مقالات

قصة مؤمن سورة يس

بسم الله الرحن الرحيم

مهران ماهر عثمان

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإنَّ لنا في هذا اليوم لموعداً مع قصة من قصص الأنبياء والأولياء الصالحين.

قال ربنا: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [يس: 13- 30].

القصة ومعنى آياتها

﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ (13)

أي قل لهم: مثلي كمثل الرسل الذين بعثهم الله إلى أهل القرية، فلستُ بدعاً من الرسل.

لا يعلمها إلا الله. وقيل: أنطاكِيَة، ولا دليل عليه.

﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ (14)

﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾، أَيْ: قَوَّيْنَاهُمَا وَشَدَدْنَا أَزْرَهُمَا بِرَسُولٍ ثَالِثٍ.

وفي ذلك دليل على أن الله قد يبعث عدداً من المرسلين لأمة أو لجهة من الجهات، وقد كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي بعث الله بعده نبياً.

﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ (15)

أي: لو أرسلكم الله لكنتم ملائكة. وهذه شبهة تتابع المشركون على التمسك بها، والعجيب أن عقولهم تنكر أن يكون الرسول بشراً، ولا تنكر أن يكون الإله حجراً!! قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 94].

﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ (16)

إن كذبتم بنا فإن الله يَعْلَمُ أَنَّا رُسُلُهُ إِلَيْكُمْ، قال تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 166].

﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (17)

إِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُبَلِّغَكُمْ مَا أُرْسِلْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِذَا أَطَعْتُمْ كَانَتْ لَكُمُ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ تُجِيبُوا فَسَتَعْلَمُونَ غِبَّ ذَلِكَ.

ويأتي يوم القيامة نبي ومعه رهط، ونبي ومعه رجل ورجلان، ونبي وليس معه أحد، ولا يلام نبي من الأنبياء على ذلك، فإنما كلفهم الله بالبلاغ.

﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (18)

أي: تشاءمنا بكم، وذلك لأ، المطر انقطع عنهم، أو ابتلوا بغير ذلك، فتشاءموا برسل الله!

والتَّطَيُّرُ في الأصْلِ تَكَلُّفُ مُعْرِفَةِ دَلالَةِ الطَّيْرِ عَلى خَيْرٍ أوْ شَرٍّ.

قال قتادة: إِنْ أَصَابَنَا شَرٌّ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِكُمْ. لئن لم تكفوا عن دعوتكم هذه لنرجمنكم بالحجارة، ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَيْ: عُقُوبَةٌ شَدِيدَةٌ.

﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ (19)

أي: بل الحق أن شؤمكم معكم، ومن عند أنفسكم، بسبب إصراركم على كفركم، وهذا إطْلاقٌ للطّائِرِ عَلى مَعْنى الشُّؤْمِ، عَلى طَرِيقَةِ المُشاكَلَة. والمعنى: نأَّكم لَوْ تَدَبَّرْتُمْ لَوَجَدْتُمْ أنَّ سَبَبَ ما سَمَّيْتُمُوهُ شُؤْمًا هو كُفْرُكم.

وجواب الشرط لقوله: ﴿أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ محذوف، والتقدير: أئن وعظتم تطيرتم وتشاءمتم.

﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾، عادتكم الإسراف في المعاصي، وفي إيثار الباطل على الحق

﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ (20)

قيل: اسمه جبيب النجار وكان يعمل إسكافياً، وقيل: النجارة عمله. فجاء من مكان بعيد من القرية، وسميت بالمدينة لاتساعها، جاء يَحُضُّ قَوْمَهُ عَلَى اتِّبَاعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَتَوْهُمْ.

﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (21)

اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً، وهم في أنفسهم ثابتون على الهدى، راسخون في التمسك بالعقيدة السليمة.

والأنبياء كانوا يقولون: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 109]، وهذا ما قاله: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، عليهم سلام الله.

وقال ربنا لنبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [الطور: 40]. أتسأل هؤلاء المشركون أجرًا على تبليغ الرسالة، فهم في جهد ومشقة من التزام غرامة تطلبها منهم؟

﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (22)

وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّذِي خَلَقَنِي وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، أَيْ: يَوْمَ الْمَعَادِ، فَيُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ.

﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾ (23)

وهذا الاسْتِفْهَامُ للإِنْكَارٍ والنفي، لأنه إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً من النفع، ولا يدفعون عني عذاب ربي.

﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (24)

إِنِ اتَّخَذْتُهَا آلِهَةً مِنْ دُونِ الله، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: 5].

﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ (25)

﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ، ﴿فَاسْمَعُونِ﴾، أَيْ: فَاسْمَعُوا قَوْلِي. قيل: خاطب قومه وقيل: الرسل.

﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ (26)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَعْبٍ وَوَهْبٍ-: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ يَمْنَعُ عَنْهُ. فبشر بالجنة عن موته؛ تكريماً له بدخولها بعد قتله كما هي سنة الله في شهداء عباده.

ومن الأدلة على ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: 30 – 32].

وفي الصحيحين، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ». فقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:  إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

ولم يذكر لفظ (له) بعد ﴿قيل﴾، في نظم الآية؛ لأن الغرض بيان القول دون المقول له فإنه معلوم.

فلما دخلها ورأى نعيمها وشاهدها. قال: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ…﴾.

﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ (27)

يا ليت قومي الذين كذبوني وقتلوني يعلمون بما حصل لي من مغفرة الذنوب، وبما أكرمني به ربي، ليؤمنوا مثلما آمنت، وينالوا جزاءً مثل جزائي.

فما أنقى قلبه! وما أشد حرصه على هداية قومه!

إن أعظم درس من درس هذه القصة: ألا يقف الإنسان موقف الحياد إذا وقد الصراع بين الحق والباطل، ما أكثر أولئك الذين يرتضون لأنفسهم ذلك، ويرون أنه دليل على رجاحة عقل ونضوج فكر!! فإلى هؤلاء: كان بإمكان هذا الرجل أن يقف موقف المتفرج، لكنه نال هذا الفوز العظيم بسبب وقوفه مع الحق، وذبه عن أهله.

إلى أهل الحياد هؤلاء أقول: قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فأَنْكَرَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا». رواه أبو داود.

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي، فَلَا أَنْصُرُكُمْ» رواه أحمد.

﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ (28)

وما احتجنا في إهلاك قومه الذين كذبوه من بعد قتلهم له إلى جند من الملائكة ننزلهم من السماء، فأمرهم أيسر عندنا من ذلك، فقد قدرنا أن يكون هلاكهم بصيحة من السماء، وليس بإنزال ملائكة العذاب. ما ينبغي في حكمتنا أَن ننزل جندا من السماء؛ لأَن الله تعالى أَجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض بناءً على ما اقتضته الحكمة، ألا ترى إِلى قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾.

﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ (29)

فما كانت قصة إهلاك قومه إلا صيحة واحدة، أرسلناها عليهم فإذا هم صَرْعَى لم تبق منهم باقية، خامدون ساكنون، مثلهم كنار كانت مشتعلة فانطفأت، فلم يبق لها أثر.

﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (30)

مَعْنَى هَذَا: يَا حَسْرَتَهُمْ وَنَدَامَتَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ.

ذلك أنهم كانوا في الدنيا ما يأتيهم من رسول من عند الله إلا كانوا يسخرون منه ويستهزئون به، فكان عاقبتهم الندامة يوم القيامة على ما فرطوا في جنب الله.

رب صل وسلم على نبينا محمد.


للتحميل pdf

مؤمن سورة يس

شارك المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *