنافع.

وإذا احتاج أحد الوالدين إلى ولده ليقوم على أمره واقتضى ذلك أن يكون معه في بيته، فهذا من آكد الواجبات على الابن، ويكون ذلك برضا زوجه، فإذا امتنعت من قبول ذلك جعل لوالده جزءً، وكان لها جزء مستقل من بيتها.

 

عاشراً: حديثان أختم بهما

حديث يخاطب الأزواج، وآخر يخاطب الزوجات.

أيها الأزواج:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» رواه الترمذي.

خير الرجال عند الله خيرهم لنسائهم.

أيتها الزوجات:

في موطأ مالك رحمه الله، سأل النبي صلى الله عليه وسلم امرأة، قال لها: «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ»؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فقَالَ لَهَا: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ»؟ فَقَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: «فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ أَوْ نَارُكِ».

في [التعليق الممجد على موطأ محمد 3/ 485] “ما آلوه، أي: ما أُقَصِّر في خدمته ورضائه ما استطعت”

ربِّ أصلح أحوالنا.

وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *