مقالات

مذهبات الهموم

بسم الله الرحمن الرحيم

مُذْهِباتُ الهُمُوم

 

مهران ماهر عثمان

15 رجب 1445هـ

 

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نيينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن من سنن الله تعالى أن يُبتلى الناس بشتى أنواع المصائب والكربات؛ فإن الله تعالى قضى بأن الدنيا دار ابتلاء، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]، وقال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2]، وقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ ليست خافيةً على مسلم.

ومما تحدثه هذه المصائب: الهم والغم.

ولذا كان من المهمِّ أن يتعرَّف المسلم على مذهبات الهموم؛ لئلا يبقى بقلبه شيءٌ منها، وإنْ طال أمد الابتلاءات، فقد يطول المصابُ لحكمة يعلمها الله تعالى، فإذا أعْمَلَ المسلم هذه الأسباب انشرح صدره ولو بقي البلاء معه.

ومن هذه المذهبات:

  1. تعمير الوقت بالعمل الصالح.

قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97].

قال ابن كثير رحمه الله: “وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْقَنَاعَةِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وعِكْرِمة، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هي السَّعَادَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: لَا يَطِيبُ لِأَحَدٍ حَيَاةٌ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ وَالْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: هِيَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَالِانْشِرَاحُ بِهَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرو أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ورُزق كَفَافًا، وقَنَّعه الله بِمَا آتَاهُ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ” [تفسير ابن كثير 4/ 601].

وأوضح الله تعالى حال المعرض الذي لا يرعوي عن فعل معصية، ولا يسقيم على نهج ربه، فقال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124].

وما أجمل ما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى عند تأويل هذه الآية! قال: ” أَيْ: خَالَفَ أَمْرِي، وَمَا أَنْزَلْتُهُ عَلَى رَسُولِي، أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَنَاسَاهُ وَأَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ هُدَاهُ، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾، أَيْ: فِي الدُّنْيَا، فَلَا طُمَأْنِينَةَ لَهُ، وَلَا انْشِرَاحَ لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْرُهُ ضَيِّقٌ حَرَج لِضَلَالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّم ظَاهِرُهُ، وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ، وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ، فَإِنَّ قلبه مَا لَمْ يَخْلُصْ إِلَى الْيَقِينِ وَالْهُدَى، فَهُوَ فِي قَلَقٍ وَحَيْرَةٍ وَشَكٍّ، فَلَا يَزَالُ فِي رِيبَةٍ يَتَرَدَّدُ. فَهَذَا مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾، قَالَ: الشَّقَاءُ” [تفسير القرآن العظيم 5/ 322- 323].

  1. ملازمة الاستغفار

فقد وعد الله تعالى المستغفرين بالمتاع الحسن في قوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [هود: 3].

قال البغوي رحمه الله: “قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَيْشُ الْحَسَنُ هُوَ الرِّضَا بِالْمَيْسُورِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَقْدُورِ. ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ” [معالم التنزيل 4/ 160].

وقد أخبرني أحد إخواني: أنه إذا نزل به كرب جلس، واستغفر بقلب حاضر، فأخذ يقول بتؤدة وتمهّلٍ: أستغفر الله، قال: فلا أقوم إلا وقد تغيَّر حالي وانشرح صدري.

  1. الصلاة

قال ربنا: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153].

والمعنى: أن يُستعان بهما في كل شأن، ومن ذلك رفع البلاء وإزالة الوحشة والهمّ.

وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قالَ: “كانَ النَّبيُّ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى” رواه أبو داود.

وحزبه: أحزنه.

وقد نُعي إلى ابن عباس أخوه قُثَمُ رضي الله عنهم، وكان قادماً من سفر إلى المدينة، فنزل من بعيره وصلى، وقرأ هذه الآية: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾” [جامع البيان في تأويل القرآن للإمام الطبري 1/ 14].

  1. هذا الدعاء

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعواتُ المكروبِ: اللهمَّ رحمتَك أَرجو، فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ، وأصلِح لي شَأني كلَّه، لا إلَه إلَّا أنتَ» أبو داود.

رحمتك أرجو: أطمع في أن تدخلني فيها.

فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ: لا تتخلى عني لحظة.

وأصلح لي شأني: حالي.

  1. قراءة القرآن والاستماع إليه

يدل له ما رواه الإمام أحمد في المسند، وحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود رضي الله عنه، «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ الله هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا». قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»

وهذا الدعاء الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلّمه إذا قالته المرأة فإنها تقول: أمتك، بدل عبدك.

وهذا شرح لبعض الغريب فيه:

ناصيتي بيدك: تفعل بي ما شئت، فلا سبيل إلى ردِّ قدر واقعٍ عليَّ.

ماض فيَّ حكمُك: تدل على ذات المعنى السابق.

عدل فيّ قضاؤك: لأن ما كان من الله من المصائب فلا يكون إلا كذلك؛ فإنه يتصرف في ملكه بحكمته.

