
أكل الحرام
بسم الله الرحمن الرحيم
أكل الحرام
مهران ماهر عثمان
.
.
.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بزمان يحل بالعباد لا يعبأ أهله بإطابة مطعمهم، ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ» رواه البخاري.
وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن فتنة هذه الأمة في المال، فقال: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال» رواه الترمذي.
وهذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم تحقق كما قال، فكم من مسلم لا إشكال عنده في الالتزام بكثير من أبواب الدين، إذا عاملته بالدرهم والدينار سقط في الامتحان سقوطاً شنيعاً!!
ولذا كان على الناس جميعاً أن يوصي بعضهم بعضاً بأهمية تحري الحلال، والحذر من سبيل الحرام، وهذا تذكير بخطورة هذا الأمر.
.
النهي عن أكل الحرام
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:188].
والمراد: لا تجمعوا بين أكل الأموال بالباطل، وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة، والمعنى لا تسرعوا بالخصومة في الأموال إلى الحكام ليعينوكم على إبطال حق أو تحقيق باطل.
﴿وأنتم تعلمون﴾، أي: حال كونكم عالمين أنكم على الباطل أو أن ذلك باطل ليس من الحق في شيء، وهذا أشد لعقابهم وأعظم لجرمهم كما قال القنوجي رحمه الله في فتح البيان.
وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَر، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخِصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، فَلْيَحْملْهَا، أَوْ ليذَرْها». فالحديث واضح الدلالة على أن حكم القاضي لا يجعل المال الحرام حلالاً، ولا يغيِّر من واقع الأمر شيئاً.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء:29] .
أي: لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق.
والأكْل مستعمل في الِانْتِفاعِ بِالشَّيْءِ انْتِفاعًا تامًّا، فَأكْلُ الأمْوالِ هو الِاسْتِيلاءُ عَلَيْها بِنِيَّةِ عَدَمِ إرْجاعِها لِأرْبابِها، كما قال ابن عاشور رحمه الله، فعُبِّر بالأكل في هاتين الآيتين لأنه أقوى وجوه الانتفاع، فالاعتداء على مال المسلم حرام وإن لم يأكله المعتدي.
وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف/157].
والخبيث نوعان: خبيث بأصله، وخبيث بكسبه.
وثبت في السنة قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا» رواه الشيخان.
.
الورع عن الحرام
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكلِّ ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» رواه البخاري ومسلم.
فما اشتبه عليك فالواجب الكف عنه، إلا لمن سأل وعلم أنه لا شيء فيه.
وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: «ادن يا وابصة»، فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته، فقال لي: «يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه»؟ قلت: يا رسول الله أخبرني. قال: «جئت تسأل عن البر والإثم». قلت: نعم. فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول: «يا وابصة استفت قلبك، والبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» رواه أحمد بإسناد حسن.
فكن ورعاً، ولا تقل فيما ارتبت فيه: فلان وفلان يفعلون ذلك، قال ربنا مزهداً في سلوك طريق الخبيث الذي تتابع الناس عليه: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة/100]، أي: والمال الحرام لا يساوي الحلال، ولو أعجبك -أيها الإنسان- كثرة الخبيث وعدد أهله.
وإن لنا في نبينا صلى الله عليه وسلم لأسوة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأنقلبُ إلى أهلي، فأجدُ التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعُها لآكلَها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيْها» متفق عليه.
ولقد سلك أصحابه سبيله:
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ” رواه البخاري.
والخراج: ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره من كسبه، فما زاد فهو له.
قال ابن عثيمين رحمه الله: “وفائدة المخارجة: أن العبد إذا حصل ما اتفق عليه مع سيده فإن له أن يبقى من غير عمل” [شرح رياض الصالحين 1/ 622].
.
الترهيب من أكل الحرام
عدم قبول الدعاء، وقطع الصلة بالله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾، وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾» ، ثُمَّ ذَكَرَ –يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم– الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك» رواه مسلم.
لقد أشار الحديث إلى خمس حالات هي مظنات لاستجابة الدعاء، وهي:
الأولى: السفر.
وقد ورد ما يؤكّد ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهن: دعوةُ المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده» رواه الترمذي.
