
تتريس الشوارع
بسم الله الرحمن الرحيم
تتريس الشوارع
مهران ماهر عثمان
جزء من خطبة 21 يناير 2022
.
.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإنَّ من من المحرمات التي ذكَّرت الناس بحرمتها مراراً من هذا المنبر: منع مرور الناس في طرقاتهم (تتريس الطرق وإغلاق الكباري).
وقد ذكرت في الجمعة الماضية ثلاثة أحاديث تحذِّر من ذلك:
.
.
1/ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: قَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه ابن ماجه. والمعنى ما قاله ابن عبد البر رحمه الله: “فيه أقوال: أحدها أنهما لفظتان بمعنى واحد … وَقَالَ الْخُشَنِيُّ: الضَّرَرُ الَّذِي لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِكَ فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَالضِّرَارُ مَا لَيْسَ لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِكَ فِيهِ مَضَرَّةٌ” [الاستذكار 7/ 191].
.
.
2/ عَنْ أَبِي صِرْمَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ» أخرجه أحمد، وحسنه محققو مسنده.
والمعنى: من ألحق بالناس ضُرَّاً عامله الله بذلك وحاق الضرُّ به.
.
.
3/ قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وإن من الظلم أن تُسَدَّ الطرقُ التي يمر الناس بها.
وأضيف إليها ما يلي:
.
.
4/ عن حديفة بن أَسِيد الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آذى المسلمين في طرقاتهم، وجبت عليه لعنتُهم» رواه الطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (2294).
قال الـمُناويُّ رحمه الله: “بنحوِ وضع حجرٍ، أَو شوكٍ فِيهَا، اَوْ تغوطٍ، أَو بَوْلٍ” [التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 383].
فما معنى: وجبت عليه لعنتهم؟ أصابته لعنتهم وسقطت عليه، قال تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: 36]، أي: سقطت ووقعت. أي: إذا لعنوه –وهذا حق لهم- وقعت عليه لعنتهم فكان بعيداً عن رحمة الله مطروداً عنها. قال الصنعاني رحمه الله: “ظاهره أنه يجب لعنه وإسماعه ذلك لينزجر” [التنوير شرح الجامع الصغير 10/ 8].
.
.
5/ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ». قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» رواه مسلم. ولفظ أبي داود: «اتقوا اللاعنين». “قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِاللَّاعِنَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ الْحَامِلَيْنِ النَّاسَ عَلَيْهِ وَالدَّاعِيَيْنِ إِلَيْهِ” [شرح النووي على مسلم 3/ 161].
.
.
6/ عن مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: نَزَلْنَا عَلَى حِصْنِ سِنَانٍ بِأَرْضِ الرُّومِ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ كَذَا وَكَذَا، فَضَيَّقَ النَّاسُ الطَّرِيقَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى: «مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا، فَلَا جِهَادَ لَهُ» رواه أحمد وحسَّنه محققو مسنده.
قال الملا على القاري رحمه الله: “فضيق الناس المنازل، أي: على غيرهم؛ بأن أخذ كلٌّ منزلاً لا حاجة له فيه، أو فوق حاجته. وقطعوا الطريق: بتضييقها على المارة” [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 6/ 2522].
.
.
والجمهور على أنه تُكرَهُ الصَّلاةُ على قارعةِ الطريقِ، هذا مذهب الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، لماذا؟ لأن الطريقَ العام حقٌّ للناس جميعاً ليس لأحد أن يمنع أحداً منه كما ذكر النووي في المجموع (3/ 162).
ولله در القائل: “ينادون بالحرية ثم يجبرون الناس على العصيان المدني!! الحرية في مفهوم هؤلاء هي أن يفعل (هو) ما يشاء (هو)، وأن تفعل (أنت) ما يشاء (هو)”!!
.
.
يروي أحد الإخوة الثقات عن صديق له أنه مرَّ بطريقٍ مغلقٍ، حاول أن يمر بآخره فرميت سيارته بالحجارة، ولما نزل انهالوا عليه ضرباً، وطُعن بسكين وقد تم إسعافه بحمد الله.
.
.
فعلى الناس جميعاً أن يتعاونوا على إزالة هذا الأذى من طريق الناس، فإزالة هذه الحجارة من الأعمال الموجبة لدخول الجنة، ففي الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».
وعلى كلِّ والدٍ أن يعلِّمَ أولادَه أن هذا الفعل محرمٌ في دين الله تعالى.
رب صل وسلم على نبينا محمد.