علمته أحداً من خلقك: خصصت به نبياً أو ملكاً.

ربيع قلبي: راحتي، فكما أن المرء ترتاح نفسه في فصل الربيع، فإنه يطلب من الله أن يريح قلبه بالقرآن ويُذهِب غمَّه. وقيل: الربيع: المطر الذي ينبت به زرع الربيع، فهذا دعاء بأن يغيث قلبَه بالقرآن.

وفيه أن لله أسماء لا يعلمها سوى الله تعالى.

وفيه: أثر القرآن في إزالة الهم، فكيف يطلب عبدٌ أن يزول همُّه بالقرآن وهو معرضٌ عنه لا يقرؤه ولا يسمعه!؟

وقال ربنا: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]. والمراد قرآن الصلاة، وهي دالة على أن الاستماع والإنصات لكتاب الله مجلبة لرحمته، ومن آثار رحمته: إيصال المسارِّ ودفع المضارِّ، ومحوُّ الهمِّ ورفعُه داخلٌ في هذا.

والاستماع مستعمل في معنى الامتثال للعمل كما قال ابن عاشور رحمه الله، والإصغاء: الإنصات وترك اللغو.

وقد ثبت عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: «اقرأْ عليّ»، قلتُ: أَقْرَأُ عليك وعليك أُنْزل؟ قال: «إني أحبُّ أنْ أسمعَه من غيري»، فقرأتُ سورة النساء، حتى أتيتُ إلى هذه الآية: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41]. قال: «حَسْبُك الآن»، فالْتَفَتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان” متفق عليه.

  1. قرآة آيات السكينة

قال ابن القيم رحمه الله: “وَقَدْ ذَكَرَ الله سُبْحَانَهُ السَّكِينَةَ فِي كِتَابِهِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ:

الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: 248].

الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 26].

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: 40].

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: 4].

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18].

السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: 26]. الْآيَةَ.

وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ: قَرَأَ آيَاتَ السَّكِينَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي وَاقِعَةٍ عَظِيمَةٍ جَرَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ، تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ حَمْلِهَا -مِنْ مُحَارَبَةِ أَرْوَاحٍ شَيْطَانِيَّةٍ، ظَهَرَتْ لَهُ إِذْ ذَاكَ فِي حَالِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ- قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ، قُلْتُ لِأَقَارِبِي وَمَنْ حَوْلِيَ: اقْرَءُوا آيَاتِ السَّكِينَةِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْلَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْحَالُ، وَجَلَسْتُ وَمَا بِي قَلْبَةٌ.

وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا أَيْضًا قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ. فَرَأَيْتُ لَهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي سُكُونِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ. وَأَصْلُ السَّكِينَةِ هِيَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَالسُّكُونُ الَّذِي يُنْزِلُهُ الله فِي قَلْبِ عَبْدِهِ، عِنْدَ اضْطِرَابِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمَخَاوِفِ. فَلَا يَنْزَعِجُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ. وَيُوجِبُ لَهُ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ وَالثَّبَاتِ” [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 2/ 470- 471].

  1. دعاء ذي النون عليه السلام

عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً: «دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له» رواه الترمذي.

قيل: المراد أن تفتتح  بها  الدُّعاء، ثمَّ تدعو بما تَشاءُ.

وقد قال بعض السلف: “عجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قول الله تعالى: ﴿أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾، فإني وجدت الله يعقبها بقوله: ﴿فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾ [الأنبياء:88]، فهي ليست لنبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكنها للمؤمنين في كل زمان ومكان إذا ذكروا الله بهذا الذكر المبارك: ﴿وكذلك ننجي المؤمنين﴾.

  1. النظر إلى أهل البلاء ممن هو أسوأ منك حالاً.

ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ الله عَلَيْكُمْ» متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلمٍ. وفي رواية البخاري: «إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ».

  1. النظر في عاقبة الرضا عن الله في الأحوال.

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه الترمذي. وعنه مرفوعاً: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» رواهما الترمذي.

فمن تأمل هذين الحديثين علم حقيقتين عن هذا الكرب الذي أدخل الهمَّ عليه، والحقيقتان يعجِّلان بخلوِّ قلبه مما لحقه من همٍّ، وهما:

الأولى: أنَّ الله ابتلاه ليكرمه، ولم يبتلِه لهوانه عليه.

الثانية: أن الرضا عن الله تعالى بعد البلاء يورث رضاه، وأي كرامة تعدل أن يرضى الله عن عبده؟!

  1. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

قال أبي بن كعب رضي الله عنه: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت»، قال: الربع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قال: النصف؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك»، قال: فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك»، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذن تُكفى همَّك ويغفرُ ذنبُك» رواه الترمذي.

رب صلِّ وسلِّم على نبينا محمد.

والحمد لله رب العالمين.

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *