الحمد لله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
مهران ماهر عثمان
مسجد خالد بن الوليد – أركويت (63)
خطبة 19/ 6/ 2009
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإنّ خير ما يذكر الإنسان به ربه حمده، وقولك الحمد لله خير من الدنيا وما فيها، ولعل من المناسب أن أبدأ بتعريف الحمد.
ما معنى الحمد؟
الحمد ضد الذم.
والحمد في الشرع: وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً، فإنَّ وصفَهُ بالكمال لا محبة ولا تعظيماً، ولكن خوفاً ورهبة سُمي ذلك مدحاً لا حمداً، فالحمد لابد أن يكون مقروناً بمحبة المحمود وتعظيمه.
حمد الله تعالى لنفسه
حمد الله نفسه في القرآن الكريم في مواضع عديدة، فمن ذلك:
﴿الحمد لله رب العالمين﴾ في سورة الحمد.
وقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1]
وقوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل 75]
وقوله-في أول الكهف-: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾. والآيات في هذا كثيرة جداً.
وفي أول سبأ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
وفي أول فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
وأمر الله في كتابه بأن يحمد:
أمر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء 111].
وقال: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل 59].
وفي السورة نفسها (الآية: 93): ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾.
وقال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت 63].
وقال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [لقمان 25].
والحمد لله كلمة تعبد الله بها السابقين:
قال إبراهيم عليه السلام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم 39].
وقال لنوح عليه السلام: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون 28].
ويلهمها الله لعباده في جنات النعيم:
فأهل الجنة في الجنة يقولون إذا دخلوها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف 43]
وقال: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس 10].
“قال مقاتل بن حيان: إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} قال: فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم، مع كل خادم صحفة من ذهب، فيها طعام ليس في الأخرى، قال: فيأكل منهن كلهن” [تفسير ابن كثير 4/250].
وقال: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر 34].
وفي الزمر: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (الآية: 74)
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون». قالوا فما بال الطعام؟ قال: «جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس» [مسلم].
والحميد من أسماء الله:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر/15]. الذي يحمده عباده، وهو المستحق للحمد سبحانه.
وأحمد الناس أحمد صلى الله عليه وسلم:
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي» رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
وهو لواء حقيقي، وأُعطي للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه أحمد الخلائق، ويأوي إليه كل حامد لله من جميع الأمم.
وهذه الكلمة لها كثير من الفضائل:
ولهذا كانت أفضل سورة في القرآن سورة الحمد.
وإن العبد إذا قرأ بها وحمد ربه في صلاته يقول الله: (حمدني عبدي) كما في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن فضائلها: أنها أفضل الدعاء
فقد قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء الحمد لله» [رواه ابن ماجة].
وإنما كان التحميد دعاء لأن الإنسان يرجو به ما يرجو بالسؤال من رضاء الله والجنة، يصدق ذلك قول أمية:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحبـاء
إذا أثنى عليك العبد يومـاً كفاه من تعرضــه الثناء
هذا المخلوق، فكيف بالخالق؟ فإذا أثنيت على ربك، وقدمته على حاجتك، كفاك حاجتك وكافأك.
والحمد لله خير من الدنيا وما فيها:
ففي سنن ابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ». أي: ما أخذه العبد من نعم الله.
والحمد لله خير الكلام وأحبه إلى الله:
فعند مسلم: «إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده».
وله عن سمرة:«أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيِّهن بدأت».
وكثيراً ما يقرن التسبيح مع التحميد، كما قال العزيز المجيد: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين﴾ [الصافات 180- 182].
وذلك لأن الحمد ثناء، ويكون الثناء على أكمل وجه إذا اقترن بالتنزيه، والتسبيح تنزيه لله، فمعنى قولك: سبحان الله: تنزه الله وتقدس على كل نقص.
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ».
وفي الصحيحين، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا، طَيِّبًا، مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَنْ الْمُتَكَلِّمُ»؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ».
والحمد سبب لنيل رحمة الله:
روى أبو الشيخ وابن حبان من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعا: «إذا قال العبد الحمد لله كثيرا قال الله تعالى: اكتبوا لعبدي رحمتي كثيرا» وحسنه الألباني.
والتحميد سبب لمغفرة الذنوب:
ففي الصحيحين: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. فيقول: هل رأوني؟ … أشهدكم أني قد غفرت لهم».
والحمد لله ثقيلة في الميزان:
ففي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والحمد لله تملأ الميزان».
وسبب لدخول الجنة:
فعند الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ».
وقيعان: مستوية.
ومن غرس له في الجنة غرس لابد أن يبلغه.
قال سعيد بن جبير رحمه الله: “أوَّلُ من يُدعى إلى الجنة الحمَّادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء” رواه ابن المبارك في الزهد، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ويتأكد التحميد في مواطن:
منها:
عند النوم:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة بنته رضي الله عنهما: «إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم» [البخاري ومسلم].
وعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا، وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي».
وفي المستدرك: «من قال إذا أوى إلى فراشه: الحمد لله الذي كفاني وآواني، الحمد لله الذي أطعمني وسقاني، الحمد لله الذي مَنَّ علي فأفضل، اللهم إني أسألك بعزتك أن تنجيني من النار، فقد حمد الله بجميع محامد الخلق كلِّهم ».
عند الانتباه ليلاً:
ففي البخاري: «من تعارّ من اللّيل فقال: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شي ء قدير، الحمد للّه، وسبحان اللّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته».
إذا رأى في منامه خيراً:
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها» [رواه الشيخان].
في الصباح والمساء:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود: «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته».
تنبيه:
إذا أمسى قال: اللهم ما أصبح بي … وليس ما أمسى؛ تمسكاً بظاهر الحديث.
إن أراد أن يقول شيئاً ذا بال:
لقول ابن مسعود رضي الله عنه: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة في النكاح وغيره [أبو داود والنسائي].
ونصها: إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾
﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم . ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾، أما بعد ..
وهذه الخطبة أسلم بها ضمام بن ثعلبة لما سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم [مسلم].
عند ركوب الدابة:
لحديث أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب دابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: «بسم الله» –ثلاثا-، فلما استوى على ظهرها قال: «الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين* وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله –ثلاثا-، الله أكبر –ثلاثا-، سبحانك إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».
بعد الرفع من الركوع:
فعند مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْد، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “هذا لفظ الحديث «أحقُّ» أفعل تفضيل، وقد غلط فيه طائفةٌ من المصنِّفين فقالوا: “حقٌ ما قال العبد”! وهذا ليس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هو بقول سديد، فإنَّ العبدَ يقول الحقَّ والباطل، بل الحقُّ ما يقوله الربُّ، كما قال تعالى: ﴿فَالحَقُّ وَالحَقَ أَقُولُ} [سورة ص/84]، ولكن لفظه «أحقُّ ما قال العبد» خبر مبتدأ محذوف، أي الحمدُ أحقُّ ما قال العبد، أو هذا -وهو الحمد- أحقُّ ما قال العبد، ففيه بيّن أنّ الحمد أحق ما قاله العبد” [الفتاوى 14/312].
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله ويسبحه ويكبره ثلاثاً وثلاثين بعد كل صلاة مكتوبة.
قبل الدعاء:
فقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي، فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: «ادع تجب، وسل تعط»[النسائي].
عند حلول النعم:
لحديث ابن ماجة: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ».
بعد الأكل والشرب:
قال صلى الله عليه وسلم: «من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه» [أبو داود].
وفي صحيح مسلم: «إنّ اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكْلة فيحمده عليها، أو يشرب الشرْبة فيحمده عليها».
عند رؤية المبتلى:
ففي جامع الترمذي قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، إلا عوفي من ذلك البلاء».
وينبغي أن لا يسمعه ذلك؛ مراعاة له.
في ختام المجلس:
لحديث سيدنا صلى الله عليه وسلم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال- قبل أن يقوم من مجلسه ذلك-: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه» [الترمذي].
عند العطاس:
للحديث: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم»، وفي لفظ أبي داود : «الحمد لله على كل حال».
والمواضع كثيرة ..
وإنّ الله ليحمد على كل حال:
وقد مر معنا أنَّ من أسماء الله: الحميد، والحميد: المحمود على كل حال.
ولهذا إذا فقد المرء عزيزاً وغيب الموت كريماً حُمد الله، ثبت عن أبي موسى الأشعريرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» [الترمذي].
ومن الفروق بين الحمد والشكر أنّ الشكر يكون على السراء، وأما الحمد فيكون على كل حال من أحوالنا.
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإذا رأى ما يكرهه قال: «الحمد لله على كل حال» [ابن ماجة].
وفي الصحيحين قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ. لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ. لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ».
والشاهد أنه حمد الله في مثل هذه الأحوال لأن الله يحمد على كل حال، ولما حمد الله لم يكن أخبر بأن صدقته قبلت، وإنما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بخبره لنقتدي به.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا، فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا» [رواه أحمد].
قال ابن تيمية رحمه الله: “وَالْحَمْدُ عَلَى الضَّرَّاءِ يُوجِبُهُ مَشْهَدَانِ:
أَحَدُهُمَا: عِلْمُ الْعَبْدِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُسْتَوْجِبٌ لِذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ لِنَفْسِهِ؛ فَإِنَّهُ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَأَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، الْخَبِيرُ الرَّحِيمُ.
وَالثَّانِي: عِلْمُهُ بِأَنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»” [مجموع الفتاوى10/43-44].
وقد جاء رجلٌ إلى يونس بن عبيد رحمه الله يشكو ضيقَ حاله، فقال له يونس: أيسُرُّك ببصرك هذا مائةَ ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبيديك مائة ألفِ؟ قال: لا، قال: فبرجليك مائةُ ألفِ؟ قال: لا. قال: فذكّره نعم الله عليه، فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة”.
فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد من بعد الرضى.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.