الثانية: حالة الشعث والتبذل.
وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : «ربَّ أشعث أغبر، ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه». ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يخرج للاستسقاء متبذّلاً متواضعًا منكسرًا .
الثالثة: رفع اليدين.
وفي حديث سلمان رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حييٌّ كريمٌ، يستحي إذا رفع الرجلُ إليه يديه أن يردَّهما صفرًا خائبتين» رواه أبو داود.
الرابعة: الإلحاح.
ويُروى في الخبر: إن الله يحب الملحين في الدعاء.
الخامسة: توسله بأسماء الله الحسنى. وربنا قال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
مع كل ذلك : «فأنَّى يُستجاب له»! لماذا؟ لأنه أكل حراماً.
.
وأكل الحرام من خصال أهل الكتاب
قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ [التوبة: 34]. وقال عن اليهود﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة/42]. وقال: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة/62، 63].
أي: وترى -أيها الرسول- كثيرًا من اليهود يبادرون إلى المعاصي من قول الكذب والزور، والاعتداء على أحكام الله، وأكْل أموال الناس بالباطل، لقد ساء عملهم واعتداؤهم. هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون في الإثم والعدوان أئمتُهم وعلماؤهم، عن قول الكذب والزور، وأكل أموال الناس بالباطل، لقد ساء صنيعهم حين تركوا النهي عن المنكر.
.
وأكل الأموال بالباطل ظلم يعرضك لدعوة المظلوم
فمن أكل مال أخيه بالحرام فقد تعرَّض لدعوة المظلوم، ودعوة المظلوم ليس بنها وبين الله حجاب، يقول الله لها: «وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين» رواه أحمد.
.
ومن العقوبات: التعرض لغضب الله
قال تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى * كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) [طه : 80- 81]
قال ابن كثير رحمه الله: “المن: حلوى كانت تنزل عليه من السماء. والسّلوى: طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل، قدر الحاجة إلى الغد، لطفًا من الله ورحمة بهم، وإحسانًا إليهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ أي: كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم، ولا تطغوا في رزقي، فتأخذوه من غير حاجة، وتخالفوا ما آمركم به، ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ أي: أغضب عليكم ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي: فقد شقي” [تفسير ابن كثير 5/ 308].
.
والحرام لا بركة معه
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» رواه الشيخان.
.
وأكل الحرام من أسباب عذاب القبر
لما أُصيب غلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى مِدْعَماً بعيد خيبر بسهم يهودي، قال الناس : هنئاً له الشهادة. فقال صلى الله عليه وسلم: «بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا». فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» رواه الشيخان.
وفي مسند أحمد، عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ رُبَّمَا ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَيَتَحَدَّثُ حَتَّى يَنْحَدِرَ لِلْمَغْرِبِ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا إِلَى الْمَغْرِبِ، إِذْ مَرَّ بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ: «أُفٍّ لَكَ، أُفٍّ لَكَ» -مَرَّتَيْنِ-، فَكَبُرَ فِي ذَرْعِي، وَتَأَخَّرْتُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟ امْشِ». قُلْتُ: أَحْدَثْتُ حَدَثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قُلْتُ: أَفَّفْتَ بِي. قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّ هَذَا قَبْرُ فُلَانٍ، بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً، فَدُرِّعَ الْآنَ مِثْلَهَا مِنْ نَارٍ».
والدِّرْع القميص، درِّع مثلها كسي مثلها.
وفي الحديثين أن المتلاعب بالمال العام لا حرمة له، يشهر به ولا يستر.
وفي الثاني: جواز الإسراع إلى الصلاة، بل هو سنة، وأما النهي عن السعي فالمراد: الهرولة.
.
دخول النار
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ (أَوْ لَمْ يَغْشَ)، فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ. يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِه» رواه الترمذي. ويربو : ينمو وزناً ومعنىً . وفي رواية لأحمد :«لا يدخل الجنةَ لحم نبت من سحت» .
وعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَة» رواه البخاري.قال ابن حجر: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل .
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: «الْفَمُ، وَالْفَرْجُ» رواه الترمذي.الفم: إذا قال هُجراً، أو كتم حقاً، أو أكل سحتاً.
فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

